اللهُ (عز وجل) لَيسَ واحِداً مِنَ البَشَر.

يَقولُ المُلْحِدونَ: كيفَ يُمكِنُ لِشخصٍ واحدٍ يَعنونَ بذلكَ اللهَ أنْ يَعرفَ كلَّ شَيء، وأنْ يَكونَ قادِراً على كلِّ شَيء؟ كيفَ يُمكِنُ لِوعيّ اللهِ أنْ يَكونَ مَشغولاً بالمَخلوقاتِ الفضائيّةِ الذَّكيَّةِ الأخرى الّتي رُبَّما تَكونُ مَوجودةً في هذا الكَونِ؟ وكيفَ تكونُ قُدرتُهُ مُطلقةً؟

: اللجنة العلمية

كُلُّ مَا ذَكَرتَهُ صَحِيحٌ وَنَحْنُ نُشَاطِرُكَ الرَّأْيَ بِأَنَّهُ لَا يُمكِنُ أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ شَخْصٌ وَاحِدٌ لَهُ هَذِهِ الْقَدْرَةُ الْمُطْلَقَةُ وَالْعِلْمُ بِكُلِّ شَيْءٍ حَتَّى لَوْ كَانَ يُسَمِّي نَفْسَهُ اللهَ، فَالْإِنْسَانُ الْمَحْدُودُ فِي قُدْرَاتِهِ وَالْمَحْكُومُ بِالْعَجْزِ وَالْفَقْرِ وَالْجَهْلِ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَكُونَ عَالِماً وَمُحِيطَاً بِكُلِّ شَيْءٍ، إِذْ كَيْفَ يَتَمَكّنُ هَذَا الْعَقْلُ الْمَحْدُودُ مِنْ اِسْتيعَابِ كُلِّ الْمَوْجُودَاتِ الْمَحْسُوسَةِ وَغَيْرِ الْمَحْسُوسَةِ؟

كُلُّ ذَلِكَ صَحِيحٌ إِذَا كَانَ اللهُ عِنْدَكَ شَخْصٌ مِنْ بَيْنِ الْبَشَرِ، وَهَذَا خَطَأٌ مُتَعَمَّدٌ فِي التَّفْكِيرِ وَالْقَصْدُ مِنْهُ الْإِمْعَانُ فِي الْجَهْلِ وَالتَّسْطِيحِ، فَالتَّفْكِيرُ السَّلِيمُ يَبْدَأُ مِنَ الْإِنْسَانِ مِنْ أَيْنَ جَاءَ وَمَنِ الَّذِي أَوَجَدَهُ ؟ ثُمَّ يَبْحَثُ الْعَقْلُ الْمَنْطِقِيُّ عَنْ إيجادِ إِجَابَةٍ عَنْ هَذَا السُّؤَالِ، وَحَتَّى نُبَيِّنَ الْفَرْقَ الْكَبِيرَ بَيْنَ عَقْلِ الْمُؤْمِنِ وَعَقْلِ الْمُلْحِدِ نَضَعُ هَذِهِ الْمُقَارَنَةَ بَيْنَهُمَا.

يَقُولُ الْمُؤْمِنُ: إنَّ كُلَّ مَا نَشْهَدُهُ فِي عَالَمِ الدُّنْيَا نَاقِصٌ بِالطَّبْعِ وَغَيْرُ كَامِلٍ، وَحَتَّى الْإِنْسَانُ الَّذِي يُمَثِّلُ الْكَائِنَ الْأَكْثَرَ تَمَيُّزَاً مِنْ بَيْنِ الْمَخْلُوقَاتِ نَجِدُهُ مَحْدُودَ الْوُجُودِ بِالشَّكْلِ الَّذِي يَجعلُهُ أَقرَبَ إِلَى الْعَدَمِ، وَمَحْدُودَ الْقُدْرَةِ الَّتِي هِي أقرَبُ إلى الْعَجْزِ، وَمَحْدُودَ الْعِلْمِ الَّذِي هُوَ أقربُ الِيَّ الْجَهْلِ، وَمَحْدُودَ الْحَيَاةِ الَّتِي هِي اِقْرَبُ الِيَّ الْمَوْتِ، وَهَكَذَا مَحْدُودٌ حَتَّى فِي كَمَالَاتِهِ الَّتِي يَفْتَخِرُ بِهَا، وبالتّالي التَّفْكِيرُ الْمَنْطِقِيُّ يَقْودُ الْعَقْلَ إِلَى الْقَوْلِ أَنَّ الَّذِي أوجَدَ الْإِنْسَانَ لَا يُمكِنُ أَنْ يَكُونَ شَبِيهَاً بِالْإِنْسَانِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ شَبيهاً بِهِ لِكَانَ مُحْتَاجَاً، مِثْلَهُ، وَعَلَيْهِ لَا بُدَّ أَنْ يَتَّصِفَ مَنْ أَوَجَدَهُ بِالْقَدْرَةِ الْمُطْلَقَةِ، وَالْعِلْمِ الْمُطْلَقِ، وَالْحَيَاةِ الْمُطْلَقَةِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ صِفَاتِ الْكَمَالِ، وبالتّالي هَذِهِ الصِّفاتُ الَّتِي يَتَّصِفُ بِهَا اللهُ هِيَ الَّتِي جَعَلَتهُ إلهًا خَالِقًا وَلَيْسَ مَخْلُوقَاً يَشبَهُ خَلْقَهُ، وَعَقْلُ كُلِّ إِنْسَانٍ شَاهِدٌ عَلَى نَفْسِهِ بَأنَّهُ مَخْلُوقٌ لَمْ يَخْلُقْ نَفْسَهُ وَلَمْ يَخلُقْهُ مَنْ هوَ مِثْلُهُ، فَإِذَا كَانَ الْإِنْسَانُ مَحْدُودَ الْقُدْرَةِ فَلَابُدَّ لِخَالِقِهِ أَنْ يَكُونَ كَامِلَ الْقُدْرَةِ، وَإِنْ كَانَ الْإِنْسَانُ مَحْدُودَ الْعِلْمِ لَابُدَّ لِخَالِقِهِ أَنْ يَكُون كَامِلَ الْعِلْمِ، وَهَكَذَا صِفاتُ الْخَالِقِ تَتَبَايَنُ مَعَ صِفَاتِ الْمَخْلُوقِ.

وَيَقُولُ الْمُلْحِدُ: كُلُّ مَا نَشْهَدُهُ فِي عَالَمِ الدُّنْيَا هِي حَقَائِقُ نُسَلِّمُ بِهَا وَلَكِنَّهَا جَاءَتْ هَكَذَا مِنَ الْفَرَاغِ وَلَا نَعْلَمُ لَهَا مَصْدَراً، وَيُخَالِفُ بِذَلِكَ بَديهِيَّاتِ الْمَنْطِقِ الَّتِي تَقولُ بِاِسْتِحَالَةِ أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ شَيْءٌ جَاءَ مِنْ لَا شَيْء، وَمَعَ أَنَّ الْمُلْحِدَ جَاهِلٌ بِمَصْدَرِ هَذَا الْكَوْنِ نَتِيجَةَ جَهْلِهِ بِضَرُورَاتِ الْعَقْلِ، إِلَّا أَنَّهُ لَا يَقِفُ عِنْدَ حُدودِ هَذَا الْجَهْلِ فَنَجِدُهُ يَرْتَكِبُ حَمَاقَةً أُخْرَى وَيُخَالِفُ بَديهِيَّاتِ التَّفْكِيرِ عِنْدَما يَقُولُ طَالَمَا أنا جَاهِلٌ بِوُجُودِ الْخَالِقِ فَهُوَ غَيْرُ مَوْجُودٍ مِنَ الأساسِ، وَهَذِهِ مُخَالَفَةٌ لِلضَّرُورَةِ الَّتِي تَقولُ عَدَمُ الْوُجْدَانِ لَا يَعْنِي عَدَمَ الْوُجُودِ، فَالْجَهْلُ بِالْخَالِقِ لَا يَقودُ إِلَى الْإلْحَادِ أبداً وَإِنَّمَا يَقودُ عَلَى الْأَقَلِّ إِلَى اللَّا أدريَّةِ ، وَلِأَنَّ الْمُلْحِدَ جَاحِدٌ وَمُتَكَبِّرٌ لَا يُعْجِبُهُ أَبَدًا وُجُودُ مَنْ يَقُولُ بَأنَّ هُنَاكَ إلَهاً لِهَذَا الْكَوْنِ، فَيَسْعَى بِكُلِّ السُّبُلِ لِدَحْضِ إيمَانِ الْمُؤْمِنِ، وَلِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مَقْدُوراً ضِمْنَ الْمَسَارِ الْمَنْطِقِيِّ وَضِمْنَ الضَّوَابِطِ الْعَقَلِيَّةِ لِلتَّفْكِيرِ، نَجِدُهُ يَقُومُ بِتَحْرِيفِ مَا تَوَصَّلَ لَهُ الْمُؤْمِنُ فَيُوجِدُ إلَهاً آخرَ مِنْ تَصَوُّرِهِ الخاصِّ ثُمَّ يُهَاجِمُهُ عَلَى أَسَاسِ إنَّهُ إلَهُ الْمُؤْمِنِ، وَذَلِكَ عِنْدَمَا يُنْزِلُهُ مَنْزِلَةَ الْإِنْسَانِ ثُمَّ يُحَاكِمُهُ بِمَعَايِيرِ الْإِنْسَانِ، فِي حِينِ أَنَّ إلهَ الْمُؤْمِنِ لَيْسَ شَبيهاً بِالْإِنْسَانِ، بَلْ هُوَ إلهُ قَادِرٌ لَا عَجْزَ فِيهِ، وَعَالِمٌ لَا جَهْلَ فِيهِ، وَمَوْجُودٌ لَا عَدَمَ فِيهِ، وَحَيٌّ لَا مَوْتَ فِيهِ..

فَيُحَرِّفُ كُلَّ ذَلِكَ وَيَأْتِي لِيَقُولَ: (كَيْفَ يُمكِنُ لِشَخْصٍ وَاحِدٍ يَعْنُونَ بِذَلِكَ اللهَ...) مَعَ أَنَّ الْمُؤْمِنَ لَا يَقُولُ بَأنَّ اللهَ هُوَ شَخْصٌ كَالْأَشْخَاصِ إِلَّا أَنَّ الْمُلْحِدَ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَنْقضَ اللهَ إِلَّا إِذَا سَاوَاهُ مَعَ الْبَشَرِ.