ملحد: إنّ الطبيعةَ قوةٌ أوجدَت الكون، وهيَ قوةٌ حيّةٌ سميعةٌ بصيرةٌ حكيمةُ قادرة.

علياء باقري/: هناكَ من يقولُ: إنّ الطبيعةَ قوةٌ أوجدَت الكون، وهيَ قوةٌ حيّةٌ سميعةٌ بصيرةٌ حكيمةُ قادرة. فما جوابُكم؟

: اللجنة العلمية

الجوابُ:

السؤالُ غيرُ واضحٍ؛ فماذا تعنونَ بالطبيعة؟ هل تعنون ذاتها وذوات الأشياء؟ أم تريدونَ بها السُّنن والقوانينَ التي تحكمُ الكون؟ أم تريدونَ بها قوةً أخرى وراءَ هذا الكونِ أوجدَتهُ وأبدعَتْه؟

فإنْ أردتُم بالطبيعة الكونَ نفسَهُ؛ يعني أنّ الشيء يوجِدُ نفسَه، أي أنّ الكونَ خلقَ الكون، فالسّماءُ خلقتِ السّماء، والأرضُ خلقتِ الأرضَ، والكونُ خلقَ الإنسان والحيوان؟

فجوابُه: إنّ العقلَ الإنسانيّ يرفضُ التسليمَ بأنّ الشيءَ يوجِدُ نفسَه فضلاً عن أنْ يخلقَ شيئاً أرقى منه؛ فالطبيعة مِنْ سماء وأرض ونجومٍ وشموسٍ وأقمار لا تملكُ عقلاً ولا سمعاً ولا بصراً، فكيف تخلقُ إنساناً سميعاً عليماً بصيراً؟! هذا لا يكون.. 

وإنْ أردتُم بالطبيعةِ القوانينَ التي تحكمُ الكونَ، على أساس أنّهُ يسيرُ على سننٍ وقوانينَ تنظّمُ أمورَه في كلّ جزئيّة، والأحداثُ التي تحدثُ فيه تقعُ وفقَ هذه القوانين؟

فجوابُه: هذا تفسيرٌ لما هوَ واقعٌ، وليسَ تفسيراً وجواباً عن كيفيّةِ وقوعِه! هو في الحقيقة ليس جواباً عن السؤال الأساس: من خلق الكون؟. العلمُ يكشفُ عن الكيفيّة التي يعملُ بها الكون وكيفيّةِ تأثيرِ القوانينِ في الأشياء، ونحنُ نريدُ إجابةً عن موجِدِ الكون وموجدِ القوانين التي تحكمُه. 

العلمُ لا يكشفُ لنا كيفَ صارتْ هذه الوقائعُ قوانين؟ وكيف قامتْ بينَ الأرض والسماء على هذه الصورةِ المفيدة المدهشةِ، حتى أنّ العلماءَ يستنبطونَ منها قوانينَ علميّة.

إنّ إدّعاءَ الإنسان بعدَ كشفهِ لنظام الطبيعة أنّهُ قد كشف تفسيرَ الكون ليسَ سوى خدعة لنفسه؛ إنّ الطبيعة لا تفسّر شيئاً من الكون، وإنّما هي نفسُها بحاجة إلى تفسير.

وإنْ أردتُم مِنَ الطبيعة قوةً أخرى وراءَ هذا الكون، أوجدتِ الكون، وأنّها قوةٌ حيّةٌ سميعةٌ بصيرةٌ حكيمةٌ قادرة؟

فجوابه: هذا صوابٌ وحق، وخطؤكُم أنّكم سمّيتُم هذه القوّة (الطبيعة)، وقد دلّتنا هذه القوةُ المبدعةُ الخالقة، على الإسمِ الذي تستحقهُ وهو(الله)، الله عرّفنا بأسمائه الحسنى وصفاته العليا، فعلينا أن نسمّيه بما سمّى به نفسه سبحانه وتعالى، 

الله : علَمٌ على الذَّات العليَّة الواجبة الوجود ، الجامعة لصفات الألوهيّة ، 

وفي روايةٍ عن هشام بن الحكم أنه سأل أبا عبد الله عليه السلام عن أسماء الله واشتقاقها: الله مما هو مشتَق؟ قال: فقال لي: يا هشام الله مشتقٌّ من إله والاله يقتضي مألوهاً والاسمُ غيرُ المسمّى، فمن عبدَ الاسمَ دونَ المعنى فقد كفر ولم يعبدْ شيئاً، ومن عبدَ الاسم والمعنى فقد كفرَ وعبدَ إثنين، ومن عبدَ المعنى دونَ الاسم فذاك التوحيد أفهمتَ يا هشام؟ قال: فقلتُ: زدني. قال: إنّ لله تسعةً وتسعينَ اسماً فلو كانَ الاسمُ هو المسمّى لكانَ كلُّ اسمٍ منها إلهاً، ولكنّ الله معنى يُدلّ عليه بهذه الأسماء وكلُّها غيرُه. 

(المصدر ؛ اصول الكافي ج1 ص87)