ما هو الفرق بين العلوم الإنسانية والعلوم الطبيعية؟

يقول الملحدون: يتميّزُ الإلحادُ بقوّة منطقِهِ واعتمادِهِ على العلم، فكلّ الملحدين وخاصةً الجددَ منهم هم من العلماء وأساتذة الجامعات، فاليوم حينما نتحدّث عن الإلحاد الجديد نجد أنّ علماء بارزينَ يقفون خلفه وينظّرونَ له أمثال عالم البيولو جيا ريتشارد دوكنز ، الذي أثبت قوّتَهُ وانتصارَه على أهل الدين والتوحيد، فلماذا لا تُذعنون للعلم والعلماء؟

: اللجنة العلمية

من المغالطات الكبرى التي يقع فيها البعض هي كون الإلحاد يعتمد على منطق العلم، ويبدو أن مثل هذه الدعاية تنطلي على البسطاء الذين لا يفرقون بين موضوعات العلوم الطبيعية وبين موضوعات العلوم الإنسانية، ولا يميزون بين المنهجيات المناسبة لكل موضوعٍ من هذه الموضوعات. وقد بيَّنا في ردودٍ سابقةٍ بأن العلوم الطبيعية مهما تطورت لا علاقة لها بالإلحاد، لأن الإلحاد والإيمان من بحوث العلوم الإنسانية، واللحظة التي يتحدث فيها عالِمُ الطبيعة عن الإيمان أو الإلحاد هي ذاتها اللحظة التي يتخلى فيها عن كونه عالِماً في الطبيعيات، وحينها يفقد أيَّ ميزةٍ اكتسبها من كونه متخصصاً مثلاً في علم البيولوجي أو علم الكيمياء أو غير ذلك.

 أما العلوم الإنسانية والاجتماعية فهي العلوم المختصة بدراسة الإنسان وما يحمله من معارفَ وميولٍ وعقائد وغير ذلك، ولكي يتضح الفرقُ جيداً نبيّن بشكلٍ مبسَّطٍ مورد اهتمام كل واحدٍ من العِلْمين.

العلوم الطبيعية: وهي محكومةٌ بأمرين اساسيين, وهما: الإنسان الذي يقوم بدور الملاحظة. والعنصر الثاني هو المادة التي تَتَمُ ملاحظتُها، وفي هذه النوع من الرصد والملاحظة لا تتدخل النفس بميولها الخاصة من هوىً ومصالحَ ورغباتٍ؛ لوجود نوعٍ من الانفصال بين الإنسان والطبيعة، فالقوانين التي تحكم سقوط حجرٍ من فوق جبل هي نفسها من تحكم سقوط اي شيءٍ اخر في اي مكانٍ اخر.

العلوم الإنسانية: وموضوع البحث فيها هو الإنسان، مما يعني تداخلاً بين الباحث والمبحوث، فالإنسان هو الملاحِظ (بكسر الحاء) وفي الوقت نفسه هو المُلاحَظ (بفتح الحاء) فمثلاً هل الإنسان كائنٌ اجتماعيٌّ أم غير اجتماعي؟، وهل من واجب الإنسان الإيمان بدينٍ أم لا؟، وهل الإنسانُ مفطورٌ على معرفة الله أو ليس بمفطور؟ وهل الإنسان يجد إنسانيته في الإيمان أم في الإلحاد؟ وغير ذلك من العناوين التي تمثل اهتمام العلوم الإنسانية، حيث نجد فيها أنَّ الإنسان بوصفه كائناً عاقلاً هو الذي يجيب عمَّا له علاقة بالإنسان نفسه.

 وكما أن هناك فرقاً بين موضوعات العلوم الطبيعية والإنسانية, هناك أيضاً فرقٌ في المناهج المعمول بها في دراسة الإنسان والمعمول بها في دراسة الطبيعة، وإذا اتضح الفرقُ بينهما يتضح ايضاً أن العالِم في الطبيعيات ليست له سطوةٌ علميةٌ فيما يتعلق بالإنسانيات، فمثلاً عندما يتحدث ريتشارد دوكنز عن الإلحاد يكون حاله كحال أيّ إنسانٍ أخر يتحدث عن الإلحاد، وليس لتخصصه البيولوجي إي ميزة في هذا الخصوص، وكذلك الحال لو تحدث عن الإيمان كما يفعل بعض العلماء الاخرين لا يكون حديثهم عن الإيمان من باب كونهم علماء طبيعية وإنما من باب كونهم عقلاء.

وعليه كل ما جاء في كلام هذا الملحد ليس إلا منطقُ المنبهرِ بالأسماء الرنانة والالقاب الفخمة، وهو بالتأكيد منطقٌ طفوليٌّ قد لا يصلح حتى مع السطحيين والسذج، ومع ذلك يدعونا أنْ نتعلَّمَ من منطق الملحدين بقوله: (فلماذا لا تُذعنون للعلم والعلماء؟)