هَلِ العِلْمُ المُسْبَقُ لَهُ عِلَاقَةٌ بإِرَادَةِ الفَسَادِ؟

‏يُوسُفُ حَمْزَةُ الأَعَاجِيبِي:      السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ .. أَحَدُ المَلَاحِدَةِ يَقُولُ: إذَا كَانَ رَبُّكُمْ يَعْلَمُ بِأَنَّ زَيْدًا مِنَ النَّاسِ يُفْسِدُ الأَرْضَ وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَمَعَ ذَلِكَ خَلَقَهُ.       إِذَنْ رَبُّكُمْ يُرِيدُ الفَسَادَ وَسَفْكَ الدِّمَاءِ لأَنَّهُ لَوْ كَانَ لَا يُرِيدُ الفَسَادَ لامْتَنَعَ عَنْ خَلْقِهِ؟      فَمَا هُوَ رَدُّكُمْ عَلَيْهِ؟

: اللجنة العلمية

     لِكَيْ نَفْهَمَ هَذَا الأَمْرَ لاَبُدَّ أَنْ نَفْهَمَ فَلْسَفَةَ خَلْقِ الْإِنْسَانِ فِي هَذِهِ الحَيَاةِ، وَبِشَكْلٍ مُخْتَصَرٍ يُمْكِنُنَا أَنْ نَقُولَ: إِنَّ اللهَ أَوْجَدَ الإِنْسَانَ وَكَلَّفَهُ بِلُزُومِ طَرِيقِ الحَقِّ وَتَجَنُّبِ طَرِيقِ البَاطِلِ، ثُمَّ زَوَّدَهُ بِكُلِّ الإِمْكَانَاتِ الَّتِي تُؤَهِّلُهُ لِهَذِهِ المُهِمَّةِ، بِالتَّالِي الإِنْسَانُ هُوَ الكَائِنُ الوَحِيدُ الَّذِي يُمْكِنُهُ أَنْ يَخْتَارَ لِنَفْسِهِ مَا يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَإِذَا فَهِمْنَا الدُّنْيَا كَأَنَّهَا قَاعَةٌ كَبِيرَةٌ يَجْتَمِعُ فِيهَا جَمِيعُ الطَّلَبَةِ مِنْ أَجْلِ الإِمْتِحَانِ، حِينَهَا نَفْهَمُ أَنَّ العَدَالَةَ سَتَكُونُ القِيمَةَ الحَاكِمَةَ، فَلَا يَجُوزُ التَّمْيِيزُ بَيْنَ

المُمْتَحِنِينَ، بَلْ يَجِبُ أَنْ تَتَسَاوَى أَمَامَهُمُ الفُرَصُ، وَلَا يَحِقُّ لِلمُشْرِفِ أَنْ يَمْنَعَ البَعْضَ لِعِلْمِهِ المُسْبَقِ بِفَشَلِهِمْ فِي الإِمْتِحَانِ، لِأَنَّهُ حِينَهَا يُصْبِحُ تَرْتِيبُ الأَثَرِ عَلَى العِلْمِ المُسْبَقِ ظُلْمًا يَتَنَاقَضُ مَعَ العَدَالَةِ، كَمَا يَتَنَاقَضُ مَعَ الحِكْمَةِ الأَسَاسِيَّةِ مِنْ عَقْدِ هَذَا الإِمْتِحَانِ مِنَ الأَسَاسِ، وَعَلَيْهِ يَجِبُ أَنْ لَا نُلَاحِظَ العِلْمَ المُسْبَقَ فَقَطْ وَإِنَّمَا نُلَاحِظُ الْعَدَالَةَ وَالحِكْمَةَ العَامَّةَ، فَلَوْ تَصَوَّرْنَا أَنَّ أَحَدَ المُمْتَحِنِينَ كُنَّا نَعْلَمُ بِهِ عِلْمًا يَقِينًا أَنَّهُ سَيَكُونُ رَاسِبًا فِي الإِمْتِحَانِ، هَلْ يُعْطِي ذَلِكَ مُسَوِّقًا قَانُونِيًّا بِأَنْ نَمْنَعَهُ مِنْ دُخُولِ قَاعَةِ الإِمْتِحَانِ؟ بِالتَّأْكِيدِ لَا يُمْكِنُ ذَلِكَ لِأَنَّ العَدَالَةَ هِيَ الحَاكِمَةُ وَهِيَ تَمْنَحُ الجَمِيعَ فُرَصَ الدُّخُولِ لِلإِمْتِحَانِ.

إِذَا فَهِمْنَا ذَلِكَ لاَبُدَّ أَنْ نَفْهَمَ أَيْضًا أَنَّ فِعْلَ الإِنْسَانِ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا مُتَعَلِّقٌ بِإِرَادَتِهِ 

وَبِالتَّالِي هُوَ المَسْؤُولُ عَنْ كُلِّ مَا يَصْدُرُ مِنْهُ إِنْ كَانَ خَيْرًا يُثَابُ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ شَرًّا يُحَاسَبُ عَلَيْهِ 

أَمَّا عِلْمُ اللهِ المُسْبَقُ بِمَا يَفْعَلُهُ الإِنْسَانُ فَلَا عِلَاقَةَ لَهُ بِنَفْسِ حُدُوثِ الفِعْلِ مِنَ الإِنْسَانِ، فَكَوْنُ اللهِ عَالِمًا بِهِ لَا يَعْنِي أَنَّ اللهَ هُوَ الَّذِي يَفْعَلُهُ نِيَابَةً عَنِ الإِنْسَانِ، فَلَوْ قَالَ رَجُلٌ: إِنَّ هَذِهِ البِنَايَةَ سَتَسْقُطُ غَدًا صَبَاحاً فِي السَّاعَةِ السَّابِعَةِ مَثَلًا، وَبِالفِعْلِ سَقَطَتِ البِنَايَةُ فِي نَفْسِ المَوْعِدِ، فَهَلْ هُوَ المَسْؤُولُ عَنْ سُقُوطِهَا لِأَنَّهُ كَانَ عَالِمًا بِهِ قَبْلَ حُدُوثِهِ؟ أَمْ أَنَّ المُهَنْدِسَ الَّذِي بَنَاهَا بِطَرِيقَةٍ خَاطِئَةٍ هُوَ المَسْؤُولُ؟ بِالطَّبْعِ أَنَّ العِلْمَ المُسْبَقَ لَا عِلَاقَةَ لَهُ بِحُدُوثِ الفِعْلِ فِي الخَارِجِ، فَلَوْ كَانَ اللهُ يَعْلَمُ بِأَنَّ فُلَانًا سَيَرْتَكِبُ جَرِيمَةَ قَتْلٍ مَثَلًا، فَهَذَا لَا يَعْنِي أَنَّ اللهَ هُوَ المَسْؤُولُ وَإِنَّمَا الإِنْسَانُ بِإِرَادَتِهِ هُوَ الَّذِي ارْتَكَبَ الجُرْمَ، أَمَّا لِمَاذَا خَلَقَهُ اللهُ وَهُوَ يَعْلَمُ بِارْتِكَابِهِ هَذَا الجُرْمَ؟ هَذَا شَبِيهٌ بِالسُّؤَالِ الَّذِي يَقُولُ: لِمَاذَا سَمَحْتُمْ لِفُلَانٍ بِالإِمْتِحَانِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ بِفَشَلِهِ وَرُسُوبِهِ؟ 

وَحِينَهَا سَيَكُونُ الجَوَابُ فِي الحَالَتَيْنِ لِأَنَّهُ امْتِحَانٌ، وَكُلُّ إِنْسَانٍ يُجَازَى بِعَمَلِهِ، وَلَا يَعْنِي أَنَّنَا نُرِيدُ الفَشَلَ أَوْ نُرِيدُ الفَسَادَ; لِأَنَّ إِرَادَةَ الفَشَلِ أَوْ إِرَادَةَ الفَسَادِ لَهَا عِلَاقَةٌ بِمَنْ يُرِيدُهَا وَيَرْتَكِبُهَا وَهُوَ الإِنْسَانُ، وَلَا عِلَاقَةَ لَهَا بِمَنْ يَعْلَمُ بِحُدُوثِهَا مُسْبَقًا لِأَنَّهُ لَمْ يُرِدْهَا وَلَمْ يَأْمُرْ بِهَا.