هلِ الإنسانُ نِتاجُ الطَّبيعةِ؟

يَقولُ الملحدونَ: إنَّ تشارلز داروين فِي الحَقيقةِ كَشفَ لنَا عَنْ قانونِ الاِنتخابِ الطَّبيعيِّ، ونَحنُ نُطبِّقُ هذَا القانونَ فِي فروعٍ أُخرَى، أيْ نَقولُ: إنَّ كُلَّ مَا هوَ مَوجودٌ اليَومَ هوَ نَتيجةُ اِنتخابٍ طبيعيٍّ.

: اللجنة العلمية

لَا نَنوِي مُناقشةَ قانونِ (الاِنتخابِ الطَّبيعيِّ) فِي جانبِهِ العلميِّ والمُختبريِّ لكونِهِ مَيدانَاً خاصَاً بعُلماءِ البَيولوجيَا، وقَدْ أكّدنَا فِي رُدودٍ سابقَةٍ عَلى أنَّ البُحوثُ العِلميَّةَ ليسَ لهَا عَلاقةٌ بمَوردِ الخِلافِ القائمِ بينَ الإيمانِ والإلحادِ، إلَّا أنَّ الإلحادَ وبشَكلٍ مُتعمَّدٍ يُحاولُ التَّستُّرَ خَلفَ العِلمِ ليُخفِيَ فَشلَهُ فِي الإجابَةِ عَنِ السُّؤالِ المِحوريِّ، فقانونُ الاِنتخابِ الطَّبيعيِّ لهُ علاقةٌ بالمادَّةِ، والخِلافُ بينَ الإيمانِ والإلحادِ حولَ مَنْ أوجدَ هذهِ المادَّةَ؟. فسَواءٌ ثبتَ هذَا القانونُ أو لَمْ يَثبُتْ يَبقَى السُّؤالُ قائمَاً، ومَهمَا تفنَّنَ الإلحادُ فِي عَرضِ نَظريَّةِ داروين لَا يُعدُّ ذلِكَ إجابةً عنِ السُّؤالِ، وعليهِ فإنَّ الإلحادَ مِنْ خلالِ التَّشدُّقِ بهذهِ النَّظريَّاتِ يُحاوِلُ أنْ يُثيرَ الغُبارَ حتَّى يَحجبَ النَّظرَ عنِ الإخفاقِ الَّذِي وقعَ فيهِ. ومِنْ هُنَا فإنَّ نقاشنَا لهذَا القانونِ قائمٌ عَلى رَصدِ تَطبيقاتِهِ عَلى مُستوى الفكرِ والفَلسفةِ، والعملِ على كشفِ الثَّغراتِ غيرِ المنطقيَّةِ الَّتِي يقعُ فيهَا الإلحادُ.

فإذا سألنَا مثلاً عنِ الإنسانِ كيفَ ظهرَ على مَسرحِ الحياةِ ضِمنَ النَّظريَّةِ الدَّاروينيَّةِ؟ لوجدنَا أنَّ تاريخَ الإنسانِ ضمنَ هذهِ النَّظريَّةِ بدَأ مع مرحلةِ الثَّديياتِ، وهيَ المَرحلةُ الَّتِي تسبقُهَا آلافُ المراحلِ عَبرَ ملايينِ السِّنينِ إلى أنْ تَصلَ إلَى مرحلةِ الخليَّةِ الوَاحدةِ، وعِندَ هذهِ الخَليَّةِ الواحدَةِ تقفُ النَّظريَّةُ الدَّاروينيَّةُ صامتةً وتصمُتُ معهَا كُلُّ البُحوثِ الحديثةِ حولَ التَّطوُّرِ، الأمرُ الَّذِي يَكشِفُ عَنِ العجزِ والفشلِ فِي إيجادِ تفسيرٍ كاملِ المراحلِ للحياةِ، وبذلكَ نكتشِفُ الكِذبةَ الَّتِي يُروِّجُ لهَا الإلحادُ بكونِهِ لا يُؤمنُ بشيءٍ لَمْ يُثبتْهُ العلمُ، فِي حينِ أنَّنا نراهُ قَدْ آمَنَ بوجودِ هذهِ الخَليَّةِ مِنْ دونِ أنْ يُثبتَهَا العِلمُ؟ فَمَنْ يَعترِضُ عَلى المُؤمِنِ لكَونِهِ صَدَّقَ بوجودِ اللهِ مِنْ دونِ أنْ يَكونَ هَذا الإيمانُ خاضِعَاً للحِسِّ والتَّجربَةِ، يَجُوزُ الاِعتراضُ أيضَاً عَلى مَنْ يُؤمنُ بالخليَّةِ الواحدَةِ بنَفسِ ذلكَ الاِعتراضِ.

 وإذا تجاوزنَا ذلكَ وسلَّمنَا بهِ جدلاً، ألَا يَحقُّ لنَا أنْ نسألَ كيفَ وصلَ هذَا التَّطوُّرُ مِنَ الخَليَّةِ الواحدةِ إلَى أنْ أصبَحَ إنسانَاً لهُ عَقلٌ وفِكرٌ ووَعيٌ وإحساسٌ وشُعورٌ وغَيرُ ذَلكَ؟

نَجدُ أنَّ التَّاريخَ الحَقيقيَّ للتَّحوُّلِ الإنسانيِّ قَدْ بَدأَ معَ مَرحلةِ الثَّديياتِ كمَا ذكرنَا، والَّتِي تُمثِّلُ فِي الواقعِ الجَدَّ الأوسطَ للإنسانِ بَعدَ مرحلةِ الخليَّةِ الواحدَةِ الَّتِي هيَ الجَدُّ الأعلى للإنسانِ، ومِنْ بَينِ تِلكَ الثَّديياتِ كانَ هُناكَ طَورٌ اِنفردَ بِأنْ يَكونَ جَدَّاً حَصريَّاً للإنسانِ والقِردِ مَعاً دُونَ غَيرِهِمْ مِنَ الثَّديياتِ، مِنْ دونِ أنْ تَشرحَ لنَا كيفَ اِنقسَمَ ذلكَ المَخلوقُ إلى شَيئينِ مُختلفينِ، ثُمَّ شَقَّ كُلٌّ مِنَ الإنسانِ والقِردِ طَريقَهُ فِي التَّطوُّرِ حتَّى أصبحَ هذَا الإنسانُ الَّذِي نَعرفُهُ وذاكَ القِردَ الَّذِي مَا زالَ قِردَاً يَعيشُ فِي الغَابةِ، وهَلْ فِي المُستقبلِ سيكونُ الإنسانُ أو القِردُ قابِلَينِ للاِنشطارِ إلى أنواعٍ مُتباينةٍ، أو قادرَينِ على التَّطوُّرِ إلى نَوعٍ جديدٍ ليسَ بإنسانٍ وليسَ بقردٍ؟ 

 والعجيبُ أنَّ كُلَّ هذهِ العمليَّةِ التَّطوُّريَّةِ لا يَحكمُهَا إلَّا قانونٌ واحدٌ وهوَ قانونُ (إصطفاءِ الأصلحِ) أو (البَقاءُ للأفضَلِ)، مِن دُونِ أنْ يَكونَ للمَادَّةِ أيُّ مَعرفةٍ بمَعنَى الأصلَحِ أوِ الأفضلِ، مِنْ دونِ عَقلٍ مُشرِفٍ يُبيِّنُ لهَا الطَّريقَ للوصولِ لهذَا الأصلحِ والأفضلِ، ومعَ ذلكَ نالَ هذَا القانونُ شَرحَاً مُفصَّلاً مِنْ عُلماءِ الأحياءِ فِيمَا يَخصُّ البِيئةَ الطَّبيعيَّةَ للحياةِ وتأثيرَهَا فِي الكائناتِ، ثُمَّ عُدِّلَ هَذا القانونُ في بعضِ أجزائِهِ مِنْ قِبلِ أنصارِ الدَّاروينيَّةِ لكَي يَتجاوَزُوا بِهِ التَّباينَ الكَبيرَ بينَ بعضِ مراحلِ التَّطوُّرِ فأُضيفَ إليهِ قانونُ (التَّحوُّلاتِ المُفاجئَةِ)، وهذَا هُوَ دَيدَنُ الأفكارِ المَاديَّةِ فالمَاركسيَّةُ أيضَاً إعتبَرَتِ التَّطوُّرَ هُوَ الأصلَ ولكنَّهَا إصطدمَتْ ببعضِ التَّحوُّلاتِ الَّتِي لَا تنسجِمُ معَ التَّطوُّرِ فأدخَلوا قانونَاً جَديدَاً أسمَوهُ قفزاتِ التَّطوُّرِ. 

والدَّاروينيَّةُ تعتقدُ بأنَّ التَّطوُّرَ قَدْ تَحقَّقَ ضِمنَ عمليَّةٍ مِيكانيكيَّةٍ مُعقدةٍ، إلَّا أنَّ المادَّةَ لَمْ تَكُنْ واعيةً لكُلِّ هذهِ الحَركةِ التَّطوُّريَّةِ، والأمرُ الَّذِي تَمَّ إهمالُهُ هُوَ كَيفَ إكتسبَتْ هذهِ المَادَّةُ هذَا الوَعيَ الَّذِي نجدُهُ عِندَ الإنسانِ؟

والَّذِي يَهمُّنَا هُنَا هُوَ الوَصفُ الَّذِي قدَّمَهُ الإلحادُ لطبيعةِ الإنسانِ، ومِنْ ثَمَّ مَا علاقَةُ ذلكَ بمَا يَحمِلُهُ الإلحادُ مِنْ شِعاراتٍ تتحدَّثُ عَنْ قِيمَةِ الإنسانِ؟ ومَا هوَ الرَّابطُ بَينَ المَادَّةِ وبينَ حقائقَ كالمَعنى، والقيمَةِ، والأخلاقِ، والفَهمِ، والإدراكِ؟ 

وعليهِ سوفَ نفترضُ صِحَّةَ النَّظريَّةِ ونسلِّمُ جَدلاً بأنَّ الإنسانَ هُوَ نِتاجُ الطَّبيعةِ.

معَ ذلكَ الاِفتراضِ يُمكنُ أنْ نَقولَ أنَّ النَّظريَّةَ التَّطوريَّةَ قَدْ تُفسِّرُ لنَا الجَانبَ الطَّبيعيَّ والمادِّيَ للإنسانِ، فنتيجَةً لِتفاعلاتٍ كيمائيَّةٍ وفيزيائيَّةٍ مَوجودَةٍ فِي المادَّةِ يتحقّقُ البُعدُ الماديُّ فِي الإنسانِ، إلَّا أنَّهَا لا يُمكِنُ أنْ تُفسِّرَ الجَانبَ الرُّوحيَّ فِيهِ، وتَجاهُلُ هَذا الجَانبِ والتَّنكُّرُ لهُ لَا يَمنَعُ مِنْ شُعورِ الإنسانِ بِهِ وتَفاعُلِهِ مَعهُ.

 فَمَنْ يُؤمنُ بالرُّوحِ لا يَنفِي الجَسدَ الَّذِي يَربطُهُ كإنسانٍ بعالمِ المادَّةِ والطَّبيعةِ، أمَّا الَّذِي يَرفُضُ الرُّوحَ كَيفَ يُمكنُهُ أنْ يَرتبطَ بعالمِ المَعنَى والقيمِ وكُلِّ المُطْلَقَاتِ؟

وقَدْ يُغالطُ بَعضُ المُلحدينَ بأنَّهُ لا حاجةَ لَهُمْ للإيمانِ بالرُّوحِ حتَّى يُؤمنُوا بهذهِ الحقائقِ، فإلحادُهُمْ لا يَمنعُهُمْ مِنَ الإيمانِ بوجودِ الفَهمِ، والوَعِي، والإدراكِ، والتَّأمُّلِ، والشُّعورِ، والحُبِّ، والجَمالِ، والأخلاقِ .. إلَّا أنَّ مُجرَّدَ اِعترافِ المُلحدِ بتِلكَ الحَقائِقِ لَيسَ دَليلَاً عَلى كَونِ هذهِ الحَقائقِ صَنيعةَ المادَّةِ، بَلْ قَدْ يَكونُ دَليلاً على أصالةِ الرُّوحِ فِي الإنسانِ سَواءٌ آمنَ بِهَا أو كفرَ، فالإلحادُ الَّذِي لَا يَجِدُ تَفسيرَاً للتَّحوُّلِ الَّذِي جَعلَ المَادَّةَ مَصدرَاً لتلكَ الحقائقِ لَيسَ فِي وِسعِهِ الإيمانُ بِهَا قبلَ الإيمانِ بالرُّوحِ ومِنْ ثُمَّ الإيمانُ باللهِ.

 فلا وجودَ لأيِّ صلةٍ واضحةٍ بينَ المادَّةِ العمياءِ الصَّماءِ، وبينَ عالَمِ العقلِ والمَعانِي، ففَهمُ الحقائقِ والشُّعورُ بالأشياءِ شُعورَاً إدراكيَّاً وقيميَّاً مِنْ سِنخِ عالَمِ الرُّوحِ ولَيسَ المَادَّةِ.

والإلحادُ بهذَا التَّصوُّرِ المُوغِلِ فِي المَّاديَّةِ يَحمِلُ فِي طيَّاتِهِ بُذورَ مَوتِهِ، مَا يَكادُ يُولَدُ ليَموتَ فِي لحظةِ وِلادتِهِ، إذْ كَيفَ يَكونُ الفِكرُ دَليلَاً عَلى الإلحادِ والمَادَّةُ لَا تُنتِجُ فِكرَاً؟، ولَوْ كَانَ لهَا ذَلكَ كَيفَ نَثقُ بهِ؟، أو كمَا يَقولُ المُفكِّرُ الأيرلندي كليف لويس C. S. Lewis: "لِنفترضْ أنَّهَا مُجرَّدُ ذرَّاتٍ داخلَ جُمجمتِي تُعطِي ناتجَاً ثانويَّاً يُسمَّى فِكرَاً، إذا كانَ الأمرُ كذلِكَ كَيفَ أثقُ أنَّ تفكيرِي صَحيحٌ؟ إنَّهُ مِثلُ إبريقِ الحليبِ الَّذِي عِندمَا تَخضُّهُ تأمُلُ أنَّ الطَّريقةَ الَّتِي تتناثَرُ فِيهَا بُقعُ الحَليبِ ستُعطيكَ ذاتَهَا خريطَةً لمدينةِ لَندُنْ، ولكِنْ إذا لَمْ أستَطِعْ أنْ أثقَ بتفكيرِي ولا أستطيعُ أنْ أثقَ فِي الحُججِ الَّتِي تؤدِّي إلَى الإلحادِ وبالتَّالِي لَا يُوجَدُ سببٌ لأكونَ مُلحدَاً أو أيَّ شيءٍ آخرٍ، إلَّا إذَا كُنتُ أؤمِنُ باللهِ، لا أستطيعُ أنْ أؤمِنَ فِي الفِكرِ: بحَيثُ لا يُمكِنُ أبدَاً أنْ أستخدمَ الفِكرَ لعدَمِ الإيمانِ باللهِ."(1)  

 فهُناكَ شُعورٌ بالجَسدِ يَجدُهُ كُلُّ إنسانٍ، ويُقابلُهُ شُعورٌ آخرٌ وهوَ شُعورُ الإنسانِ بروحِهِ، ولَا يُمكِنُ مُصادرَةُ هَذا الشُّعورِ والتَّنكُّرِ عليهِ، لكَونِهِ واقِعَاً يَتفاعَلُ مَعهُ الإنسانُ يوميَّاً، فعِندمَا يتأمَّلُ الإنسانُ ويَغوصُ فِي عالَمِ الفِكرِ، أوْ عِندمَا يَستشعِرُ الجَمالَ ويَستَرسِلُ فِيهِ، أوْ عِندمَا يَعيشُ حُلمَاً جَميلَاً فِي يَقظتِهِ، أو عِندمَا يَنجذِبُ كمَا يَنجذبُ الصُّوفيُّ الوَلهانُ، لَا يَكونُ حِينَهَا وهوَ يَعيشُ هذهِ الحالةَ مُجرَّدَ مادَّةٍ صمَّاءٍ، بَلْ حَتَّى عندمَا يَعيشُ الإنسانُ فِي عالمِ الخيالِ والوَهمِ ويَستغرِقُ فيهِ لا يَكونُ عائِشَاً فيهِ بجسدِهِ. 

 كُلُّ ذلكَ لَا يُمكِنُ تَفسيرُهُ ماديَّاً سَواءٌ كانَ كيميائيَّاً أو فيزيائيَّاً، فالوعيُ والإدراكُ والفَهمُ ليسَتْ مِنْ خصائصِ المادَّةِ، والمُغالطةُ الَّتِي يَعتمدُهَا الإلحادُ فِي إرجاعِ كُلِّ ذلكَ لطبيعةِ المادَّةِ مُغالطَةٌ غيرُ مفهومَةٍ، لأنَّنَا لا نَختلفُ معهُمْ عَلى وُجُودِ نشاطٍ كيميائيٍّ فِي الجِسمِ عِندَمَا يُفكِّرُ الإنسانُ أو يَشعُرُ، وإنَّمَا نَختلِفُ مَعهُمْ فِي الفَهمِ بمَا هُوَ فَهمٌ كَيفَ يَكونُ مَاديَّاً؟، والقِيمَةُ بِمَا هِيَ قِيمَةٌ كَيفَ تَكونُ حِسيَّةً؟، والوَعيُّ بِمَا هُوَ وَعيٌّ كَيفَ يَكونُ كيميائيَّاً؟ فعِلمُنَا مَثلاً بتركيبةِ العَينِ ووظائِفِ كُلِّ جُزءٍ مِنهَا فِي عمليَّةِ الإبصارِ، لا يَجعلُ البَصرَ بِمَا هُوَ بَصرٌ حالَةً ماديَّةً، وإلَّا كيفَ يُبصِرُ الإنسانُ وبوضوحٍ تامٍّ مِنْ دونِ عَينٍ، وكيفَ يَسمعُ ويميِّزُ الأصواتَ مِنْ دونِ أذُنٍ، وكيفَ يَتكلَّمُ بأفصحِ العِباراتِ مِنْ دونِ لِسانٍ، وكَيفَ يَفرَحُ ويَحزَنُ ويَضحَكُ ويَبكِي ويَتألَّمُ وهوَ فِي عالمِ النَّومِ؟ 

 مَهمَا نَجَحَ الإلحادُ فِي إيجادِ تفسيرٍ لهذهِ الحقائِقِ، إلَّا أنَّهُ لَنْ يَنجَحَ أبداً في مَنعِ شُعورِ الإنسانِ بِرُوحِهِ، ومَهمَا إمتلَكَ مِنْ أدلَّةٍ عَلى نَظريَّةِ التَّطوُّرِ إلَّا أنَّهُ لَنْ يَستطِيعَ أنْ يَمنَعَ الإنسانَ مِنَ التَّطلُّعِ نَحوَ الغَيبِ والتَّقرُّبِ مِنهُ، ومَهمَا كانَتِ المَادَّةُ مُتحكّمَةً لَا يُمكِنُهَا أنْ تَمنَعَ الرُّوحَ مِنَ البَحثِ عَنِ المَناقِبِ والقِيَمِ والكَمالِ، فَكمَا أنَّ المادَّةَ هِيَ مَصدَرُ غِذاءِ الجَسدِ فإنَّ الغيبَ هوَ مَصدرُ غِذاءِ الرُّوحِ، وإهمالُ هَذا البُعدِ الأصيلِ فِي الإنسانِ تَشويهٌ لحقيقتِهِ وطَمسٌ لإنسانيَّتهِ، ومِنْ هُنَا لمْ يَكُنِ الإلحادُ إلَّا صُورةً مشوَّهةً للإنسانِ. 

وعليهِ فإنَّ قانونَ الاِنتخابِ الطَّبيعيِّ قانونٌ أعمَى لَا عَقلَ لَهُ ولَا إرادَةَ ولَا يُمكنِهُ أنْ يُفسِّرَ أيَّ شَيءٍ مَا لَمْ يَكُنْ هُناكَ إلهٌ خالِقٌ ومدبِّرٌ لهَذا الوُجُودِ.

________________  (1) د هيثم طلعت، اسلام ويب http://articles.islamweb.net/media/index.php