وهم الالحاد

ما هو الالحاد؟

: اللجنة العلمية

إنّ الإيمان والإلحاد كلاهما يُعّبران عن دعوى، والدعوى لابد لها من دليل، وإلاّ الدعوى لا قيمة لها في الميزان العلمي، وطبعاً إنّ الإيمان دعوى تستند إلى الأدلة القطعية الّتي تدفع كلّ شكٍ أو ريبٍ، وأمّا الإلحاد فهو عبارة عن طرح نظريات جوفاء، لا قيمة لها، وكلّ فترة تخرج علينا نظرية، فتبطلها الأخرى.

معنى الإِلحاد في اللغة المَيْلُ عن القصْد. ولَحَدَ خالد في شهادته يَلْحَدُ لَحْداً: أَثِمَ . ولحَدَ إِليه بلسانه: مال.

الأَزهري في قوله تعالى : (لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ)(1)، قال الفراء : قرئ يَلْحَدون فمن قرأَ يَلْحَدون أَراد يَمِيلُون إِليه، ويُلْحِدون يَعْتَرِضون.

قال وقوله: (وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ)(2) أَي باعتراض(3).

أمّا الإيمان لغة: جمع يمين، واليمين في اللغة: القوة ، قال اللَّه تعالى:( لأَخَذْنا مِنْه بِالْيَمِينِ)(4): أي بالقوة والقدرة منا، وقيل في قوله تعالى: (إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنا عَنِ الْيَمِينِ)(5) : أي تتقوون علينا.

واليمين، وهي مؤنثة وتذكر، وتجمع أيضاً على (أيمن)، وكذلك هي القوة والقسم والبركة واليد اليمنى(6).

أيهما وهمٌ الالحاد, أم الإيمان؟

قبل الدخول في الجواب على هذا التساؤل, لا بد من تقديم مقدمة من خلالها سيتضح الجواب بكل جلاء.

 ما سبب الإلحاد؟

أستطيع أن أختصر الاسباب بما يسمح به هذا البحث في نقاط ثلاث:

أولاً: اسباب تقليدية, تعود بالحقيقة الى الاجواء الّتي تربى بها الملحد , فمن تربّى في المجتمع الهندوسي مثلاً سيخرج متشبعاً بالثقافة الهندوسية. وعندها سينغلق تفكيره على الثقافة الهندوسية وسيسخر من أي دين لا يؤمن بالثقافة الهندوسية.

ثانياً: يطرح كثير من الملاحدة براهين عديدة لبيان الأسباب الحقيقية وراء إلحادهم، واتخاذ قرارهم بموت الإله في حياتهم! 

يقول ويليام كليفورد (W. K. Clifford) [1819]: “إنّه لمن الخطأ المحض دائمًا وأبدًا أن تؤمن بأي شيء ليست له أدلة كافية تدل عليه.

فعدم وجود دليل على وجود الله، أو على أقل تقدير عدم وجود أدلة كافية على وجوده يدفع الكثيرين إلى الإلحاد. فجدلهم قائم على أنّه لا يمكن الإيمان بشيء لا يحظى بأدلة تكون كالشمس في كبد السماء!

لذا يبدأ المفكّر في هذا الأمر بطرح فرضية الإلحاد كبديل عن الإيمان الذي لا دليل عليه.

ثالثاً: الإنفجار العظيم الذي كشف أنّ الأديان من صنع الانسان!

ما هو الانفجار العظيم؟

تفترض هذه النظرية الّتي تفسّر لنا كيفية نشوء الاكوان، أنّ الكون قبل أكثر من ثلاثة عشر مليار سنة كان حاراً شديد الكثافة, فتمدد بسبب هذه الحرارة , ثم بعد ذلك برد الكون فتشكلت جسيمات أصغر من الذرة (البروتونات، والنيوترونات، والالكترونات)  ...الخ النظرية(7).

الإشكال على هذه النظرية: إنّنا حتّى لو سلمنا بها, يبقى لدينا بل لدى كلّ عاقل, سؤال وهو من فجر الانفجار العظيم؟ 

إنّ الإيمان بأن سبب هذا الكون العظيم وهذا النظم المتناهي, هو الانفجار الكبير, والذي يمثّل حركة عمياء غير هادفة ولا شاعرة , أشبه بالقول بأنّ هنالك آلة طابعة تتحرك لوحدها فالفّت كتاباً يناقش فيه نظرية نشوء الأديان مثلاً, إنّ هذا من المحالات.

فهذه الاسباب الّتي ذكرتها في نشوء الإلحاد، وغيره الكثير جعلت الملحد يعيش حالة من الوهم والسوداوية في تفسير الاشياء, فهو لا يؤمن بشيء اسمه الروح، ولا يعترف لها بأي حق, فتبقى هذه الروح تعاني العطش والعوز, فيعوّض هذا العوز بالانغماس بالشهوات والرغبات, الأمر الذي يجعل النفس تعيش حالة من التصحر المعنوي, فتبقى منتظرة لرشفة من رشفات عالم ما وراء المادة، كي تتلبس بالإيمان الذي يعني في أبهى تجلياته الفطرة، والتجربة، والمشاهدة، واليقين.

وليس هو وهم كما يتوهمون.

إذ كيف يمكن للملحدين أن يجيبوا على الحادهم الذي يعني أنّ كلّ شيء جاء من لا شيء, أيعقل هذا؟!! 

إلى هنا أصبح الجواب واضحاً عن السؤال المطروح (أهو وهم الحاد أم وهم ايمان).

والجواب هو وهم الحاد.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

(1)النحل/103.

(2) الحج/25. 

(3) لسان العرب، ابن منظور/ ج3/ ص389.

(4) الحاقة/ 45.

(5) الصافات/ 28. 

(6) معجم الامصطلحات والالفاظ الفقية/ج1/ ص346.

(7) دـ عدنان إبراهيم، علم الكونيات.