كَيفَ أخاطب ابني ببعض المفاهيم الَّتِي لَا تناسب عمره ؟!

الاسدي: السَّلَامُ عَلَيكُم .. فِي بَعضِ الأَحيَانِ تَرِدُ عَلَينَا أَسئِلَةٌ مِنْ أَولَادِنَا بِعُمرِ 12 سَنَةً حَولَ بَعضِ الكَبَائِرِ وَمَعنَاهَا أَجَارَنَا ٱللهُ وَإِيَّاكُم مَثَلَاً: مَاذَا يُقصَدُ بـ (الزِّنَا أَو قَذفِ المُحصَنَاتِ أَو اللُّوَاطِ إِلخ) فَكَيفَ تَكُونُ الإِجَابَةِ؟ وَهَلْ نُفَصِّلُ لَهُم أَو هُنَاكَ حَلٌّ آخَرَ؟

: اللجنة العلمية

الجواب:

الأَخُ المُحْتَرَمُ:

السَّلامُ عَلَيكُم وَرَحمَةُ ٱللهِ وَبَرَكَاتُهُ:

يُوَاجِهُ بَعضُ الآبَاءِ وَالأُمَّهَاتِ مُشكِلَةً فِي إِيصَالِ بَعضِ المَفَاهِيمِ الَّتِي يَرِدُ ذِكرُهَا فِي السُّوَرِ القُرآنِيَّةِ  إِلَى الأَطفَالِ وَمَن هُمْ فِي عُمرِ الصِّبَا، كَمَفهُومِ (الزِّنَا) الوَارِدِ فِي سُورَةِ الإِسرَآءِ (الآيَةِ 33)، أَو مَفهُومِ (رَمْيِ المُحصَنَاتِ) الوَارِدِ فِي سُورَةِ النُّورِ (الآيَةِ 4)، أَو مَفْهُومِ اللُّوَاطِ المُسَمَّىٰ فِي القُرآنِ بـ (الفَاحِشَةِ) الوَارِدِ فِي سُورَةِ الأَعرَافِ (الآيَةِ 80)، وَغَيرِ ذَلِكَ مِنَ المَفَاهِيمِ الَّتِي يَصعُبُ أَحيَانَاً تُوضِيحُهَا؛ لِصِغَارِ الأَعمَارِ، فَكَيفَ نُوصِلُ هَذِهِ المَفَاهِيمِ الَّتِي يَرِدُ ذِكرُهَا فِي القُرآنِ الكَرِيمِ وَعَلَى لِسَانِ الوَاعِظِينَ وَالخُطَبَاءِ؟!

الجَوَابُ: مِنْ أَفضَلِ الطُرُقِ فِي إِيصَالِ الأَفكَارِ وَالمَعَانِي البَعِيدَةِ عَنِ الإِدرَاكِ هِيَ طَرِيقَةُ المِثَالِ وَالتَّشبِيهِ، فَمَثَلَا:ً نَجِدُ القُرْآنَ الكَرِيمَ ٱستَعمَلَ المَحسُوسَ؛ لِإِيصَالِ المَعقُولِ إِلَى الأَذهَانِ، فَهُوَ عِندَمَا أَرَادَ أَنْ يُقَرِّبَ إِلَى الأَذهَانِ مَفهُومَ (نُور ٱللهِ)، ضَرَبَ لنا مثالا بشيءٍ محسوسٍ، وَهُوَ (المِشكَاةَ) وَ(المِصبَاحُ)، فَقَالَ جلَّ وَعَلَا: ﴿ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ ﴾ النُّورِ: 35، وَهَكَذَا عِندَمَا أَرَادَ أَنْ يَصِفَ لَنَا الجَنَّةَ وَهِيَ مَا لَا عَينٌ رَأَتْ، وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلبِ بَشَرٍ، ضَرَبَ لَنَا أُمثِلَةً مِمَّا نَأكُلُهُ وَنَشرَبُهُ وَنَحُسُّهُ، فَقَالَ جَلَّ وَعَلَا: ﴿ مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آَسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ ﴾ مُحَمَّدٍ: 15، وَهَكَذَا فَطَرِيقَةُ التَّشبِيهِ وَالتَّمثِيلِ هِيَ أَفضَلُ طَرِيقَةٍ؛ لِتَقرِيبِ المَعَانِي البَعِيدَةِ عَنِ الأَذهَانِ.

وَفِي مَورِدِنَا يُمْكِنُ التَّمثِيلُ لِمَفهُومِ (الزِّنَا) الَّذِي هُوَ مُمَارَسَةٌ غَيرُ شَرعِيَّةٍ بَينَ الرَّجُلِ وَالمَرأَةٍ بِحَالَةِ اإِٱعْتِدَاءِ عَلَى أَملَاكِ غَيرِهِ؛ لِأَنَّ الطِّفلَ أوِ الصَّبِيَّ فِي هَذَا العُمرِ يُدرِكَنِ مَعَانِيَ (الإِعتِدَاءِ) وَ (الحَلَالِ) وَ (الحَرَامِ)، فَيُمكِنُ الٱستِعَانَةُ بِهَذِهِ المُفرَدَاتِ فِي إِيصَالِ بَعضِ الأَفكَارِ، فَنَقُولُ لِلطِّفلِ: هَذَا الكِتَابُ الَّذِي بَينَ يَدَيكَ هُوَ مُلكٌ لَكُ، هَلْ تقبل أَنْ يَأخُذَهُ أَحَدٌ مِنكَ وَيُمَزِّقَهُ أَو يَعبَثُ بِهِ، سيقول: لَا، لَا أَقبَلُ بِذَلِكَ. نَقُولُ لَهُ: كَذَلِكَ الزِّنَا هُوَ ٱعتِدَاءٌ عَلَى أَملَاكِ غَيرِهِ، وَعَبَثٌ بِهَا، فَالمَرأَةُ لَيسَت مُلكَاً لِلجَمِيعِ، هِيَ مُلكٌ لِزَوجِهَا فَقَط، فَلَا يَجُوزُ لِأَيِّ شَخصٍ أَنْ يَتَصَرَّفَ بِهَا وَيَعبَثَ، فَهَذَا التَّصَرُّفُ حَرَامٌ.

وَكَذَلِكَ مُفرَدَةُ (رَمْيِ المُحصَنَاتِ وَقَذفِهِنَّ) يُمْكِنُ التَّمثِيلُ بِهِ لِلطِّفلِ وَالصَّبِيِّ فِي حَالَةِ الكَلُامِ عَلَى زَمِيلٍ لَهُ فِي صَفِّهِ وَتَشوِيهِ سُمعَتِهِ، فَهَذَا الفِعلُ شَنِيعٌ وَمُحَرَّمٌ وَلَا يَجُوزُ لِلإِنسَانِ أَنْ يَقُومَ بِهِ، ثُمَّ نَنتَقِلُ؛ لِبَيَانِ المَطلُوبِ عَنْ وَاقِعِ المُفرَدَةِ، وَنَقُولُ: وَهَكَذَا لَا يَجُوزُ ٱتِّهَامُ إِنسَانَةٍ مُحتَرَمَةٍ بِشَيءٍ لَمْ نَرَهَا عَلَيهِ، وَلَمْ نُشَاهِدْهَا فِيهِ، وَلَمْ نَعرِفْهَا بِهِ.

إِنَّ ذِهنَ الطِّفلِ وَالصَّبِيِّ يَأنَسَانِ كَثِيرَاً بِالمَحسُوسَاتِ الَّتِي يَعِيشُهَا، وَمِنْ هَذَا الأُنسِ بِمَا يُحِيطُ بِهِ نَستَطِيعُ أَنْ نُوصِلَ لَهُ مُختَلَفَ الأَفكَارِ وَالمَفَاهِيمِ الَّتِي تُقَرِّبُ لَهُ المَعنَى، وَلَيسَ بِالضَّرُورَةِ أَنْ يَصِلَهُ الإِصطِلَاحُ أوِ المُفهُومِ بِحَدَّهِ التامِّ (كَمَا يَقُولُ أَهْلُ المَنطِقِ)، بَلْ يَكْفِي التَّقرِيبُ بِأَثَرِ الشَّيءِ دُونَ حَدِّهِ، حَتَّى يَتَهَيَّأُ إِلَى مَرحَلَةٍ أكبرَ؛ لِلإِحَاطَةِ بِالمَفهُومِ وَأَثَرَهُ مَعَاً.

وَدُمْتُمْ سَالِمِينَ