هَلْ يَحِقُّ لَنَا السُّؤَالُ عَنْ وُجْهَةِ نَظَرِ إِبْلِيس فِي طَرْدِهِ مِنَ الجَنَّةِ؟

وَسِيمُ الدَّعْمِيّ: السَّلامُ عَلَيكُم وَرَحْمَةُ ٱللهِ وَبَرَكَاتُهُ .. سَأَلَنِي أَحَدُ الأَشْخَاصِ الَّذِينَ يُؤمِنُونَ بِالنَّظَرِيَّاتِ الغَرْبِيَّةِ وَالْمَادِّيَّةِ مِنْهَا بِالخُصُوصِ فَكَانَ سُؤَالُهُ كَالتَّالِي: إِذَا كَانَ ٱللهُ تَعَالَى قَدْ عَرَضَ وُجْهَةَ نَظَرِهِ بِخُصُوصِ قَضِيَّةِ وَسْوَسَةِ الشَّيطَانِ لِآدَمَ مِمَّا سَبَّبَ خُرُوجَهُ مِنَ الجَنَّةِ، فَمَنْ عَرَضَ وُجْهَةَ نَظَرِ الشَّيطَانِ بِهَذَا الخُصُوصِ حَتَّى نَعْرِفَهَا أَكْثَرَ؟؟ 

: اللجنة العلمية

الأَخُ وَسِيمُ المُحْتَرَمُ:

السَّلامُ عَلَيكُم وَرَحْمَةُ ٱللهِ وَبَرَكَاتُهُ:

وَلأَنَّ السُّؤَالَ ليسَ عِلْمِيَّاً وَلا يَبحَثُ عَنْ مَعرِفَةٍ سُوى التَّشْكِيكِ وإِلقَاءِ الشُّبُهَاتِ، وَسَأُعَلِّقُ عَلَيهِ بالشَّكلِ الَّذِي يَتَنَاسَبَ وَطَبِيعةَ السُّؤَالِ.

 أَوَّلاً: قَدْ سَاوَى السَّائِلُ بَينَ الخَالِقِ وَالمَخلُوقِ، وَهَذِهِ مُغَالَطَةٌ؛ لَأَنَّ القِيَاسَ لَا يَكونُ صَحِيحَاً إِلَّا إِذَا تَسَاوًى المُتَقَايِسَانِ فِي المَرتِبَةِ، وٱللهُ هُوَ الخَالِقُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وَإِبلِيسُ هُوَ المَخْلُوقُ المَرْبُوبُ، وَبِالتَّالِي لَا تَصُحُّ المُقَايَسَةُ بَينَهُمَا؛ لِأَنَّهُمَا لَيسَا مِنْ مَرْتِبَةٍ وَاحِدَةٍ، فَمَثَلاً: مَنْ فَتَحَ بَلَاغَاً عَلَى كَلْبٍ عَضَّهُ، هَلْ يَطلُبُ القَاضِي الإِسْتِمَاعَ إِلَى شَهَادَةِ الكَلبِ أَو يَكتَفِي بِشَهَادَةِ الشَّاكِي؟. مَعَ أَنَّهُ مِثَالٌ قَدْ يَبْدُو غَرِيبَاً إِلَّا أَنَّهُ يُوَضِّحُ وَبِشَكْلٍ ظَاهِرٍ شَكْلَ المُغَالَطَةِ الَّتِي ٱرْتَكَبَهَا صَاحِبُ السُّؤَالِ عِندَمَا قَاسَ إِبلِيسَ بٱللهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.

ثَانِيَاً: قَدْ صَوَّرَ السَّائِلُ القُرْآنَ وَكَأَنَّهُ مَحَطَّةٌ أَخْبَارِيَّةٌ تَنقُلُ الحَدَثَ ضِمْنَ تحيزاتها الخَاصَّة، وَلِذَلِكَ أَعطَى لِنفسِهِ الحَقَّ أَنْ يَسأَلَ عَن وُجْهَةِ النَّظَرِ الأُخرَى، وَهَذِهِ سَذَاجَةٌ فِي التَّفكِيرِ؛ لأَنًّ القُرْآنَ هُوَ المَصدَرُ الإِلَهِيُّ الوَحِيدُ الَّذِي يُطْلِعُنَا عَلَى الغَيبِ، وَحِينَها تَنْحَصِرُ خَيرَاتُ الإِنْسَانِ بَينَ الكُفرِ وَالإِيمَان بِهِ وَلَا وُجُودَ لِخَيَارٍ ثَالِثٍ، وَمَن لَا يُصَدِّقُ بِالقُرآنِ لَا يَحِقُّ لَهُ أَنْ يَعتَرِضَ بَعَدِمِ نَقلِ وُجْهَةِ نَظَرِ إِبلِيسَ؛ لِأَنَّهَا سَالِبَةٌ بِٱنْتِفَاءِ المَوضُوعِ، وَإِنْ كَانَ جَادَّاً فِي مَعرِفَةِ وُجْهَةِ نَظَرِ إِبلِيسَ فَعَلَيهِ تَوجُيهَ السُّؤَالِ إِلَى إِبلِيسَ بِشَكلٍ مُبَاشِرٍ طَالَمَا لَا يُصَدِّقُ القُرْآنَ فِي إِخبَارِهِ.

ثَالِثَاً: لا يَستقيم هَذَا السُّؤَالُ إِلَّا إِذَا سَاوَى بَينَ مَعارِفِ القُرْآنِ وَبَينَ وُجْهَاتِ النَّظَرِ البَشَرِيَّةِ، وَهَذِهِ مُقَايَسَةٌ بَاطِلَةٌ؛ لِأَنَّ مَعَارِفَ القُرْآنِ حَقَّةٌ لا بَاطِلَ فِيهَا، بَينَمَا وُجْهَاتَ نَظَرِ البَشَرِ يَعتَرِيها البَاطِلُ وَالخَطَأُ والٱنْحِرَافُ، فَالقَاضِي الَّذِي يَحكُمُ بَينَ المُتَخَاصِمَينِ لَا يَجُوزُ لَهُ الحكم إلا بَعْدَ الإِسْتِمَاعِ إِلَى الطَّرَفَينِ؛ لِأَنَّ كُلَّ واحد منهما يُحتَمَلُ فِي كلامه الكَذِبُ، وعليه السُّؤَالُ عَنْ وُجْهَةِ النَّظَرِ الأُخرَى تَكُونُ فِي حَالَةِ الشَّكِ وَالإِرْتِيَابِ، أَمَّا مَعَ حُصُولِ العِلمِ بِمُطاَبقةِ الوَاقعِ فَلا يَجوزُ بَعدَها السُّؤَالُ والقُرآنُ الكَرِيمُ بِمَعَارِفِهِ يُحَقِّقُ لِلإِنسَانِ عِلمًاً جَازِمَاً لَا يُشَكُّ فِيهِ، فَكَيفً بَعْدَ ذَلِكَ يَسألُ عَنْ وُجْهَةَ النَّظَرِ الأُخرَى، فَمَثَلا:ً مَنْ حَصَلَ لَهُ عِلمٌ مُطَابِقٌ لِلوَاقِعِ بِسَبَبِ طَرْدِ الأُسْتَاذِ التَّلْمِيذَ مِنَ الفَصلِ، وَخَرجَ التِّلمِيذُ مِنَ الفَصلِ مِن دُونِ أَيِّ ٱعْتِرَاضٍ، فَهَل يَحِقُّ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ يَسألَ عَنْ وُجْهَةِ نَظَرِ التِّلمِيذِ؟؟. وَالعِلمُ بِالشَّيءِ لَيسَ مَوقُوفَاً عَلَى المُشَاهَدةِ الحِسِّيَةِ فَقَدْ يَحصلُ لِلإنسَانِ عِلمٌ جازِمٌ حَتَّى لَو لَم يَكُنْ عِبرَ الحَوَاسِّ، وَالعِلمُ بِوَاقِعيَّةِ إِخْبارِ القُرْآنِ بالنَّسبةِ للمُؤمنِ عِلمٌ جازمٌ مُطابقٌ للواقِعِ، وَالَّذِي لَا يُصَدِّقُ بهَذا المَصْدَرِ فَعَليهِ أَنْ يَبحَثَ عَنِ المَصْدَرِ الَّذِي يُصَدِّقُهُ.

 رَابِعَاً: المُطالَبةُ بالإِستِماعِ إِلَى وُجْهَةِ نَظَرِ إِبلِيسَ تَكونُ مَنطِقيَّةً فِي حَالةِ أَنَّ إِبلِيسَ هُوَ مَنْ يَتَبَنَّى هَذَا الأَمرِ، أَمَّا مِنْ يَتبرَّعُ بالسُّؤالِ نِيابةً عَنْهُ لَيسَ إِلَّا مُتطفِّلٌ يَتَدخَّلُ فِي مَا لَا يَعنِيهِ، وَعَليهِ لَا يَكونُ سُؤالُهُ مَقبُولاً إِلَّا بِتَوكيلٍ رَسمِيٍّ مِنْ إِبلِيسَ.

خَامِسَاً: السُّؤَالُ عَنْ وُجْهَةِ النَّظَرِ الأُخرَى تَكونُ مَنطِقيَّةً فِي حَالةِ الٱختِلافِ والتَّنازُعِ، وَهَذا دَيدَنُ العُقَلاءِ، وَعَلَيهِ يَكُونُ السُّؤَالُ عَنْ وُجْهَةِ نَظَرِ إِبلِيسَ سُؤالاً صَحِيحَاً فِي حَالِ عَدَمِ قَبُولِ إِبلِيسَ الحُكْمَ وٱحْتِجَاجِهِ عَلَى ذَلِكَ، أَمَّا إِذَا كَانَ مقراً بِذَنبِهِ قَابِلاً بِمَا وَقَعَ عَلَيهِ فَكَيفَ بَعْدَ ذَلِكَ نَسْألُ عَنْ وُجْهَةِ نَظَرِهِ؟!. 

سَادِسَاً: عَلَى فَرضِ أَنَّ القُرْآنَ نَقَلَ لَنَا وُجْهَةَ نَظَرِ إِبلِيسَ، فكيف لِلسَّائِلِ أنْ يُصَدِّقَ أَنَّهَا وُجْهَةُ نَظَرِ إِبْلِيسَ عَلَى الحَقِيقةِ؟، فَإِذا كَانَ ٱللهُ صَادِقَاً - وَهُوَ كَذَلِكَ - فَلا نَسْألْهُ عَنْ وُجْهَةِ النَّظَرِ الأُخرَى، وإِنْ لَم يَكُنْ صَادِقَاً - وَهُوُ لَيسَ كَذَلكَ - فَكَيفَ نَثِقُ فِي نَقْلِهِ لِوُجْهَةِ نَظَرِ إِبْلِيسَ؟ وَعَلَيهِ مَا هُوَ المُتَحَصَّلُ مِنْ هَذَا النَّقْلِ طَالَمَا النَّاقِلُ لِوُجْهَةِ النَّظَرِ هُوَ وَاحِدٌ؟.

سَابِعَاً: يَبْدُو أَنَّ مَقصُودَ السَّائِلِ مِنْ هَذَا السُّؤَالِ هُوَ إِثباتُ أَنَّ ٱللهَ - بِحَسَبِ فَهْمِهِ - غَيرُ دِيمِقَرَاطِيٍّ وَلَا يَستَمِعُ لِلرأيِ المُخَالِفِ، إِلَّا أَنَّهُ بِذَلِكَ قَدْ أَثبَتَ أَنَّهُ لَيسَ فَقَط لَا يَعرِفُ ٱللهَ وَإِنَّمَا لَا يَعرِفُ الدِّيمُقرَاطِيَّةِ أَيضَاً؛ لِأَنَّ الدِّيمُقرَاطِيَّةَ تَعنِي تَوزِيعَ الفُرَصِ بِالتَّسَاوِي بَينَ المُتَكَافِئِينَ فِي الآرَآءِ، والإِمْكَانَاتِ، والقُدُرَاتِ، وَغًيرِ ذَلِكَ. أَمَّا بَينَ العَالِمِ وَالجَاهِلِ، بَينَ العَاقِلِ وَالمَجنُونِ، وَبَينَ صَاحِبِ الخِبرَةِ وَمَنْ لَا خِبرَةَ لَهُ.. لَا وُجُودَ لِتَسَاوِي الفُرَصِ، فَعِندَما يَتكلَّمُ العَالِمُ أَوِ العَاقِلُ لَا يَطلِبُ الإِسْتِمَاعَ إِلَى وُجْهَةِ نَظَرِ الجَاهِلِ أَوِ المَجنُونِ، وَمَنْ يُطالِبُ بِذَلِكَ يَكُونُ مِنْ فَصِيلَةِ الجَاهِلِ وَالمَجنُونِ. وَٱللهُ سُبْحَانَهُ هُوَ خَالِقُ الإِنْسَانِ مِنْ عَدَمٍ فَلَيسَ بَينَهُ وَبَينَ الخَالِقِ أَيُّ تَسَاوٍ حَتَّى يَكُونَ هُنَاكَ تَسَاوٍ فِي وُجْهَاتِ النَّظَرِ.

 الخِلَاصَةُ: إِنُّ القُرْآنَ الكَرِيمَ هُوَ كِتَابُ ٱللهِ الَّذِي أَنْزَلَهُ عَلَى نَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﴿ﷺ﴾ وَلَا يُوجَدُ مَصدَرٌ آخَرُ يُمكِنُهُ مُجَارَاتِهِ، وَعَلَى الإِنْسَانِ أَنْ يَرتَقِيَ بِنَفسِهِ؛ لِكَي يَستَفِيدَ مِنْ آيَاتِهِ وَبَيِّنَاتِهِ قَبلَ فَوَاتِ الأَوَآنِ؛ لِأَنَّهُ حُجَّةُ ٱللهِ عَلَى خَلقِهِ وَمَنْ لَا يَستَفِيدُ مِنهُ بِالحِجَاجِ واللِّجَاج يَكُونُ قَدْ ضَيَّعَ الفُرصَةَ عَلَى نفسِهِ، وَحَتَّى يَقتَرِبَ الإِنْسَانُ مِنَ القُرْآنِ وَيَسْتَنِيرَ بِنُورِهِ عَلَيهِ أَنْ يَعرِفَ ٱللهَ أَوَّلَاً؛ لِأَنَّ الإِنْسَانَ الَّذِي يَنطَلِقُ فِي مَعرِفَتِهِ بِالقُرآنِ مِنْ تَصَوُّرَاتٍ بَشَرِيَّةٍ تُقَايِسُ بَينَ ٱللهِ وَبَينَ خَلقِهِ لَنْ يَزدَادَ مِنَ القُرْآنِ إِلَّا بُعدَاً، وَلِذا ٱشْتَرَطَتِ الآيَاتُ الأُوَلُ مِن سُورَةِ البَقَرَةِ لِحُصُولِ الٱهْتِداءِ بِالقُرآنِ الإِيمانَ بِالغَيبِ قَالَ تَعَالَى: ﴿ أَلٓمٓ (1) ذَٰلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ ۛ فِيهِ ۛ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ (2) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ﴾ (3 البَقَرًة). فَالقُرآنُ هُدَىً لِمَنْ يُؤمِنُ بِالغَيبِ، أَمَّا مَنْ لَا يُؤمِنُ إِلَّا بالمَادَّة فَلَنْ يَكُونَ لَهُ هُدَىً.

 وَدُمْتُمْ سَالِمِينَ