الإلْحادَ هو البَاعثُ الأسَاسُ على الإحْباطِ والشُّعورِ باليَأسِ.

تَقولُونَ: إنَّ الإيمَانَ باللهِ يَمنحُنا الطُّمَأنينةَ والسَّعادةَ. بينَما نَرى أنَّه يُشعِرُنا بالخَوفِ والقَلقِ منَ النَّارِ والعِقابِ الإلَهِي، بينَما الإلْحادُ يَمنحُنا هُدوءَ البَالِ والسَّعادةَ بِسَببِ عدمِ الخَوفِ منَ النَّارِ والعِقابِ؟ كيف تردُّونَ على ذلِك؟

: اللجنة العلمية

     الأخُ المحتَرمُ.. تَحيّةً طَيِّبةً 

     الأمْرُ الذي لا يَختلِفُ عليْه اثْنانِ هو أنَّ المُلحِدَ في واقعِ الأمْرِ يَعيشُ في نَغَصٍ وكَآبةِ، وصدقَ اللهُ سُبحانَه حين قَال: (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا).

     فالْإلحادُ بصُورةٍ عَامةٍ عَاجزٌ عن أنْ يَكونَ نِظاماً للجَماعَاتِ وشَريعةً لِبَني البَشرِ، بل لا يَصلُحُ أنْ يَكونَ حتى أُغْنيةٍ يَلهَى بها الصِّغارُ، بل ولا حتى اسْطُورةٍ تُحكَى في النَّوادي فَتسْتمِيلَ النُّفوسَ، فأيُّ هُدوءِ بَالٍ وسَعادةٍ منحَها لك الإلْحادُ وهو لا يأمُرُ إلا بالعَدمِ وهدمِ المُساوَاةِ وتَمزِيقِ رَابِطةِ الإخَاءِ فَضلاً عن تأسِيسِه للفَوضَى وجَعْلِه الإنْحلالَ مُنطَلقاً له ؟!!

     ودُونَك نَتائجُ عَشرَاتِ الأبْحاثِ والدِّراسَاتِ الأجْنبِيةِ والعَربِيةِ التي أكَّدتْ وتُؤكِّدُ على أنِّ المُلحِدَ لا يَنفكُّ عن الشُّعورِ باليَأسِ والإحْباطِ، وأنَّه يَفتقِدُ لأبْسطِ مُقوِّماتِ السَّعادةِ، ويَنتابُه على الدَّوامِ شُعورٌ بعَدمِ الرِّضى عن مُحيطِه الإجْتِماعِي، بل حتى عن نَفْسِه، الأمْرُ الذي أدَّى بِكَثيرٍ من المُلحِدينَ الإقْدامَ على الإنْتِحارِ. 

     ومن هذِه الأبْحاثِ والدِّراسَاتِ ما سُلِّطَ الضَوءُ فيها على قَضيةِ إقدَامِ المُلحِدينَ على الإنْتِحارِ بِسَببِ حَالةِ اليَأسِ والإكْتِئابِ التي تَعترِيهِم:

1 - دِراسةُ مُنظَّمةِ الصِّحةِ العَالَميةِ في مُحارَبةِ الإنْتِحارِ سنة 2014، أثْبتَتْ أنَّ نِسبةَ الإنْتِحارِ في العَالمِ الإسْلامِي مُتدنِّيةٌ، وأوْعَزتْ سَببَ ذلك إلى تَعامُلِ الإسْلامِ بِصَرامةٍ شَدِيدةٍ مع الأفْرادِ الَّذين يُحاوِلونَ أو يُفكِّرونَ في الإنْتِحارِ، إذ يُعدُ الإقْدامُ عليْها منَ الكبَائرِ المُوجِبةِ لِدخُولِ النَّارِ، إذ يقُول اللهُ تعالى: (وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً * وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَاناً وَظُلْماً فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَاراً وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيراً) [النساء: 29-30].

2 - دِراسةٌ إحصَائيةٌ سنة 2017، تمَّتْ على 67 بلداً مِن خِلالِ عَيناتٍ تَكوَّنتْ من ألفِ حَالةٍ في كلِّ بلدٍ.

 ومِن بينِ مَجمُوعةٍ منَ العَواملِ المُؤثِّرةِ التي أظْهَرتْها الدِّراسةُ أثرَ العَاملِ الدينِي تحتَ نَتِيجة: In More Religious Countries، Lower Suicide Rates

3 - دِراسةٌ نَشرَتْها مَجلةُ طبِّ النَّفسِ الأمْريكيَّة أجْراها بَاحِثونَ أمْريكيُّون هي الأوُلى من نَوعِها عام 2004 تَهدفُ إلى دِراسةِ عِلاقةِ الإنْتِحارِ بالدينِ، حيثُ أُجْرِيتْ بِعِنايةٍ فائِقةٍ، وتمَّ اختِيارُ عددٍ كَبيرٍ منَ الأفْرادِ الَّذين انْتحرُوا أو حَاولُوا الإنْتِحارَ، ومن خِلالِ تَوجيهِ الأسْئِلةِ لذَويهِم وأصْدِقائِهم، ودِراسةِ الوَاقعِ الدينِيِّ والإجْتِماعِيِّ لهم، تبيَّنَ أنَّ الغَالِبيةَ العُظمى منهم كَانوا مُلحِدينَ ولا دِينيِّينَ، فَذُكِرُوا على رأسِ قَائمةِ الَّذين قَتلُوا أنفُسَهم ليَتخلَّصُوا من التَّعاسةِ في حَياتِهم.

     وأثْبتَتْ هذِه الدِّراسةُ وُجودَ تَأثيرٍ قَويِّ للتَّعالِيمِ الدِّينيةِ في الحَدِّ مِن ظَاهِرةِ الإنْتِحارِ، وخَلصَتْ إلى ما يلي:

1 - نِسبةُ الإنْتحارِ لدى المُلِحدينَ هي النِّسبةُ الأعلى.

2 - المُلحِدونَ أكثرُ عُدوانِيةً من غَيرِهم.

3 - المُؤمنُ أقلُّ غَضباً وعُدوانِيةً وانْدِفاعاً.

4 - الدينُ يُساعدُ على تَحمُّلِ أعْباءِ الحَياةِ والإجْهادَاتِ ويُقلِّلُ فُرصَ الإصَابةِ بالإضْطرَاباتِ النَّفسِيةِ المُختلِفةِ.

5 - المُلحِدونَ هم أكْثرُ النَّاسِ يَعيشُونَ تَدهْوُراً وتَفكُّكاً اجْتمَاعياَ، لذلِك كانَ الإقدَامُ على الإنْتِحارِ سَهلاً بالنَّسبةِ لهم.

     إذنْ فكلُّ نَتائجِ هذِه الدَّراسَاتِ وغَيرِها، تُؤكدُ على أن الإلْحادَ هو البَاعثُ الأسَاسُ على الإحْباطِ والشُّعورِ باليَأسِ، وأنَّ المُؤمنَ بصُورةٍ عَامةٍ والمُسلمُ بصُورةٍ خَاصَّةٍ هو الأكْثرُ سَعادةً، بل والأكْثرُ بُعداً عن اليَأسِ والإحْباطِ، وذلِك بسَببِ إيمَانِه بالخَالقِ المُطلقِ، فما أنْ تلُمَّ به المُلِماتُ يلْجأُ إليه ويَتشبَّثُ به، فَيتدَاعى عن ذلِك شُعورٌ بالْأمنِ والأطْمِئنانِ، وتَستَقرُّ في أعمَاقِه السَّكِينةُ فَينْعمُ بالْأمانِ.

     ودُمتُم سَالِمينَ.