لِمَاذَا لَمْ يَحْمِ ٱللهُ الكَعْبَةَ مِنَ الحَجَّاجِ وَالقَرَامِطَةِ؟

أَبُو شِهَاب: السَّلَامُ عَلَيكُم .. يُثِيرُ المُلحِدُونَ شُبهَةً بِأَنَّهُ لِمَاذَا سَكَتَ ٱللهُ عَنْ حِمَايَةِ الكَعبَةِ المُشَرَّفَةِ عِندَمَا رَمَاهَا الحَجَّاجُ الثَّقَفِيُّ بِالمِنجَنِيقِ أَثنَاءَ قِتَالِهِ عَبْدِ ٱللهِ بْنِ الزُّبَيرِ؟، وَلِمَاذَا لَمْ يَمنَعِ القَرَامِطَةَ الَّذِينَ سَرَقُوا الحَجَرَ الأَسْوَدَ مِنهُ وَقَتَلُوا الحُجَّاجَ وَمَنَعُوا طَرِيقَ الحَجِّ لِعِدَّةِ أَعوَامٍ؟، بَينَمَا نَجِدُهُ يُرسِلُ طَيرَاً أَبَابِيلَ؛ لِمَنعِ أَبرَهَةَ الحَبَشِيّ المَسِيحِيّ!.

: اللجنة العلمية

الأخُ المُحترَمُ، السَّلامُ عليكُم ورحمَةُ اللهِ وبركاتُهُ 

السُّؤَالُ الَّذِي يُحَاولُ صَاحِبُهُ إِثَارَةَ الغُبَارِ لَا تُقنِعُهُ أَيُّ إِجَابَةٍ مَهمَا كَانَتْ مُقنِعَةً، وَالإِنسَانُ الَّذِي يَبحَثُ عَنِ التَّشكِيكَاتِ لَا تَهُمُّهُ كَثِيرَاً المَنهَجِيَّاتُ العِلمِيَّةُ، فُكُلُّ مَا يَهتَمُّ بِهِ هُوَ إِيصَالُ الشُّبهَةِ إِلَى قَلبِ المُستَمِعِ، وَلِذَلِكَ يَستَعِينُ بِكُلِّ الوَسَائِلِ المُمكِنَةِ الَّتِي تَحجُبُ العَقلَ عَنْ رُؤيَةِ المُغَالَطَاتِ الَّتِي يَحتَوِيهَا كَلَامُهُ، وَهَذَا السُّؤَالُ لَا يَبحَثُ عَنِ الحِكمَةِ أَوِ السَّبَبِ الَّذِي جَعَلَ ٱللهَ لَمْ يَتَدَخَّلُ فِي حِمَايَةِ الكَعبَةِ مِنَ الحَجَّاجِ أَوِ القَرَامِطَةِ. وَإِنَّمَا يَبحَثُ عَنْ إثَارَةِ الشُّبُهَاتِ الَّتِي تُضعِفُ يَقِينَ المُؤمِنِ. وَالإِنسَانُ المُؤمِنُ بِكَونِ ٱللهِ فَاعلِاً حَكِيمَاً لَا يَخطُرُ عَلَى بَالِهِ مِثلُ هَذَا السُّؤَالِ طَالَمَا أَنَّ ٱللهَ أَجرَى كُلَّ الأُمورِ ضِمنَ سُنَنٍ وَقَوَانِينَ تَتَنَاسَبُ مَعَ تَكلِيفِ العِبَادِ، فَبِكُلِّ بَسَاطَةٍ ييُمْكِنُهُ أَنْ يَكتَشِفَ السِّرًّ فِي هَذَا الأَمرِ، فَحِمَايَة الكَعبَةِ فِي تِلْكَ الفَترَةِ كَانَتْ تَقَعُ عَلَى عُهدَةِ المُسْلِمِينَ الَّذِينَ يعرفون قيمة الكَعبَةِ، أَمَّا فِي عَامِ الفِيلِ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مُسلِمٌ تَعَلَّقَ بِذِمَّتِهِ حِمَايَةُ الكَعبَةِ، أَو غَيرَ ذلك مِنَ الأَسبَابِ.

وَبِمَا أَنَّ السَّائِلَ لَا يَبحَثُ عَنْ مِثلِ هَذِهِ الإِجَابَاتِ، وَإِنَّمَا يَبحَثُ عَنْ إِثبَاتِ التَّنَاقُضِ والتَّبَايُنِ فِي فِعلِ ٱللهِ، سَنُجِيبُ عَلَيهِ بِالشَّكلِ الَّذِي يَكْشِفُ حَجمَ المُغَالَطَةِ التي وقع فِيهَا، فَأَسَاسُ الشُّبهَةِ هُوَ: أَنَّ ٱللهَ تَدَخَّلَ وَمَنَعَ أَبرَهَةَ مِنِ ٱحْتِلَالِ الكَعبَةِ، وَعَلَيهِ يَجِبُ أَنْ يَتَدَخَّلَ؛ لِيَمنَعَ كُلَّ مَنْ يُحَاوِلُ المَسَاسَ بِالكَعبَةِ، وَهَذِهِ القاعدة لَا دَلِيلَ عَلَيهَا وَلَا وُجُودَ لِقَائِلٍ بِهَا، فَعَلَى أَيِّ أَسَاسِ أَطْلَقَهَا كَمُسَلَّمَةٍ لَا جِدَالَ فيها؟ 

وَحَتَّى تُفهَمَ المُغَالَطَةُ نُرجِعُ الدَّلِيلَ إِلَى الشَّكلِ الَّذِي ٱعْتَمَدَهُ السَّائِلُ: 

وَهُوَ كَالتالي: أَنَّ ٱللهَ مَنَعَ أَبرَهَةَ مِنِ ٱحْتِلَالِ الكَعبَةِ؛ وَلِأَنَّهُ فَعَلُ ذَلِكَ، فَوَجَبَ عَلَيهِ أَنْ يَحمِيَ الكَعبَةَ كُلَّ مَرَّةٍ.. وَعَلَى هَذَا الأَسَاسِ يُشكَلُ عَلَى ٱللهِ لِمَاذَا لَمْ يَحمِ الكَعبَةَ مِنَ الحَجَّاجِ وَمِنَ القَرَامِطَةِ؟ وَهَذِهِ مُغَالَطَةٌ وَاضِحَةٌ تَتَجَاوَزُ كُلَّ البَدِيهِيَّاتِ الَّتِي تَقُومُ عَلَيهَا الإِعتِرَاضَاتُ العِلمِيَّةُ، فَالفَاعِلُ الحَكِيمُ المُختَارُ لَا يَكُونُ فِعلُهُ مَحصُورَاً ضِمنَ قَوَانِينَ جَامِدَةٍ كَمَا هُوَ حَالُ الآلِةِ الجَامِدَةِ، وَبِالتَّالِي لَا يَتَحَوَّلُ أَيُّ فِعلٍ مِنْ أَفعَالِهِ إِلَى قَاعِدَةٍ ثَابِتَةٌ لَا يَجُوزُ الخُرُوجُ عَنْهَا، طَالَمَا هُوَ فَاعِلٌ مُختَارٌ حَكِيمٌ عَالَمٌ بِمَا يَفعَلُ فَلَا يَصُحُّ الٱعتِرَاضُ عَلَى فِعلِهِ، فَتَارَةً تَكُونُ حِمَايَةُ الكَعبَةِ هِيَ الأَمرُ الأَنسَبُ، وَتَارَةً أُخْرَى يَكُونُ إِيكَالُ هَذِهِ المهمة للمسلمين هُوَ الأنسب، وَهكَذَا لَا يُمْكِنُ أَنْ يَتَحَوَّلَ مَوضُوعُ حِمَايَةِ الكَعبَةِ مِنْ أَبرَهَةَ إِلَى قَاعِدَةٍ وَسُنَّةٍ ثَابِتَةٍ تَكُونُ مُلزَمَةً لِفِعلِ ٱللهِ الحَكِيمِ المُختَارِ، وَهَذِهِ سَذَاجَةٌ فِي التَّفكِيرِ مَا بَعدَهَا سَذَاجَةٌ، فإِذَا كَانَ الإِنْسَانُ العَاقِلُ المُختَارُ تتعدد أَفعَالُهُ بِتَعدُّدِ الخَيَارَاتِ وَالمُبَرِّرَاتِ فَكَيفَ يَجُوزُ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ يَشكُلَ عَلَيهِ مُستَشكِلٌ بِالقَولِ: بِمَا أَنَّكَ فَعَلَتَ فِي المَرَّةِ الفَائِتَةِ كَذَا، فَيَجِبُ عَلَيكَ أَنْ تَفعَلَ ذَلِكَ كُلَّ مَرَّةٍ؟

وَدُمْتُم سَالِمِينَ.