لماذا التّخويفُ بنارِ جهنّم؟

يقولُ الملحدون: إنَّ صبَّ الإهتمامِ على الجحيمِ والنّارِ والعذابِ في يومِ القيامةِ هو أحدُ أساليبِ المُتديّنينَ لدفعِ النّاسِ للإيمانِ وهذا فيهِ إنتهاكٌ للحقوقِ الإنسانيّة، خاصّةً فيما يرتبطُ بالأطفالِ، حيثُ يتمُّ تخويفُ الأطفالِ من خلالِ بعضِ المسرحيّاتِ أو من خلالِ الكلماتِ التي تُقالُ لهم عنِ الجَحيم.

: اللجنة العلمية

أوّلاً: لابدَّ من الإشارةِ إلى أنَّ فلسفةَ العقوباتِ تَهدفُ في مُؤدّاها النّهائي الى ردعِ الجريمةِ قبلَ حدوثِها، ومنْ هنا لا يُمكنُ إدانةُ العقوباتِ الجنائيّةِ وإنّما الذي يجبُ إدانتهُ هو الجنايةُ نفسُها، فالحياةُ الإنسانيّةُ لا يمكنُ أنْ تستغنيَ عن القوانينِ الرّادعةِ للجريمةِ أو أيِّ مُخالفةٍ جنائيّةٍ، وبالتّالي لا يمكنُ أن نتصوَّرَ أيَّ مشروعٍ دينيٍ أو سياسيٍّ يَستهدفُ بناءَ الإنسانِ أو المجتمعِ لا يهتَمُّ بالعقوباتِ التي تضمنُ إستمراريّةَ المَشروع. 

ثانياً: من المعلومِ أنَّ التّشريعاتِ لا يكونُ لها جدوىً ما لم تكنْ معها سلطةٌ تنفيذيّةٌ تعملُ على إنزالِ هذه التّشريعاتِ إلى أرضِ الواقعِ، إلّا أنّ ذلكَ غيرُ واضحٍ بالنّسبةِ للأديانِ حيثُ لا تعتمدُ الأديانُ على سلطةٍ خارجيّةٍ تضمنُ لها تنفيذَ ما أمرتْ بهِ أو نهتْ عنهُ، فالإسلامُ مثَلاً أجّلَ كثيراً منَ العقوباتِ إلى يومِ القيامةِ وجعلَ الحَصيلةَ النّهائيّةَ لعملِ الإنسانِ ينالُها في غيرِ عالمِ الدّنيا، كلُّ ذلكَ يدلُّ على أنَّ الدّياناتِ لها فلسفتُها الخاصّةُ في ما يتعلّقُ بالسّلطةِ التنفيذيّةِ، حيثُ جعلتْ ضميرَ الإنسانِ ومسؤوليّتَهُ الشّخصيّةَ هي الضامنَ لتحقيقِ ما أرادهُ اللهُ منَ الإنسانِ، ويُعَدُّ هذا إرتقاءً بالإنسانِ إلى مستوىً رفيعٍ منَ الكرامةِ.

 ثالثاً: حقيقةُ العقوباتِ يومَ القيامةِ وطبيعةُ الجزاءِ الذي ينالهُ الإنسانُ هو مِنْ سِنخِ عملهِ في الدّنيا، وإنَّما تُنسَبُ الى اللهِ جلَّ شأنهُ باعتبارهِ مُسبّبَ الأسبابِ، فالكثيرُ منْ نِعَمِ الجنّةِ هي تجسيدٌ لأعمالِ الإنـسانِ الصّالحةِ. والكثيرُ منْ عذابِ جهنَّمَ تجسيدٌ لأعمالهِ السَّيّئةِ. قالَ تعالى: (وَمَن جَاء بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) (90 النّمل)، فقولهُ تُجزونَ ما كنتُم تَعملونَ دالٌّ على أنَّ جزاءَهُم هو مِنْ سِنْخِ أعمالِهِم في الدّنيا. وقد تكرّرَ هذا الأمرُ في قولهِ تَعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُون). (7 التّحريم) فالمَعذِرةُ نافعةٌ حينَ لا تكونُ القضيّةُ متعلّقةً بالعلّةِ والمعلولِ باعتبارِ أنَّ أعمالَهُم هي العلَّةُ والجزاءَ هوَ المعلولُ.

رابعاً: إنَّ فلسفةَ الأديانِ قائمةٌ على أنّ الدّنيا مزرعةُ الاخرةِ فما يزرعهُ يحصدهُ يومَ القيامةِ، وتنبيهُ الإنسانِ وتحذيرهُهُ من قبلِ الأنبياءِ والرُّسلِ يجسِّدُ مَعنى الرّحمةِ بالإنسانِ والخوفِ عليهِ منَ المصيرِ المظلمِ، كما أنَّ التّبشيرَ بالجَزاءِ الأوفرِ الذي يَحظى بهِ الإنسانُ في الجنّةِ يُعَدُّ عامِلاً مهمّاً من أجلِ سيرِ الإنسانِ على جادّةِ الصّواب. وعليهِ فإنَّ التّحذيرَ والوعيدَ بالعذابِ الصّارم ليسَ مقصوداً في حدِّ ذاتهِ وإنّما المقصودُ هو سلامةُ الإنسانِ ودفعُهُ بعيداً عن هذا المَصيرِ المشؤومِ، فسلامةُ الإنسانِ تمثّلُ البعدَ الأساسيَّ لفلسفةِ وجودِ الجنّةِ والنّار. وعلى هذا يُمكنِنا أن نقولَ إنَّ الذي يقومُ بدورِ التّحذيرِ من الوقوعِ في نارِ جهنّمَ إنّما يُعتَبرُ من أهمِّ الدّاعمينَ لحقوقِ الإنسان. 

أمّا قولهُ تخويفُ الأطفالِ بالنّارِ فهوَ قولٌ لا يَعدو أنْ يكونَ مجرَّدَ تهريجٍ لأنَّ الأطفالَ في الإسلامِ غيرُ مُكلّفينَ بشيءٍ حتّى يَتمَّ تخويفُهم بالنّار.