هَلِ التَّخَلُّصُ مِنَ الدِّيْنِ أَمْرٌ مُسْتَحِيْلٌ؟

يَقُوْلُ البَعْضُ: إِنَّكَ أَحْيَانَاً تَعْيْشُ فِيْ ضِيْقٍ لِسَبَبٍ أَوْ لِآَخَرَ، وَلَكِنْ لَا تَعْرِفُ أَنَّ بِاسْتِطَاعَتِكَ التَّخَلُّصَ مِنْ هَذَا الضِّيْقِ، فَإِذَا تَخَلَّصْتَ مِنْهُ تَقُوْلُ: مَاْ كُنْتُ أَعْرِفُ أَنَّنِي قَادِرٌ عَلَى أَنْ أَتَخَلَّصَ مِنْ هَذَا الضِّيْقِ.  فَلَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ سُجِنَ ظُلْمَاً وَعُدْوَانَاً، وَكَانَ بِاسْتِطَاعَتِهِ أَنْ يَهْرُبَ لَكِنَّهُ لَمْ يُحَاوِلْ، وَبَقِيَ فِي السِّجْنِ سَنَوَاتٍ، وَحِيْنَمَا حَاوَلَ إسْتَطَاعَ أَنْ يَتَخَلَّصَ مِنْ سِجْنِهِ، يَقُوْلُ لِنَفْسِهِ: مَا كُنْتُ أَعْرِفُ أنَّنِيْ أَسْتَطِيْعُ فِعْلَ ذَلِكَ.  وَهَكَذَا يَقُوْلُ البَعْضُ: إنّنِي لَمْ أَكُنْ أَعْرِفُ أَنَّنِي قَادِرٌ عَلَى أَنْ أَعِيْشَ دُوْنَ الإِيْمَانِ بِاللهِ، وَالآنَ أَسْتَطِيْعُ ذَلِكَ، فَلِمَاذَا نَلْتَزِمُ بِالدِّيْنِ؟.

: اللجنة العلمية

يُقَالُ إِنَّ الأَمْثَالَ تُضْرَبُ وَلَا تُنَاقَشُ إلَّا أَنَّ ذَلِكَ لَا يَعْنِي أَنْ تُضْرَبَ الأَمْثَالُ جُزَافَاً، وَإنَّمَا يَجِبُ مُرَاعَاةُ التَّشَابُهِ بَيْنَ المِثَالِ وَبَيْنَ الفِكْرَةِ المُرَادِ تَقْرِيْبَهَا، وَهَذَا مَا لَمْ يَلْتَزِمْ بِهِ صَاحِبُ الإِشْكَالِ حَيْثُ لَا وُجُوْدَ لِأَيِّ تَشَابُهٍ بَيْنَ الأَمْثِلَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا وَبَيْنَ الفِكْرَةِ الَّتِي أَرَادَ إيْصَالَهَا، وَلِتَقْرِيْبِ الأَمْرِ سَوْفَ أَسْتَخْدِمُ نَفْسَ كَلَامِهِ لِإثْبَاتِ أَمْرٍ آَخَر فِإنِ اسْتَقَامَ كَلَامِيْ فَسَوْفَ نُسَلِّمُ لَهُ بِدَلِيْلِهِ، وَسَوْفَ أَنْقُلُ نَفْسَ كَلامِهِ مَعْ تَغْيِيْرِ النَّتِيْجَةِ (إِنَّ البَعْضَ يَعِيْشُ فِي ضِيْقٍ نَفْسِيٍّ وَلَا يَعْرِفُ أنَّهُ يَسْتَطِيْعُ التَّخَلُّصَ مِنْهُ وَإِذَا تَخَلَّصَ مِنْهُ يَقُوْلُ مَا كُنْتُ أَعْرِفُ أَنَّني أَسْتَطِيْعُ فِعْلَ ذَلِكَ، أَو إِذَا كَانَ مَسْجُوْنَاً ظُلْمَاً وَلَمْ يَهْرُبْ مَعْ إِمْكَانِيَّةِ الهُرُوبِ ثُمَّ يَهْرُبُ بَعْدَ سَنَوَاتٍ فَيَقُوْلُ حِيْنَهَا مَا كُنْتُ أَعْرِفُ أنَّنِي أَسْتَطِيْعُ، وَهَكَذَا يَقُوْلُ البَعْضُ أنَّنِي لَمْ أَكُنْ أَعْرِفُ أنَّنِي قَادِرٌ عَلَى تَرْكِ حُبِّي لِأُمِّي وَأَبِي، أَو لَمْ أَكُنْ أَعْرِفُ أَنَّنِي أَسْتَطِيْعُ التَّخَلُّصَ مِنَ القَوْلِ أنَّ هَذَا البَيْتَ الَّذِي أَسْكُنُهُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ بَانٍ، أَو مَا كُنْتُ أَعْرِفُ بِأنَّنِي قَادِرٌ عَلَى التَّخَلُّصِ مِنَ الأَخْلَاقِ وَالقِيَمِ الإِنْسَانِيَّةِ... والَآَنَ أَسْتَطِيْعُ فِعْلَ ذَلِكَ، فَلِمَاذَا نَلْتَزِمُ بِحُبِّنَا لِلْأَبَوَيْنِ أَو نَلْتَزِمُ بِالقَوْلِ أَنَّ البَيْتَ لَابُدَّ لَهُ مِنْ بَانٍ أَوْ نَلْتَزِمَ بِالأَخْلَاقِ وَالقِيَمِ الإِنْسَانِيَّةِ) لَا يُعَدُّ هَذَا الكَلَامُ إلَّا هَرْطَقَةً وَسَذَاجَةً فِي التَّفْكِيْرِ، فَلَيْسَتِ المُشْكِلَةُ فِي إِمْكَانِيَّةِ التَّخَلُّصِ مِنَ الشَّيْءِ وَإنَّمَا فِي الدَّافِعِ الَّذِي يَجْعَلُنَا نُفَكِّرُ فِي التَّخَلُّصِ مِنْهُ، وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ أَنَّ تَرْكَ الدِّيْنِ أَمْرٌ مُسْتَحِيْلٌ وَإِنَّمَا هُوَ أَمْرٌ مُتَيَسِّرٌ لِلْجَمِيْعِ وَقَدْ قَالَ اللهُ فِي كِتَابِهِ (وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ ۖ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ) فَالأَمْرُ لَا يَحْتَاجُ لِبَيَانِ نَمَاذِجَ تُبَيِّنُ قُدْرَةَ الإِنْسَانِ عَلَى تَرْكِ مَا لَا يَرْغَبُ فِيْهِ حَتَّى يَسْتَدْعِي الأَمْرُ حَشْدَ هَذِهِ الأَمْثِلَةِ، وَإنَّمَا الأَمْرُ لَهُ عَلَاقَةٌ  بِالضَّرُوْرَةِ العَقْلِيَّةِ، وَالمَعْرِفِيَّةِ، وَالحَيَاتِيَّةِ، الَّتِي تُوْجِبُ عَلَى الإِنْسَانِ الإيْمَانَ بِإلَهٍ لِهَذَا الكَوْنِ وَمِنْ ثُمَّ التَّسْلِيْمَ لَهُ وَالانْقِيَادَ لِأَوَامِرِهِ.

فَضِيْقُ النَّفْسِ وَالسِّجْنُ مِنَ الأُمُوْرِ الطَّاْرِئَةِ أَو الخَارِجَةِ عَنْ إِرَادَةِ الإِنْسَانِ وَالتَّخَلُّصُ مِنْهَا ضَرُوْرَةٌ لِكُلِ إِنْسَانٍ لَهُ عَقْلٌ، وَالَّذِي يَقْبَلُ بِهَا مَعْ إِمْكَانِيَّةِ التَّخَلُّصِ مِنْهَا يُعَدُّ عِنْدَ العُقَلَاءِ أَحْمَقَاً، وَهَذَا بِخَلَافِ الدِّيْنِ وَالإِيْمَانِ بِاللهِ الَّذِي يُعَدُّ الالْتِزَامُ بِهَا ضَرُوْرَةً فِيْ حَدِّ نَفْسِهَا، وَالَّذِيْ لَا يَلْتَزِمُ بِهَا هُوَ الَّذِي يُعَدُّ فِي نَظَرِ العُقَلَاءِ أَحْمَقَاً.