هَلِ الإِلْحَادُ النَّاتِجُ عَنِ العَقْلِ أَفْضَلُ مِنَ الإِيْمَانِ بِسَبَبِ الخَوْفِ؟

يَقُوْلُ المُلْحِدُونَ: لَوْ كَانَ الإِلَهُ مَوْجُودَاً فَإنَّهُ سَيُقَدِّرُ الوَلَاءَ لِلْعَقْلِ، أَكْثَرَ مِنَ الخَوْفِ الأَعْمَى.

: اللجنة العلمية

كَلَامٌ غَيْرُ مَفْهُومٍ وَلَا نَعْلَمُ عَلَى وَجْهِ الدِّقَةِ مَا هُوَ المَقْصُودُ مِنَ الوَلَاءِ لِلْعَقْلِ أَو الخَوْفِ الأَعْمَى، إلَّا أَنَّنَا سَنَفْتَرِضُ أَنَّهُ يَقْصِدُ بِأَنَّ اللهَ إِذَا كَانَ حَقِيْقَةً فَهُوَ سَوْفَ يَحْتَرِمُ الإِنْسَانَ العَاقِلَ حَتَّى لَوْ لَم يُؤْمِنْ بِهِ، وَلَنْ يَحْتَرِمَ المُؤْمِنَ الَّذِي يَعْتَقِدُ بِهِ خَوْفَاً مِنْ عَذَابِهِ، وَبِالتَّالِي إذَا قَادَنَا العَقْلُ إلَى عَدَمِ الإعْتِرَافِ بِاللهِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يُغْضِبُ اللهَ بَلْ قَدْ يَكُوْنُ لَنَا فَضْلٌ عَلَى المُؤْمِنِ الّذِيْ صَدَّقَ بِهِ خَوْفَاً مِنْ عِقَابِهِ.

وَيَبْدُو أَنَّ هَذَا الشَّرْحَ يُمَثِّلُ المَعْنَى الَّذِي كَانَ يَقْصِدُ إِيْصَالَهُ إلَّا أَنَّ عِبَارَاتَهِ لَمْ تَكُنْ وَاضِحَةً، وَمَعِ الأَسَفِ سَنُضْطَرُّ إلَى القَوْلِ بِأَنَ هَذَا الكَلَامَ لَيْسَ إلَّا ظَاهِرَةً صَوْتِيَّةً وَإِعْتِبَاطاً فِكْرِيَّاً، فَحَتَّى يُصْبِحَ أَيُّ كَلَامٍ ذُو دَلَالَةٍ وَمَعْنَىً لَابُدَّ أَنْ يَبْدَأَ بِمُقَدِمَاتٍ وَاضِحَةٍ وَنَتَائِجَ تَرْتَبِطُ بِتِلْكَ المُقَدِّمَاتِ بِشَكْلٍ حَتْمِيٍّ وَضَرُورِيٍّ، فَالإعْتِقَادُ بِوُجُودِ اللهِ أَوْ عَدَمِهِ لَيْسَ لَهُ عَلَاقَةٌ بِعَقْدِ مُقَارَنَةٍ بَيْنَ العَقْلِ وَالخَوْفِ، فَلَا الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللهِ يُفَضِّلُ الخَوْفَ الأعْمَى عَلَى العَقْلِ وَلَا المُلْحِدُ يُفَضِّلُ ذَلِكَ، بَلْ لَا وُجُوْدَ لِأَيِّ تَدَاخُلٍ بَيْنَ مَفْهُوْمِ العَقْلِ وَمَفْهُوْمِ الخَوْفِ مِنَ الأَسَاسِ حَتَّى نُضْطَرَّ لِلتَّمْيِيْزِ بَيْنَهُمَا. فَعَلَى أَيِّ أَسَاسٍ بَنَى المُتَحَدِّثُ هَذَا الكَلَامَ؟ أَمْ هُوَ كَلَامٌ وَالسَّلَام؟. 

وَالخَوْفُ لَيْسَ أَمْرَاً سَلْبِيَّاً عَلَى إِطْلَاقِهِ بَلْ هُوَ إِحْسَاسٌ ضَرُورِيٌ يُرَافِقُ حِرْصَ الإِنْسَانِ عَلَى ذَاتِهِ وَحَيَاتِهِ، بَل حَتَّى العَقْلُ فِيْ مُقَارَبَاتِهِ لِلْأَفْكَارِ لَا يَتَحَرَّكُ بَعِيْدَاً عَنِ الدَّوَافِعِ النَّفْسِيَّةِ وَالهَوَاجِسِ الشَّخْصِيَّةِ، وَبِالتَّالِيْ الخَوْفُ لَيْسَ أَمْرَاً بَعِيْدَاً عَنِ المُعْطَيَاتِ الَّتِي تَدْفَعُ العَقْلَ نَحْوَ التَّفْكِيْرِ السَّلِيْمِ الَّذِي تَتَحَقَّقُ بِهِ نَجَاةُ الإِنْسَانِ، وَمِنْ هُنَا كَانَتِ القَاعِدَةُ الَّتِي تَقُوْلُ (بِوُجُوبِ دَفْعِ الضَّرَرِ المُحْتَمَلِ) مِنَ القَوَاعِدِ العَقْلِيَّةِ المَتِيْنَةِ الَّتِي إِعْتَمَدَ عَلَيْهَا عِلْمُ الكَلَامِ الإِسْلَامِيِّ لِإثْبَاتِ ضَرُورَةِ البَحْثِ عَنِ اللهِ، فَلَوْ كَانَ مِنَ المُحْتَمَلِ وُجُودُ عَالَمٍ آَخَرٍ بَعْدَ المَمَاتِ فَإِنَّ العَقْلَ يُوْجِبُ ضَرُوْرَةَ البَحْثِ عَنْ ذَلِكَ العَالَمِ وَالعَمَلِ عَلَى تَفَادِيْ المَخَاطِرِ الَّتِي تَحْدُثُ فِيْهِ، وَمِمَّا سَبَقَ نَسْتَنْتِجُ أنَّ خَوْفَ المُؤمِنِ يُعَبِّرُ عَنْ تَعَقُّلِهِ، فِي حِيْن أَنَّ تَهَوُّرَ المُلْحِدِ يُعَبِّرُ عَنْ قِلَّةِ عَقْلِهِ.

وَفِي المُحَصِّلَةِ إنَّ الإيْمَانَ بِاللهِ فِي المُعْتَقَدِ الإِسْلَامِيِّ يُعَظِّمُ العَقْلَ وَيَأْمُرُ بِهِ، وَقَدْ مَدَحَ اللهُ العَقْلَ وَالعُقَلَاءَ فِيْ كِتَابِهِ بِأَرْوَعِ العِبَارَاتِ وَأَجْمَلِ الكَلِمَاتِ، فَلِمَاذَا بَعْدَ ذَلِكَ يُزَايِدُ المُلْحِدُ بِالعَقْلِ وَهُوَ أبْعَدُ النَّاسِ عَنْهُ؟ وَإِذَا قَرَّرْنَا المُقَارَنَةَ بَيْنَ المُؤْمِنِ وَالمُلْحِدِ أَيُّهُمَا يَلْتَزِمُ بِالْعَقْلِ فَإنّنَا سَنَجِدُ أَنَّ المُلْحِدَ يُخَالِفُ العَقْلَ فِي أَبْسَطِ أَحْكَامِهِ، مِثْلَ إِيْمَانِهِ بِوُجُودِ العَالَمِ مِنْ دُوْنِ عِلَّةٍ، وَوُجُوْدِ الحَيَاةِ مِنَ اللّاحَيَاةِ، وَوُجُودِ الإِنْسَانِ مِنْ دُوْنِ غَايَةٍ، فَالإِنْسَانُ فِي نَظَرِهِ كَائِنٌ غَيْرُ مَفْهُومٍ جَاءَ مِنَ العَدَمِ وَيَمْضِي إلَى العَدَمِ وَمَا بَيْنَهُمَا يَعْيِشُ فِي العَدَمِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ التَّصَوُّرَاتِ الَّتِي تَجْعَلُ الحَيَاةَ كُلَّهَا عَبَثَاً فِي عَبَثِ، وَبِالتَّالِيْ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الإِلْحَادُ فِعْلَاً مُتَعَقِّلَاً لَا عَلَى مُسْتَوى المَبَادِئِ العَقْلِيَّةِ وَالضَّرُوْرَاتِ المَنْطِقِيَّةِ، وَلَا عَلَى مُسْتَوىْ إِيْجَادِ فَهْمٍ حَقِيْقِيٍّ وَحَكِيْمٍ لِهَذِهِ الحَيَاةِ، وَلَا عَلَى مُسْتَوَى تَأْسِيْسِ قِيَمٍ أَخْلَاقِيَّةٍ، وَلَا عَلَى مُسْتَوَى تَقْدِيْمِ ضَمَانٍ لِمَصِيْرِ الإِنْسَانِ, إنْ كَانَتْ هُنَاكَ حَيَاةٌ فِي الآخِرَةِ.

وَعَلَيْهِ فَإِنَّ العَاقِلَ هُوَ الَّذِي يَخَافُ عَلَى مَصِيْرِهِ الَّذِي يَنْتَظِرُهُ فَيُفَكِّرُ بِكُلِ جِدِّيَّةٍ لِلْوُصُولِ بِنَفْسِهِ إلَى بَرِّ الأَمَانِ، وَلِذا قَالَ تَعَالَى: (إنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ العُلَمَاءُ) فَالعُلَمَاءُ هُمُ الَّذِيْنَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ، بِعَكْسِ الجُهَلَاءِ الَّذِيْنَ يَقُوْدُهُمْ إسْتِهْتَارُهُمْ إلَى عَدَمِ الخَشْيَةِ مِنَ اللهِ.