في الفقه الإسلامي ديّة المرأة نصف ديّة الرجل(1)، وهذا احتقار للمرأة وتقليل من شأنها.

: اللجنة العلمية

إجمالاً: 

إنّ الإشكال بأنّ تنصيف ديّة المرأة قياساً إلى الرجل هو احتقار أو انتقاص هو محض اشتباه، بل إنّ الصحيح أنّ المستفيد في هذا التنصيف هو المرأة(2).

فالإسلام راعى جانب المرأة ورفع من شأنها. 

مثال: زوج وزوجة وأولاد:

إذا قُتل الزوج مثلاً ستأخذ الزوجة ديّة كاملة تنتفع منها هي وأولاده كذلك، وأما إذا قتلت هي فالديّة هي النصف، لأنّ وجوب النفقة والقدرة على العمل تقع على عاتق الزوج. 

ولا يخفى أنّ المنتفع مِنْ أخذ الديّة هو الإنسان الحي، فلا محل للإشكال والشبهة من الأساس، فتحديد ديّة المرأة وأنها نصف ديّة الرجل لا يُعدّ إهانة لها إطلاقاً، لاسيّما وأنها قد ماتت.

وأمّا تفصيلاً:

ويكون ذلك من خلال عدة نقاط:

إنّ تحديد ديّة المرأة وكونها نصف ديّة الرجل هو من الأحكام الشرعية، والأحكام - كما لا يخفى على المتتبع - تابعة للمصالح والمفاسد.

بمعنى أننا نجزم أنّ التحديد المذكور متناسب تماماً مع المصلحة في علم الله تعالى، سواء أدركنا ذلك أم لا.

ويمكن أنْ ندرك بعض هذه المصالح التي من أجلها كانت ديّة المرأة نصف ديّة الرجل، ومن تلك المصالح:

1- إنّ التحديد المذكور ليس بلحاظ الميت نفسه، وإنما هو بلحاظ الحي، بمعنى أنّ المنتفع منها فعلاً هو الإنسان الحي، فالمرأة وأولادها هم من ينتفعون من ديّة قتل الرجل – أي زوجها وأبو أولادها- فكانت عبارة عن ديّةٍ كاملةٍ، والرجل وأولاده كذلك.

حيث أنّ وجوب النفقة مختص بالرجل دون المرأة، فأخذتْ الشريعة ذلك بعين الإعتبار وشرّعت الديّة كاملة للرجل، ونصفها للمرأة.

2- إنّ التزامات الرجل أكثر بكثير من إلتزامات المرأة، بمعنى أنّ التحديد المذكور كان بلحاظ الجانب الإلتزامي والإقتصادي، حتى تحصل الموازنة(3).

3- إنّ التحديد المذكور بلحاظ التعويض الذي سيلحق الأولاد، إذ أنّه في حال موت الأب لا محالة ان الأبناء سيتضررون من جهة مادية؛ لأنّه كان المنفق عليهم، فاحتاجوا إلى التعويض عن هذه الخسارة، أما المرأة فليست مُلزمة بالنفقة على أولادها، وموتها لا يسبب ضرراً مادياً لأولادها كما يسببه موت الأب، فموت الأم مع وجود الأب المنفق على أولاده لا يسبب لهم ضررا من جهة الإنفاق المالي.

بعبارة أخرى:

إنّ الحكمة من تشريع التحديد المذكور هو لسدّ الضرر المالي الوارد على الأُسرة بسبب قتل النفس، فضلاً عن علاقته البدنية، وسد الفراغ الحاصل بفقدانه؛ لأنّه من الواضح أنّ الضرر المالي والخلل الاقتصادي الّذي يصيب العائلة بفقد الرجل أكثر منه في حالة فقدان المرأة.

فالتحديد المذكور ليس بلحاظ قيمة الإنسان نفسه، وإنما بلحاظ أمور خارجة عنه، كما بيّنا ذلك.

بدليل أنّ ديّة الرجل لا تختلف في الرجال مهما كانت مناصبهم الدنيوية، وبلا فرق بين رئيس أو وزير أو عامل أو فلاّح.

لذا فإنّ معيار القيمة هو الذي جاء في القرآن: ﴿(إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ)﴾(4).

سواء كان الأتقى هو المرأة أم الرجل، فلا تفريق بينهم.

ومن هنا نجد أنّ القرآن الكريم خاطب المرأة والرجل معاً في الفضائل الروحية والأخلاقية، وتجنب الرذائل الأخلاقية، وكذلك خاطب المرأة والرجل معاً في مسائل اتباع نظام الحكومة وسائر الأقسام في مسائل الحكومة، قال تعالى: (﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ)﴾(5).

الخلاصة والنتائج:

1-إنّ التشريعات الإلهية لا تُقاس بلحاظ العقل، إذ أنّ العقل لا يَدرك ملاكات الأحكام في كثير من الأحيان.

2-إنّ التحديد المذكور إذا دققنا فيه نجده تشريعا إيجابياً للمرأة، وليس سلبياً.

3-إنّ الشريعة الإسلامية حفظتْ حقوق الجميع، بلحاظ المصالح والمفاسد.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 - كما في صحيحة عبد الله بن سنان، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول في رجل قتل امرأته متعمّداً «قال: إن شاء أهلها أن يقتلوه قتلوه، ويؤدّوا إلى أهله نصف الدية، وإن شاءُوا أخذوا نصف الدية خمسة آلاف درهم» (الوسائل 29ج: أبواب القصاص في النفس ب 33 ح 1).

وصحيحة عبد الله بن مسكان عن أبي عبد الله (عليه السلام) «قال: إذا قتلت المرأة رجلاً قتلت به، وإذا قتل الرجل المرأة فإن أرادوا القود أدّوا فضل دية الرجل على دية المرأة وأقادوه بها، وإن لم يفعلوا قبلوا الدية دية المرأة كاملة ودية المرأة نصف دية الرجل» (الوسائل 29 / أبواب القصاص في النفس ب 33 ح 2).

2 - لأنها تحتاج إلى رعاية أكثر من الرجل، بحسب الطبيعة الفسلجية والنفسية عندها.

3 - قد يقال: هناك بعض النساء هي التي تعمل وتتكفل بمعيشة الأولاد، بل ربما تنفق حتى على زوجها.

وجوابه: لا يمكن أن ننكر ذلك، ولكن ذلك ليس واجبا عليها

4 - الحجرات:13.

5 - الأحزاب:36.