هَل أصلُ الحياةِ حَدثٌ كيميائيٌّ؟

يقولُ الملحدونَ حولَ وجودِ الحياةِ على كوكبِ الأرضِ: إنَّ أصلَ الحياةِ كانَ حَدثاً كيميائيَّاً، أو سِلسلةً منَ الأحداثِ، حيثُ توفَّرتْ الشُّروطُ الحيويَّةُ لبدايةِ التَّطوُّرِ.  العُنصرُ الأهمُّ كانَ الوارثةَ أيْ مَا هوَ موجودٌ فِي ال (DNA)، الأكثرُ إحتمالاً شيءٌ شبيهٌ بهَا مِنْ حيثُ موضوعُ النَّسخِ ولكنْ أقلُّ ضبطاً، ربَّمَا جُزيئاتُ ال (RNA) القَريبةُ لهَا، وبمجرَّدِ أنْ يُصبحَ هذا العُنصرُ نوعاً منَ الجُزيئاتِ القابلةِ للوراثةِ موجوداً، يبدأ التَّطوُّرُ الدَّاروينيُّ، وتبدأ الحياةُ المُعقَّدةُ بالظُّهورِ كنتيجةٍ نهائيَّةٍ.

: اللجنة العلمية

السُّؤالُ عن بدايةِ الكونِ أو عن بدايةِ الحياةِ سؤالٌ فلسفيٌّ بامتيازٍ، ومحاولةُ الإجابةِ عنهُ وفقَاً لشروطِ البَحثِ العلميِّ غيرُ مُمكنةٍ بلْ مُستحيلةٌ، فالبحثُ عنْ تأريخِ مَا قبلَ المادَّةِ، أو مَا قبلَ الحياةِ، أو مَا قبلَ الإنسانِ، يتعدَّى حدودَ المُختبرِ والتَّجربةِ الحسيَّةِ، والطَّريقُ الحَصريُّ لبحثِ مِثلِ هذهِ الأسئلةِ هوَ البحثُ النَّظريُّ القائمُ على التَّحليلِ العَقليِّ، والخَلطُ الَّذِي يُحدِثُهُ الإلحادُ فِي مَا يَخصُّ موضوعاتِ المعرفةِ يَهدفُ إلى تَشويشِ الرُّؤيةِ والتَّسطيحِ بعقولِ البُسطاءِ مِنَ النَّاسِ، فالبحثُ سَواءٌ كانَ علميَّاً أو فلسفيَّاً يبدأُ بفرضيَّةٍ أوليَّةٍ ثُمَّ يأتِي العملُ على إثباتهَا أو نَفيهَا، والفرقُ بينَ الفرضيَّةِ العلميَّةِ والفرضيَّةِ الفلسفيَّةِ هوَ أنَّ الأولى يتمُّ تأكيدُهَا بالفحصِ المختبريِّ، أمَّا الفرضيَّةُ الفلسفيَّةُ فيتمُّ تأكيدُهَا مِنْ خِلالِ البُرهانِ العقليِّ، وموضوعاتُ مَا قبلَ التَّأريخِ أو مَا قبلَ الإنسانِ لَا تخضعُ للفرضيَّاتِ العلميَّةِ وإنَّمَا يتمُّ بحثُهَا ضِمنَ الفرضيَّاتِ النَّظريَّةِ الَّتِي يُستدَلُّ عليهَا بالبُرهانِ العقليِّ، فمثلاً قولُهُ: (إنَّ أصلَ الحياةِ كانَ حدثاً كيميائيَّاً، أو سلسلةٌ منَ الأحداثِ) وقَدْ أرادَ بذلِكَ أنْ يَجعلهَا حقيقةً علميَّةً فِي حينِ أنَّهَا مُجرَّدُ فرضيَّةٍ خاطئَةٍ لا تتناسبُ معَ الشُّروطِ الَّتِي يفرضهَا البحثُ العلميُّ، فبأيِّ دليلٍ علميٍّ يمكنُ إثباتُ أنَّ بدايةَ الحياةِ كانَ حَدثاً كيميائيَّاً؟ وبالتَّالِي لا تعدُو كونهَا مجرَّدَ تكهُّنٍ وتخرُّصٍ حتَّى وإنْ حاولَ تسويقَهَا فِي قالبٍ علميٍّ، قالَ تعالى: (مَّا أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنفُسِهِمْ وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا) (51 الكهف). فمَا يكونُ خارجَ حدودِ البحثِ العلميِّ لا يمكنُ حسمُهُ بموجبِ التَّجربةِ الحسيَّةِ، فمَنْ يقولُ مَثلاً إنَّ بدايةَ الحياةِ تولَّدَتْ مِنْ خليَّةٍ واحدةٍ لابُدَّ أنْ يكونَ شاهداً على ذلكَ بالدَّليلِ العلميِّ، وهذا مَا لا يتيسَّرُ للإنسانِ مهمَا عَظُمَ مقامُهُ وتَضاعفَتْ قدراتُهُ، وعليهِ لا يَعدُو قولُهُ أنْ يكونَ مجرَّدَ إفتراضٍ يَستحيلُ الاِستدلالُ عليهِ علميَّاً، ومِنْ هُنَا لا يَجوزُ السَّماحُ للإلحادِ بممارسةِ خُدعتِهِ الماكرةِ بتمريرِ فرضيَّاتٍ لا يُمكنُ توثيقُهَا علميَّاً. 

ومِنْ هُنَا فإنَّ التَّسليمَ لهذهِ الفرضيَّةِ حتَّى لَو كانَ جَدلاً لا يُجدِي نفعَاً معَ وجودِ هذهِ الفراغاتِ الَّتِي تُحيطُ بِهَا، فمِنْ أينَ جَاءَ هذَا الحَدثُ الكيميائيُّ الَّذِي أوجدَ الحياةَ؟ هلْ جاءَ مِنْ مادَّةٍ؟ أمْ جاءَ منْ كائنٍ حيٍّ آخرٍ؟ فإنْ كانَ مِنْ كائنٍ حيٍّ آخرٍ فحينَهَا يتحوَّلُ السُّؤالُ إلَى هذَا الكائنِ الحيِّ مِنْ أينَ أتَى؟ ومِنْ ثُمَّ بعدَ ذلكَ يُمكنُنَا الحَديثُ عَنِ الحَدثِ الكيميائيِّ. أمَّا إذا نتجَ هذا الحدثُ الكيميائيُّ مِنْ مادَّةٍ غيرِ حيَّةٍ فحينَهَا يجبُ أنْ يُبرهِنُوا لنَا علميَّاً كيفَ تتحوَّلُ المادَّةُ إلى كائِنٍ حيٍّ؟ 

وقولُهُ إنَّ العنصرَ الأهمَّ هوَ وِراثةُ ال (DNA)، يُريدُ بذلكَ أنْ يُشهِرَ فِي وجوهِنَا سلاحَاً ليسَ بسلاحِهِ ويُريدُ أنْ يُقاتلَنَا فِي ميدانٍ لَيسَ بميدانِهِ، فرَفعُ شِعارِ ال (DNA) ليسَ إلَّا محاولةً للتَّرهيبِ والخِداعِ ولا علاقةَ لهُ بفرضيَّةِ الحَدثِ الكيميائيِّ، فكونُ ال (DNA) قضيَّةً مُبَرْهناً عليهَا علميَّاً لا يعنِي أبدَاً أنَّ الحدثَ الكيميائيَّ أيضَاً مُبرهنٌ عليهِ علميَّاً.

ولأنَّهُ يَعرفُ أنَّ خدعةَ ال (DNA) قَدْ لا تَنطلِي على البَعضِ حاولَ أنْ يُظهرَ نَفسَهُ بمظهرِ الَّذِي يتحرَّى الدِّقةَ فقالَ: (الأكثرُ إحتمالاً شَيءٌ شبيهٌ بهَا مِنْ حيثُ مَوضوعُ النَّسخِ ولكِنْ أقلُّ ضبطَاً، ربَّما جُزيئاتُ (RNA) القَريبةِ لهَا) وكلُّ ذلكَ لا يُجدِي نفعَاً ولا يكونُ حلَّاً للسُّؤالِ مِنْ أينَ جاءَتِ الحياةُ؟ ولا يَهمُّنَا التَّحري العلميُّ حولَ ال (RNA) فسَواءٌ كانَ حقيقةً أمْ لا ليسَ لهُ علاقةٌ بطبيعةِ الحِوارِ معَ الإلحادِ، فحتَّى لو سلّمنَا بأنَّ المادَّةَ هِيَ الَّتِي أوجدَتِ الحياةَ يَبقى السُّؤالُ قائمَاً مِنْ أينَ أتتِ المادَّةُ؟