هَلْ خَلَطَ الْقُرْآنُ بَيْنَ فِرْعَوْنَ وهَامَانَ وَقَارُونَ؟!!

بسام/فلسطين/: القرآن يخلط في مجموعة آيات بين فرعون وهامان وقارون ، ويظهرهم على أنهم من فترة واحدة ، وهذه هي الآيات : – وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَنُرِي فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ سورة القصص 28 : 6 . – فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ سورة القصص 28 : 8 . –  وَقَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَلَقَدْ جَاءَهُم مُّوسَى بِالْبَيِّنَاتِ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الأَرْضِ وَمَا كَانُوا سَابِقِينَ سورة العنكبوت 29 : 39. – وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُّبِينٍ إِلَى فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَقَارُونَ فَقَالُوا سَاحِرٌ كَذَّابٌ سورة غافر 40 : 23 –24 . -وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَّعَلِّي أَبْلُغُ الأَسْبَابَ أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلاَّ فِي تَبَابٍ سورة غافر 40 : 36 -37 .إن القصة كما وردت في القرآن تسبب تشويشًا في الأسماء والأماكن والأزمنة فهامان وقارون وفرعون هم في الكتاب المقدس على النحو التالي: فرعون : كلمة مصرية معناها {البيت الكبير} وهو لقب لملوك مصر يقرأ أحيانًا الملك الخاص . ومن الفراعنة المذكورين في الكتاب المقدس عدد من بينهم فراعنة إبراهيم ويوسف والتسخير والخروج وهم غير معروفين بالضبط قاموس الكتاب المقدس. هامان : اسم فارسي يشير إلى {الإله العيلامي هامان} ابن هداثا قد نسب إلى أجاج (أس 3 : 1 و9 : 24) . وظن يوسيفوس أنه من سلالة ملك العماليق الذي حارب شاول . وظن آخرون أن أجاج يشير إلى مكان أو شخص في فارس ، وكان في خدمة الملك الفارسي أحشوريوش ، ونال رضاه حتى عظمه ورقاه إلى أعلى مناصب الدولة ، وجعل عبيده كلهم يسجدون له . إلا أن مردخاي اليهودي رفض السجود ، فغضب هامان عليه وقرر قتله هو وجميع اليهود الذين في الدولة ، واستطاع أن يقنع الملك بذلك ، وأصدر الملك منشورًا بوجوب إهلاك جميع اليهود الساكنين في إمبراطورتيه الواسعة . غير أن مردخاي تمكن من حمل أستير على إقناع الملك بسحب منشوره وبالعفو عن اليهود وقتل هامان نفسه ، ومعه عائلته ، وقد صلب هامان على الصليب الذي أعده لمردخاي . ولا يزال اليهود يختلفون بذكرى قتله والتخلص منه في يومي الفور (الفوريم) . قاموس الكتاب المقدس .

: اللجنة العلمية

الأخُ بَسّام، تَحيّةً طَيّبّةً

إنَّ التّوراةَ إذا لَم تَذكُرْ بَعضَ الأحداثِ والوَقائِعِ والشَّخصيّاتِ الّتي ذَكرَها القُرانُ الكَريمُ لا يَعني هذا أنَّ هذهِ الحادِثةَ وهذهِ الواقِعَةَ وهذهِ الشَّخصيَّةَ غَيرُ مَوجودَةٍ إطلاقاً وإنّما المُشكِلَةُ تَكمُنُ في التَّوراةِ نَفسِها لأنَّه لا يوجدُ دَليلٌ قاطِعٌ يَستَنِدُ إليهِ اليَهودُ لأثباتِ أنّ التَّوراةَ الّتي بِأيديهِم الآن هِيَ نَفسُها الّتي نَزَلَتْ على موسى عليهِ السَّلامُ فَفَرْقٌ بَينَ التَّوراةِ الّتي أنزَلَها اللهُ وبَينَ التَّوراةِ المُحرَّفَةِ الّتي كُتِبَتْ بِأيدي اليَهوِد فإنّها مُحرَّفَةٌ ومُتناقِضَةٌ أشدَّ التَّناقُضِ.

هل تَعلَم أنَّ بَعضَ أسفارِ التَّوراةِ كُتّابُها مَجهولونَ وحَتّى اليَهودُ لا يَعلَمونَ مَنْ الّذي كَتَبَها!

فَكِّرْ مَليَّاً لَو جَلَبَ لَكَ شَخصٌ كِتاباً وقالَ لَكَ إنَّ كاتِبَ هذا الكِتابِ مَجهولٌ لا أَعرِفُهُ بَلْ لا يَعرِفُ العُلَماءُ لمَنْ يَنتَسِبُ ومَعَ ذلكَ سَجَّلوهُ بإسمِ أنشتايِن مَثَلاً هَلْ تَستَطيعُ أنْ تَنسِبَ هذا الكِتابَ لهُ وبِضِرسٍ قاطِعٍ ؟! سَنُجيبُ نِيابَةً عَنكَ بِكَلاّ، لأنَّنا نَعلَمُ أنَّكَ إنسانٌ عاقِلٌ والعاقِلُ لا يَنسِبُ أيَّ كِتابٍ لأيّ كاتِبٍ مِنْ دونِ دَليل، بَل رُبَّما سَوفَ تَنتَفِضُ وتَقولُ لماذا تَنسِبونَ هذا الكِتابَ لأنشتاين وهوَ ليسَ لَه، فَرُبَّما توجَدُ فيهِ نَظَريّاتٌ وحَقائِقُ لا تَليقُ بِشأنِ أنشتاين ولا تَتوافَقُ معَ ما يَقولُه ! فما بالُكَ لَو جاءوا لكَ بِكتابٍ لا يَعرفونَ مَنْ كَتَبَهُ ويَجعَلوهُ سِفرَاً مِنْ أسفارِ الكِتابِ المُقدّسِ هَل تَرضَى بِذلكَ ؟

إنْ قُلتَ ما هوَ السِّفرُ الّذي تَقولونَ عَنهُ إنَّ كاتِبَهُ مَجهولٌ ولا يَعرِفُهُ حتّى اليَهود.

قُلْتُ - هوَ سِفرُ استر الّذي إستَنَدتَ إليهِ في سُؤالِكَ وأثبَتَّ مِنْ خِلالِهِ أنّ فِرعونَ وهامانَ ليسا في فَترَةٍ واحِدَةٍ وإنّما فِرعَونُ كَلِمَةٌ مِصريَّةٌ وهامانُ إسمٌ فارسِيٌّ وسَنُثبِتُ لَكَ مَجهولِيَّةَ سِفر استر ونُثبِتُ لَكَ كَذلكَ إنَّ هامان كانَ في زَمَنِ موسى (عليهِ السَّلام) وإنّه رئيسُ المِعماريين والبَنّائين في البِلاط الفِرعَوني.

أمّا مَجهولِيّةُ كاتِبِ سِفرِ استر فَقَد كَتَبَ أ. حلمي القَمص يَعقوب في كِتابِ النَّقدِ الكِتابي: مَدارِسُ النَّقدِ والتَّشكيكِ والرَّدِ عَليها (العهدُ القَديم مِنَ الكتابِ المُقدَّس) الّذي نَشَرَتْهُ مَكتَبَةُ الكُتُبِ المَسيحيّة (لا يَعرِفُ أَحَدٌ على وَجهِ الدِّقَّةِ مَنْ هوَ كاتبُ سِفرِ أستير، ولكِنْ مِنَ المَعروفِ أنّ الكاتِبَ شَخصٌ يَهوديٌّ غَيورٌ على شَعبِهِ، عاشَ في بِلادِ فارس، يَعرِفُ العاداتِ واللَّغَةِ الفارِسِيَّةِ جَيّدًا وقَد إستَخدَمَ كَلماتٍ فارسِيَّةٍ في السِّفر، كانَ مُعاصِرًا للأحداثِ وَلَهُ دِرايَةٌ كَبيرَةٌ بالقَصرِ المَلكيّ والسِّجِلّاتِ الرَّسمِيَّةِ وأسماءِ مُستشاري المَلك).

أمّا إسمُ هامانَ في سِفرِ استر فهوَ ليسَ شَخصيَّةً حَقيقيّةً وإنّما هوَ عِبارَةٰ عَن رَمزٍ للشّيطانِ بَلْ إنّ كُلَّ شَخصِيّاتِ سِفر استر هيَ شَخصِيّاتٌ رَمزيَّةٌ وهذا ما صرَّحَ بهِ ناقِدوا الكِتابِ المُقدَّس وكذلكَ القَسُّ أنطونيوس فِكري في شَرحِ الكِتابِ المُقدَّس - العَهدِ القَديم – أمّا تَصريحُ سِفرِ استر بِكونِ هامانَ إسمٌ فارسيٌّ فهذا ما تُكَذِّبهُ مَصادِرُ التاريخِ الفارِسيّ حَيثُ لَمْ تَذكُر إسمَ هامانَ إطلاقاً ولكِنْ هنالِكَ ما يُؤيِّدُ ما قالَهُ القُرانُ الكَريم مِنْ أنَّ هامانَ كانَ رئيسَ المِعماريّينَ والبَنّائينَ في البِلاطِ الفِرعونيّ فقَد ذَكَرَ الطَّبيبُ الفَرَنسيُّ الّذي كانَ مَسيحيّاً كاثوليكياً (موريس بوكاي) ما نَصُّهُ : " يَذكُرُ القُرآنُ الكَريمُ شَخصاً باسمِ هامانَ هوَ مِنْ حاشِيَةِ فِرعون، وقَد طَلبَ إليهِ هذا الأخيرُ أنْ يَبنِيَ صَرحاً عالِياً يَسمَحُ لَهُ، كما يَقولُ ساخِراً مِن موسى، أنْ يَبلُغَ رَبَّ عَقيدَتهِ. وأردتُ أنْ أعرِفَ إنْ كانَ هذا الاسمُ يَتَّصِلُ باسمٍ هيروغليفيٍّ مِنَ المُحتَمَلِ أنَّهُ مَحفوظٌ في وَثيقةٍ مِنْ وَثائِقِ العَصرِ الفِرعونيّ، ولم أكُنْ لِأَرضَ بإجابةٍ عن ذلكَ إلّا إذا كانَ مَصدَرُها رَجُلاً حُجَّةً فيما يَخُصُّ اللُّغةَ الهيروغليفيّةَ وهوَ يَعرِفُ اللُّغةَ العَربيَّةَ الفُصحى بِشَكلٍ جَيّدٍ، فَطَرَحتُ السُّؤالَ على عالمِ المصريّاتِ وهوَ فرنسيٌّ يَتوافَرُ فيهِ الشَّرطانِ المذكورانِ تَماماً. لقَد كَتبْتُ أمامَهُ إسمَ العَلَمِ العَربيّ أي (هامان) ولكِنّني أحجَمْتُ عَنْ إخبارِ مُخاطِبي بِحقيقَةِ النَّص المَعنيّ وإكتَفَيتُ بإخبارِهِ أنّ هذا النّصَّ يَعودُ تاريخُهُ بِشَكلٍ لا يَقبَلُ النَّقضَ إلى القَرنِ السّابعِ الميلادي. كانَ جَوابُهُ الأوَّلُ أنَّ هذا الأصلَ مُستَحيلٌ، لأنّهُ لا يُمكِنُ وجودُ نَصٍّ يَحتَوي على إسمِ عَلَمٍ مِنَ اللُّغَةِ الهيروغليفيّة ولهُ جَرَسٌ هيروغليفي ويَعودُ إلى القَرنِ السّابعِ الميلاديّ وهوَ غيرُ مَعروفٍ لِحَدِّ الآن والسَّبَبُ أنَّ اللُّغةَ الهيروغليفيّةَ نُسِيَتْ مُنذُ زَمَنٍ بَعيدٍ جِدّاً. بَيْدَ أنَّهُ نَصَحَني بِمُراجَعةِ كِتابِ "مُعجَمِ أسماءِ الأشخاصِ في المملكة الجديدة" للمُؤلِّفِ هرمان رانك ( Dictionary of Personal names of the New kingdom, by Hermann Ranke ) والبَحثُ فيهِ إنْ كانَ هذا الإسمُ الّذي يُمثِّلُ عِندي الهيروغليفيَّةَ مَوجوداً فيه حقاً. لقَد كانَ يُفترَضُ ذلك، وعندَ البَحثِ وجدتُهُ مَسطوراً في هذا المُعجمِ تَماماً كما تَوَقَّعتُه، ويا لَلمفاجأة!! ها أنا ذا فضلاً عنْ ذلكَ أَجدُ أنَّ مِهنَتَهُ كما عُبِّرَ عنها باللُّغَةِ الألمانيّةِ (رئيسُ عُمّالِ المَقالِع) ولكِنْ دونَ إشارةٍ إلى تاريخِ الكِتابةِ إلّا أنّها تَعودُ إلى الإمبراطوريَّةِ الّتي يَقَعُ فيها زَمَنُ موسى، وتُشيرُ المِهنَةُ المَذكورةُ في الكِتابَةِ إلى أنَّ المَذكورَ كانَ مُهتَمّاً بالبِناءِ مِمّا يَدعو إلى التَّفكيرِ بالمُقارَبةِ الّتي يُمكِنُ إجراؤُها بَينَ الأمرِ الّذي أصدَرَهُ "فرعون" في القُرآنِ وبَينَ هذا التّحديدِ في الكِتابَة.

ويَقولُ الباحِثُ التّركيُّ هارون يحيى: " على إثر حَلِّ لُغزِ اللُّغَةِ الهيروغلوفيّة ، تَمَّ الوُصولُ إلى معلوماتٍ مُهِمّةٍ تَتعَلّقُ بِموضُوعِنا... كانَ إسمُ هامان مَذكوراً في هذه الكِتاباتِ ، فَعَلى حَجَريّةٍ مَوجودَةٍ حاليّاً في مَتحَفِ هوف في فينا وَرَدَ هذا الاسمُ ، وَوَرَدَتِ الإشارَةُ إلى كَونِهِ مِنَ المُقرَّبينَ مِنْ فِرعَون . 

أمّا في قاموسِ " الأشخاصِ في المُلكيَّةِ الجَديدَة " الّذي تَمَّتْ كِتابَتُهُ إعتماداً على جَميعِ المَعلوماتِ الوارِدَةِ في جَميعِ الألواحِ والرّقمِ والأحجارِ المِصريَّةِ القَديمةِ فَيَرِدُ إسمُ هامانَ على أنّهُ كانَ الشَّخصَ المسؤولَ عن عُمّالِ مَقالِعِ الأحجار .

فَهَلْ بَعدَ هذا مِنَ القَولِ بِوجودِ خَلطٍ في القُرآن؟!!