هل الدين هو سبب المشاكل في الحياة؟!

البَعْضُ يَقُوْلُ: حِيْنَمَا نَتَحَدَّثُ عَنْ عَالَمٍ بِلَا دِيْنٍ فَنَحْنُ نَتَحَدَّثُ عَنْ عَالَمٍ مِن دُوْنِ انْتِحَارِيِّيْنَ وَمِنْ دُوْنِ تَفْجِيْرَاتِ الحَادِي عَشَرَ مِنْ سِبْتَمْبِرَ، وَمِنْ دُوْنِ إِنْفِجَارَاتِ لُنْدُنَ، وَمِنْ دُوْنِ حَمَلَاتٍ صَلِيْبِيَّةٍ، وَمِنْ دُوْنِ تَقْسِيْمٍ لِلْهِنْدِ، وَمِنْ دُوْنِ حَرْبٍ إِسْرَائِيْلِيِّةٍ، وَمِنْ دُوْنِ مَذَابِحِ الصِّرْبِ وَالكُرْوَاتِ لِلْمُسْلِمِيْنَ، وَمِنْ دُوْنِ إِضْطِهَادِ الآَخَرِيْنَ لِلْيَهُوْدِ، وَمِنْ دُوْنِ مَشَاكِلَ فِي إِيَرْلَنْدَا الشَّمَاليَّةِ، وَمِنْ دُوْنِ جَرَائِمِ الشَّرفِ، وَمِنْ دُوْنِ مُبَشِّرِيْنَ إِنْجِيْلِيِّيْنَ، وَمِنْ دُوْنِ طَالِبَانَ، وَمِنْ دُوْنِ قَطْعٍ لِلرُؤُوْسِ بِشَكْلٍ عَلَنِيٍّ وَمِنْ دُوْنِ سِيَاطٍ عَلَى جِسْمِ المَرْأَةِ. هَذَا هُوَ العَالَمُ الَّذِي نَتَطَلَّعُ إِلَيْهِ لِأَنَّهُ بِلَا دِيْنٍ.

: اللجنة العلمية

أَوّلَاً: لَابُدَّ مِنَ التَّأْكِيْدِ عَلَى أَنَّ العُنْفَ أَمْرٌ مُدَانٌ سَوَاءٌ صَدَرَ مِنْ أَصْحَابِ الأَدْيَانِ أَمْ مِنْ غَيْرِهِمْ، كَمَا لَا يُمْكِنُ الإعْتِرَاضُ عَلَى هَذَا الإِشْكَالِ بِسَرْدِ نَمَاذِجَ مِنَ الحُرُوْبِ الَّتِي حَدَثَتْ بِدَوَافِعَ غَيْرِ دِيْنِيَّةٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُعْطِي مُبَرِرَاً لِلْحُرُوْبِ الَّتِي دَمَّرَتْ حَيَاةَ البَشَرِ بِاسْمِ الأَدْيَانِ، وَبِالتَّالِي فَإِنَّ التَّحْلِيْلَ العِلْمِيَّ لِظَاهِرَةِ الحُرُوْبِ يَقُوْدُنَا إلَى وُجُوْدِ دَوَافِعَ مُتَعَدِّدَةٍ تَقِفُ خَلْفَ حُدُوْثِهَا، وَمُحَاوَلَةُ حَصْرِ هَذِهِ الدَّوَافِعِ فِي دَافِعٍ وَاحِدٍ لَا يُسَاهِم فِي الحَلِّ الجَذْرِيِّ لِهَذِهِ الظَّاهِرَةِ، فَحَتَّى لَوْ كَفَرَ جَمِيْعُ البَشَرِ لَا يُؤَدِّي ذَلِكَ إلَى نِهَايَةِ الحُرُوْبِ فِي الأَرْضِ كَمَا يَتَصَوَّرُ بَعْضُ الحَالِمِيْنَ؛ لِأَنَّ هُنَاكَ مَطَامِعَاً وَأَنَانِيَّاتٍ مَازَالَتْ تُؤَجِّجُ هَذِهِ الحُرُوْبَ، وَبِالتَّالِي فَالمُؤَكَّدُ أَنَّ العَقْلِيَّةَ الدَّاعِشِيَّةَ لَا عَلَاقَةَ لَهَا بِالإِيْمَانِ بِاللهِ وَإِنَّمَا هِيَ عَقْلِيَّةٌ مَرِيْضَةٌ وَنَفْسِيَّةٌ خَبِيْثَةٌ سَوَاءٌ كَانَتْ مُتَدَيِّنَةً أَوْ مُلْحِدَةً، وَهَذَا لَا يَعْنِي عَدَمَ وُجْوُدِ مُبَرِّرَاتٍ مَقْبُوْلَةٍ لِلْحَرْبِ مِنْ قبيلِ الدِّفَاعِ عَنِ الوُجُوْدِ وَالحَيَاةِ وَالمُكْتَسَبَاتِ، وَإنَّمَا الكَلَامُ عَنِ الحُرُوْبِ الَّتِي تَكُوْنُ دَوَافِعَهَا حُبُّ السَّيْطَرَةِ وَالهَيْمَنَةِ وَالتَّوَسُّعِ، مِنْ هُنَا لَابُدَّ مِنْ إِدَانَةٍ وَاضِحَةٍ لِلنَّفْسِيَّةِ العَنِيْفَةِ قَبْلَ إِدْانَةِ الثَّقَافَةِ الَّتِي تُرَوِّجُ لِلْعُنْفِ، لِأَنَ ثَقَافَةَ العُنْفِ لَا يَكُوْنُ لَهَا سُوْقٌ رَائِجٌ إلَّا بَيْنَ أَصْحَابِ النُّفُوسِ العَنِيْفَةِ، وَعَلَيْهِ فَإِنَّ الَّذِي يَجِبُ الإِهْتِمَامُ بِهِ جِدِّيَاً هُوَ عِلَاجُ هَذِهِ النَّفْسِيَّاتِ المَرِيْضَةِ وَالمُنْتَشِرَةِ بِكَثْرَةٍ فِيْ وَاقِعِنَا.   

ثَانِيَاً: لَا بُدَّ مِنَ التَّفْرِيْقِ بَيْنَ الدِّيْنِ وَالتَّدَيُّنِ، فَالسُّلُوْكِيَّاتُ تُعْبِّرُ عَنْ شَخْصِيَّةِ الإِنْسَانِ، وَالدِّيْنُ غَيْرُ مَسْؤُوْلٍ عَنِ السُّلُوكِ الَّذِيْ لَمْ يَأْمُرْ بِهِ، حَتَّى لَوْ تَحَوَّلَ هَذَا السُّلُوْكُ لِفِعْلٍ جَمَاعِيٍّ تَحْتَ مِظَلَّةِ الدِّيْنِ، وَبِالتَّالِي إِنْ جَازَ الدِّفَاعُ عَنِ الدِّيْنِ بِوَصْفِهِ قِيَمَاً سَامِيَةً وَأَخْلَاقَاً نَبِيْلَةً، لَا يَجُوْزُ الدِّفَاعُ عَنْ سُلُوْكِ المُتَدَيِّنِيْنَ طَالَمَا تَتَحَرَّكُ بَعِيْدَاً عَنْ أَوَامِرِ الدِّيْنِ نَفْسِهِ. 

ثَالِثَاً: لَا نَفْهَمُ الدِّيْنَ إلَّا بِوَصْفِهِ أَمَلَ الإِنْسَانِ لِحَيَاةٍ أَفْضَلٍ، وَأَيُّ فَهْمٍ لَا يُعَزِّزُ قِيْمَةَ الحَيَاةِ وَلَا يَدْفَعُ الإِنْسَانَ نَحْوَ إِعْمَارِ الأَرْضِ عَلَى أَسَاسِ قِيَمِ الحَقِّ وَالفَضِيْلَةِ، هُوَ فَهْمٌ لَا عَلَاقَةَ لَهُ بِالدِّيْنِ الَّذِي أَرَادَهُ اللهُ أَمَّا مَا عَلَيْهِ وَاقِعُ الأَدْيَانِ مِنْ رَجْعِيَّةٍ وَتَخَلُّفٍ فَهُوَ بِسَبَبِ التَّخَلُّفِ المُسْتَشْرِيِّ بَيْنَ البَشَرِ جَمِيْعَاً، فَالإِنْسَانُ بِجَهْلِهِ وَمَطَامِعِهِ هُوَ المَسْؤُوْلُ عَنْ وَاقِعِهِ وَلَا عَلَاقَةَ لِلْأَدْيَانِ بِمَا اخْتَارَهُ الإِنْسَانُ لِنَفْسِهِ، وَمَا تَقُوْمُ بِهِ التَّيَّاْرَاتُ اللَّادِيْنِيَّةُ مِنْ تَهْرِيْجٍ حَوْلَ هَذِهِ الصُّوَرِ السَّلْبِيَّةِ فَهِيَ لَيْسَتْ إِدَانَةً لِدِيْنِ اللهِ بِقَدْرِ مَا هِيَ إِدَانَةٌ لِلْإِنْسَانِ سَوَاءَ كَانَ مُؤْمِنَاً أَوْ مُلْحِدَاً؛ لِأَنَّ الجَمِيْعَ يَعِيْشُوْنَ فِي هَذَا التَّخَلُّفِ وَالإِنْحِطَاطِ. وَعَلَيْهِ لَابُدَّ مِنْ تَقْدِيْمِ مُعَالَجَةٍ تَمْتَدُّ إِلَى العُمْقِ لِلْكَشْفِ عَمّا تُعَانِيْهِ البَشَرِيَّةُ مِنْ إِنْحِدَارٍ وَتَرَاجُعٍ، فَالإِنْسَانُ المُتَخَلِّفُ وَالعَنِيْفُ بِطَبْعِهِ إِذَا أَصْبَحَ مُتَدَيِّنَاً سَيُقَدِّمُ صُوْرَةً مُتَخَلِّفَةً وَعَنِيْفَةً لِلدِّيْنِ، فَالإِشْكَالُ فِي الإِنْسَانِ وَلَيْسَ فِي الأَدْيَانِ، وَبِالتَّالِي إِنَّ جُذُوْرَ الوَعْيِّ الدِّيْنِيِّ المُشَوَّهِ هُوَ بِسَبَبِ الإِنْسَانِ المُشَوَّهِ فِي إِنْسَانِيَّتِهِ، وَفَلْسَفَةُ الأَدْيَانِ بِالأَسَاسِ هِيَ المُسَاهَمَةُ فِي بِنَاءِ هَذَا الإِنْسَانِ فَمَثَلَاً عِنْدَمَا يَقُوْلُ تَعَالَى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) (13 الحُجُرَاتُ) إِنَّمَا يُؤَسِّسُ لاجْتِمَاعٍ إِنْسَانِيٍّ يَقُومُ عَلَى التَّعَارُفِ وَالتَّعَاوُنِ وَالتَّكَامُلِ، وَيَقُوْلُ تَعَالَى (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ ۖ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ۚ وَاتَّقُوا اللهَ ۖ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) (2 المَائِدَة ). بَلْ يَرْتَقِي الدِّيْنُ بِالإِنْسَانِ إلَى مُسْتَوىً يَمْنَعُهُ حَتَّى مِنَ السُّخْرِيَةِ وَالعُنْصُرِيَّةِ وَالتَّنَابُزِ بِالأَلْقَابِ نَاهِيْكَ عَنِ القَتْلِ وَالإِعْتِدَاءِ، قَالَ تَعَالَى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَىٰ أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عَسَىٰ أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ ۖ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ ۖ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ ۚ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) (11 الحُجُرَاتُ) وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ التَّعْلِيْمَاتِ. وَعَلَيْهِ لَابُدَّ مِنْ تَقْدِيْمِ وَعْيٍ دِيْنِيٍ يَمْتَازُ بِالعِلْمِيَّةِ فِي مُتَبَنَيَاتِهِ الفِكْرِيَّةِ، وَالعَقْلَانِيَّةِ فِي عَلَاقَتِهِ مَعَ الحَيَاةِ، وَالمَوْضُوْعِيَّةِ فِي مُقَارَبَتِهِ لِلْمُتَغَيِّرَاتِ، وَالحَضَارِيَّةِ فِي مَشْرُوْعِهِ التَّكَامُلِيِّ لِلْإِنْسَانِ. وَالخَطَوَةُ الأُوْلَى تَقْتَضِي إِسْقَاطَ الشَّرْعِيَّةِ عَنْ تِلْكَ الصُّوْرَةِ النَّمَطِيَّةِ عِنْدَ بَعْضِ المُتَدَيِّنِيْنَ، وَمِنْ ثُمَّ مُحَاوَلَةَ الكَشْفِ عَنِ التَّصَوُّرِ المَعْرِفِيِّ الَّذِي يَسْتَقِيْمُ مَعَ العِلْمِ وَالعَقْلِ وَيُحَقِّقُ التَّفَاعُلَ الإِيْجَابِيَّ مَعَ الحَيَاةِ، حَيْثُ لَا يُمْكِنُ أَنْ نَتَصَوَّرَ أَنَّ هُنَالِكَ دِيْنَاً جَاءَ مِنْ أَجْلِ الإِنْسَانِ ثُمَّ يَكُوْنُ سَبَبَاً فِي تَدْمِيْرِ حَيَاتِهِ. 

وَفِي الخِتَامِ لَا يُمْكِنُ أَنْ تَسْتَغْنِيَ البَشَرِيَّةُ عَنِ الدِّيْنِ الإِلَهِيِّ بِوَصْفِهِ الخِطَابَ الَّذِي يُعَزِّزُ نِقَاطَ القُوَّةِ عِنْدَ الإِنْسَانِ وَيَدْفَعُهُ نَحْوَ التَّقَدُّمِ وَالتَّكَامُلِ، حَيْثُ يَأْمُرُهُ بِالعَقْلِ وَالعِلْمِ، وَيُشَجِّعُهُ عَلَى تَطْوِيْرِ القُدُرَاتِ، وَيَأْمُرُهُ بِالإِنْفِتَاحِ عَلَى الحَيَاةِ بِبَصِيْرَةٍ وَاعِيَةٍ، وَمِنْ هُنَا لَا يَهُمُّنَا الدِّفَاعُ عَنِ التَّدَيُّنِ الشَّكْلِيِّ وَالفَهْمِ السَلَفِيِّ لِلدِّيْنِ، وَلَا نُحَاوِلُ القِيَامَ بِتَزْيِيْنِ مَا هُوَ قَبِيْحٌ كَمَا تَفْعَلُ أُمُّ العَرُوْسِ الَّتِي تُخْفِي بِالمَكْيَاجِ عُيُوْبَ إبْنَتِهَا، وَإِنَّمَا نُهَاجِمُ كُلَّ خِطَابٍ يَدْعُو لِلْكَرَاهِيَّةِ وَالجَهْلِ وَالتَّخَلُّفِ بِاسْمِ الدِّيْنِ، وَحِيْنَهَا لَا نَكُوْنُ مُرْغَمِيْنَ عَلَى إِيْجَادِ تَبْرِيْرَاتٍ لِمَا وَقَعَ فِي التُّرَاثِ أَوْ فِي الحَاضِرِ مِنْ مُمَارَسَاتٍ سَلْبِيَّةٍ لَا يَرْتَضِيْهَا اللهُ.