لمَاذا لم يَمنعْ اللهُ آدمَ عن مَعصِيتِه، وإذا كانَ آدمُ عَصى ربَّه فما ذَنبُنا نحنُ أبنَاؤه؟!!

إذا كانَ اللهُ يَعلَمُ الغَيبَ ويَعلَمُ ما سَيحدِثُ، لمَاذا اخْتارَ شَجرةً في الجَنةِ ونَهَى آدمَ عن الأكلِ منْها؟ ألم يَكُن يَعلَمُ أنَّه سَيأكلُ منْها ويَتسبَّبُ ذلك في وُجودِ حَياةٍ مَلِيئةٍ بالشَّرِّ والفَقرِ والأمرَاضِ والحُروبِ؟ ثم إنْ كانَ آدمُ عَصاهُ وأكَلَ منَ الشَّجرةِ ما ذَنبِي أنا؟

: اللجنة العلمية

      الأخُ المحتَرمُ.. السَّلامُ علَيكم ورَحمةُ اللهِ وبرَكاتُه.

     شَاءتْ إرادَةُ اللهِ سُبحانَه وتعالى أنْ تَجرِيَ الأشيَاءُ بمُسبَّباتِها، والعِلمُ بالنَّتائجُ لا يَتنَافَى وجَريانَ الأشيَاءِ بمُسبَّباتِها، لوُجودِ الحِكْمةِ في الجَريَانِ المَذكُورِ..    

     ولنُوضِّحَ ما قُلنَاه بمِثالٍ: 

     الدُّولُ عادةً تَقُوم ببِناءِ المَدارسِ الكَثِيرةِ وتَصرِفُ المَبالِغَ الطَّائِلةَ مِن أجلِها، وتَدعُو المَلايِينَ مِن أبنَائِها لدُخُولِها سَنويّاً، وهي تَعلَمُ يَقيناً أنَّ عَددَ المُتخرِّجِينَ منْها القَادرِينَ على دُخُولِ الكُلِّياتِ والوُصولِ إلى مَرحَلةِ التَّخصُّصِ لا يَتجَاوزُ نِسبةَ الرُّبعِ منْهم في أحسنِ التَّقادِيرِ.. فهل تَراهُ يَمنَعُها هذا العِلمُ مِن عَدمِ مُطابَقةِ هذا العَددِ منَ الخرِّيجِينَ للعَددِ الَّذي يَدخُلُ في هذِه المَدارسِ مِن إيقافِ الصَّرفِ عليْها وتَعطِيلِها؟!!

     لا أحدَ يَقُول بذلِك؛ وذلك أنَّ الحُصولَ على هذا العَددِ منَ الخرِّيجِينَ لا يَتمُّ إلا وِفقَ هذِه الآليَّةِ منَ الإعدَادِ والتَّحضِيرِ..

     فكذلِك الحَالُ في مَقامِنا، فقد شَاءتْ إرادةُ اللهِ أنْ يَجعلَ خَلِيفةً له في الأرضِ، يَمنَحُه مِن خَصائِصِ المَلائِكةِ (البُعدُ الرُّوحِي)، ومِن خَصائِصِ الحَيوانَاتِ (البُعدُ الشَّهوِي)، يُحمِّلُه رسَالَاتِه وشَرائِعَه، ويُدخِلُه في سِلسلَةٍ منَ الإختِبارَاتِ والإمتِحانَاتِ التي تُؤهِّلُه - إنْ وُفِّقَ في هذا الإختِبارِ - لدُخُولِ جَنَّتِه العَظِيمةِ التي ما لا عَينَ رأتْ ولا أُذنَ سَمِعتْ ولا خَطرَ على قَلبِ بَشرٍ، وكلُّ ذاك لا بدَّ أنْ يَجرِيَ وِفقَ قَانُونِ الأسبَابِ والمَسبَّباتِ الَّذي وَضعَه اللهُ سُبحانَه للوُصُولِ بالأمُورِ إلى غَايَاتِها المَرجُوَّةِ منْها.

     ودُمتُم سَالِمينَ.