هل الله كيان مادي محدود؟

هل الله كيان مادى محدود بدليل أنّ له كرسي وعرش يحمله ثمانية من الملائكة الاشداء، ليتحقق هنا ماديّته ومحدوديّته بأبعاد الطول والعرض والإرتفاع حيث جلوسه على كرسي وعرش، فهل هذا يتسق مع مقولة ليس كمثله شيء. وأين يذهب أصحاب مقولة أنه لا مادى من جلوسه وإستواءه على العرش، وما تعريفهم للمادة، وكيف عرفوها ويعرفونها أم هو إدعاء لن يصمد أمام الكرسي والعرش وأنه ذو وجه وساق وكلتا يديه يمين.

: اللجنة العلمية

تقرير الشبهة:

لقد وردت ألفاظ في الشريعة المقدّسة ظاهرها التجسيم من قبيل: (وسع كرسيه السماوات والارض)(1) (ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية) (2) (ويبقى وجه ربك ذو الجلال والاكرام) (3) ، وورد في السنّة أحاديث الساق، واليدين، والحقو .... إلخ. وهذه الألفاظ كما قلنا ظاهرها التجسيم، فكيف يمكننا أن نوفق بين هذه الآيات وبين قوله تعالى (ليس كمثله شيء)؟ بل أساساً هل يمكن أن نتعقل هذه الآيات وذلك بأن نحملها على معنى معقول مع الحفاظ على ظواهرها. 

جواب الشبهة: 

اولاً: ماذا يعني التجسيم؟: التجسيم هو إخضاع الخالق لقانون محدودية المادة التي تحكم مخلوقاته الماديّة زماناً ومكاناً، أو هو الحكم على الله تعالى بأن له أبعاد ثلاثة من الطول، والعمق، والعرض، كسائر الأجسام التي تنطبق عليها الأحكام والعوارض الجسمانيّة.

والخلاصة: إن تجسيم يعني أنّ لله جسم مادي له طول، وعرض، وعمق.

ثانياً: هل هذه الألفاظ الظاهرة في التجسيم ممكنة الحمل على معانيها الظاهريّة أم لا، مع غض النظر عن معارضتها بآية (ليس كمثله شيء).

الجواب بالنفي قطعاً، لأنّ القول بالتجسيم يجعل الواجب ممكناً فيستحيل الخالق إلى مخلوق، والغني المطلق إلى فقير محتاج.

وبيان ذلك: إننا إذا حملنا الألفاظ على ظواهرها وقلنا إنّ لله يد ورجل وقدم وساق وحقو ووووو، عندها نسأل سؤال: هل هذه الأجزاء خارجة عن حقيقة الذات الإلهية ام جزء منها؟، لا شك إنها جزء منها، ومن البديهي المعلوم إنّ الكل لا يسمى كلاً ما لم تجتمع أجزاءه، إذن الله يكون ناقصاً (تعالى عن ذلك)، أو غير موجود إلا بعد تحقق أجزاءه.

والنتيجة التي سنصل إليها إنّ الله مفتقر لأجزائه، وهو ليس قديم بل يحدث بعد تحقق أجزاءه، بل أجزاؤه أسبق رتبة في القدم منه، وهو مركب وليس ببسيط فهو مخلوق وليس بخالق، لأنّ الخالق يجب أنْ يكون مستغنياً عما عداه، وهو بهذا البيان ليس كذلك، لأنّه محتاج إلى أجزائه.

ثالثاً: إنّ هذه الألفاظ معارضة للنص الصحيح والمحكم دلالة، وهو قوله تبارك وتعالى (ليس كمثله شيء)، فإنّ حمل هذه الألفاظ على ظواهرها تجعل الله واحداً من الأشياء الممكنة.

رابعاً: إنْ قلت: بأننا نحمل هذه الألفاظ على ظواهرها ولكن لا نكيف، أي بلا كيف، وذلك بأنْ نقول، إنّ لله يد ورجل وقدم ولكن بلا كيف، أي تختلف عن أيدينا وأقدامنا وووو. 

كان الجواب: إنّ هذا حمل للفظ على معنى لا نعقله، بل لا يمكن أنْ نتصوره، إذ كيف يمكن أنْ نقول أنّ لله يد جارحة ولكن ليس بهذا الكيف المعهود من أيدينا، إنّ هذا تعتيم لصفاته تبارك وتعالى، أو تجسيم صريح مع تستر بـ(البلكفة). 

 خلاصة الجواب:

1- إنّ حمل الألفاظ المذكورة على ظواهرها يلزم منه التجسيم الصريح، وهو باطل قطعاً.

2- إنّ هذه الألفاظ معارضة بما هي نص في الدلالة، وهي آية (ليس كمثله شيء)، الأمر الذي يقتضي حمل ما هو ظاهر على ما هو نص، كما هو مقتضى القواعد، أي لا بدّ من تحكيم النص في الظاهر ولا عكس. 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) البقرة / آية 255

(2) الحاقة / آية 17

(3) الرحمن / آية 27