دَعْوَى اسْتِحَالَةِ اجْتِمَاعِ الصِّفَاتِ المُطْلَقَةِ (العِلْمُ وَالقُدْرَةُ وَالرَّحْمَةُ) لِخَالِقِ الكَوْنِ.

عَلِي العَلِيّ /:اسْتِحَالَةُ اجْتِمَاعِ الصِّفَاتِ الثَّلَاثِ المُطْلَقَةِ، وَهِيَ العِلْمُ المُطْلَقُ وَالقُدْرَةُ المُطْلَقَةُ وَالرَّحْمَةُ المُطَلِّقَةُ لِمِثَالٍ بَسِيطٍ: لَوْ كَانَ هُنَاكَ شَابٌّ يُرِيدُ أَنْ يُقْدِمَ عَلَى اغْتِصَابِ فَتَاةٍ صَغِيرَةٍ، اللهُ سَيَعْلَمُ قَبْلَ أَنْ يَفْعَلَ الشَّابُّ، لِأَنَّ عِلْمَهُ مُطْلَقٌ، اللهُ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَمْنَعَ فِعْلَ الإغْتِصَابِ، لِأَنَّ قُدْرَتَهُ مُطْلَقَةٌ، اللهُ مُجْبَرٌ عَلَى أَنْ لَا يَحْصُلَ اغْتِصَابٌ لِلفَتَاةِ البَرِيئَةِ، لِأَنَّ رَحْمَتَهُ مُطْلَقَةٌ، وَلَكِنْ نَحْنُ نَرَى سَتَقَعُ جَرَائِمُ الإغْتِصَابِ لِلأَطْفَالِ وَجَرَائِمُ القَتْلِ وَ...... إلخ؟

: اللجنة العلمية

       أَوَّلًا: أنَّنَا نُؤْمِنُ - بِالدَّلِيلِ وَالبُرْهَانِ - أَنَّ هُنَاكَ يَوْمًا يُجَازَى فِيهِ الإِنْسَانُ عَلَى أَفْعَالِهِ إِنْ خَيْرًا فَخَيْرٌ، وَإِنْ شرًا فَشَرٌّ.

      وَهَذَا اقْتَضَى عَدَمَ إِكْرَاهِ الخَالِقِ لِلعِبَادِ عَلَى أَفْعَالِهِمْ، وَمَنَحَهُمْ - فِي الأَصْلِ - حَقَّ الإخْتِيَارِ لِأَفْعَالِهِمْ لِكَيْ لَا يَبْطِلَ الثَّوَابُ وَالعِقَابُ.

      وَلِذَا قَالَ تَعَالَى شَأْنُهُ: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (41)).

        وَثَانِيًا: أنَّ عَدَمَ انْطِبَاقِ المَفْهُومِ فِي الخَارِجِ لَا يُلَازِمُ اسْتِحَالَتَهُ، لِإِمْكَانِ أَنْ تُوجَدَ المَوَانِعُ، فَمَثَلًا: مَنْ كَانَتْ يَدُهُ مُتَجَمِّدَةً وَوَضَعَهَا أَمَامَ النَّارِ الشَّدِيدَةِ، فَهَلْ يَشْعُرُ بِشِدَّةِ الحَرَارَةِ؟

      مِنْ المُؤَكَّدِ لَا، وَهَلْ مَعْنَى هَذَا أَنَّ النَّارَ لَيْسَتْ شَدِيدَةَ الحَرَارَةِ؟

        بِالتَّأْكِيدِ لَا، إِذنْ: مَا هُوَ السَّبَبُ؟ السَّبَبُ هُوَ وُجُودُ المَانِعِ.

      وَمَحَلُّ الكَلَامِ أنَّ كَوْنَ الإِنْسَانِ يَظْلِمُ وَيَعْتَدِي لَا يُلَازِمُهُ أَنَّ الخَالِقَ لَيْسَ بِعَالِمٍ وَلَيْسَ بقَادِرٍ حَتَّى يُصَارَ إِلَى دَعْوَى الإسْتِحَالَةِ، فَهُوَ عَالِمٌ وَقَادِرٌ وَرَحِيمٌ بِنَحْوٍ مُطْلَقٍ، لَكِنْ لَمَّا مَنَحَ الإِنْسَانَ العَقْلَ وَبَيَّنَ لَهُ طَرِيقَ الحَقِّ وَطَرِيقَ الضَّلَالِ، نَظَّرَهُ مَا هُوَ فَاعِلُهُ. 

      وَثَالِثًا: أنَّ دَعْوَى الإسْتِحَالَةِ فِي تَحَقُّقِ تِلْكَ الصِّفَاتِ فِي الخَالِقِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَيْسَ يُسْتَدَلُّ عَلَيْهِ بِالأَمْثِلَةِ، بَلْ لِذَلِكَ مَجَالُهُ الخَاصُّ بِهِ، شَأْنُهُ شَأْنُ جَمِيعِ العُلُومِ وَالفُنُونِ، وَلاَ بُدَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ بِدَلِيلٍ بِرِهَانِيٍّ، وَأَنْ يُبَيَّنَ فِيهِ وَجْهُ الإسْتِحَالَةِ وَمَا هُوَ المَانِعُ العَقْلِيُّ عَنْ ذَلِكَ.

      فَلَيْسَ هَكَذَا تُورِدُ يَا سَعْدُ الإبِلُ.

      وَرَابِعًا: أنَّ التَّصَوُّرَ الخَاطِئَ عَنْ مَسْأَلَةٍ لَا يَسْتَلْزِمُ عَدَمَ ثُبُوتِهَا، فَإِنَّ كُرَوِيَّةَ الأَرْضِ فِي أَوَّلِ أَمْرِهَا لَمْ تَكُنْ مَعْقُولَةً وَمُتَصَوَّرَةً لَدَى عَامَّةِ النَّاسِ فِي ذَاكَ الزَّمَانِ، وَلَا حَرَكَتَهَا حَوْلَ نَفْسِهَا، وَلَا النَّظَرِيَّةَ النِّسْبِيَّةَ، وَكَثِيرٌ كَثِيرٌ، ثُمَّ تَبَيَّنَ صِحَّةُ جَمِيعِ ذَلِكَ.

      فَالطَّرِيقُ المُتَّبَعُ هُوَ الأَدِلَّةُ وَالبَرَاهِينُ العَقْلِيَّةُ لِإِثْبَاتِ أَصْلِ المَسْأَلَةِ أُوَلًا، ثُمَّ الإنْتِقَالُ إِلَى مَا يُمْكِنُ أَنْ يَرِدَ مِنْ إِشْكَالٍ وَاعْتِرَاضٍ.

      فَلِذَا قَالُوا: إِنَّ مَنْ يَدَّعِي دَعْوًى عَلَيْهِ:

      أَوَّلًا: بَيَانُهَا. 

      وَثَانِيًا: إِقَامَةُ الدَّلِيلِ عَلَى صِدْقِهَا.

      وَثَالِثًا: دَفْعُ الإعْتِرَاضَاتِ الَّتِي تَرِدُ عَلَى دَعْوَاهُ.

      فَالمَصِيرُ مُبَاشَرَةً إِلَى الإِشْكَالِ وَالإعْتِرَاضِ مِنْ قِبَلِ بَيَانِ أَصْلِ المَسْأَلَةِ لَيْسَ بِنَسَقٍ عِلْمِيٍّ صَحِيحٍ، وَهُوَ يُعَبِّرُ عَنْ إِفْرَازَاتٍ غَيْرِ مَنْطِقِيَّةٍ لِمَنْ قَامَ بِذَلِكَ.