هَلْ يَجِبُ على الأَبِ تَربِيَةِ ٱبنِهِ تَربِيَةً صَالِحَةَ؟!

صَبَاحُ حَسَن عَبد حمد: هَلْ يُحاسبُ الأَبُ على تَربِيةِ ٱبْنهِ غَيرِ الصَّالِحةِ أَو لا؟    وما معنى (ولا تزروا وارزة وزرى اخرى)؟     أَرجُو الرَّدَّ وَفَّقَكُم اللهُ

: اللجنة العلمية

الأَخُ صَبَاحُ المُحتَرَمُ:

السَّلَامُ عَلَيكُم وَرَحمَةُ ٱللهِ وَبَرَكَاتُه:-

حَقُّ السُّؤالِ أَنْ يكونُ هكذا: هَلْ يجبُ على الأَبِ ترَبِيةَ ٱبْنهِ تَربِيةً صَالِحةً؟

الجَوَابُ: نَعَمْ، والدَّليلُ عليهِ مِنَ الكِتابِ والسُّنَّةِ المَعصُومةِ معاً: جاءَ في كتابِ "الكافي" في حديثٍ حسنٍ مُوثَّقٍ عن الإِمامِ الصَّادقِ (عليهِ السَّلامُ): لَمَّا نَزَلَتْ هذِهِ الآيَةُ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ قُواْ أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً)، جَلَسَ رَجُلٌ مِنَ المُسلِمينَ يَبكي وقالَ: أنَا عَجَزتُ عَن نَفسي كُلِّفتُ أهلي! فَقالَ رَسولُ اللهِ (صلَّى الله عليه وآله): حَسبُكَ أَنْ تَأمُرَهُم بِما تَأمُرُ بِهِ نَفسَكَ وتَنهاهُم عَمّا تَنهى عَنهُ نَفسَكَ. [الكافي 5: 62].

فالأَمر في الآيةِ الكريمةِ (قُوا أَنفُسَكُمْ وأَهلِيكُمْ) ظاهرٌ في الوُجوبِ، وكذلكَ شرحُ وتَفسيرُ الإِمامِ (عليهِ السَّلامُ) لهَا يُستفادُ منهُ الوُجوبُ، حينَ قَرَنَ إِصدارَ الأَوامرِ لِلأَهلِ والأُسرةِ بالطَّاعاتِ والإِلتزامِ الدِّينيّ بأَمرِ الإِنسانِ لِنفسهِ بالطَّاعةِ والإِلتزامِ، فكمَا يجبُ على الإِنسانِ حَثُّ النَّفسِ على الإِلتزامِ بالواجباتِ والنَّهي عنِ المُحرَّماتِ، كذلكَ يجبُ عليهِ حَثُّ أَهلهِ (ومنهم أَبنائِهِ) على الإِلتزامِ بالواجباتِ وتركِ المُحرَّماتِ.

وجاءَ في كتابِ "الزُّهدِ" عَنْ أَبي بَصيرٍ: سَأَلتُ أَبا عَبدِ اللهِ (عليهِ السَّلامُ) عَنْ قَولِ اللهِ تَعالى: (قُواْ أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ) فَقُلتُ: هذِهِ نَفسي أَقِيهَا، فَكَيفَ أَقِي أَهلِي؟ قالَ: تَأمُرُهُم بِما أمَرَهُمُ اللهُ بِهِ، وتَنهاهُم عَمَّا نَهاهُمُ اللهُ عَنهُ؛ فَإِنْ أَطاعُوكَ كُنتَ قَد وَقَيتَهُم، وإنْ عَصَوكَ كُنتَ قَد قَضَيتَ ما عَلَيكَ. [كتابُ الزُّهدِ، حُسينُ بنُ سعيدٍ الكوفيّ: 17].

وجاءَ عنِ الإِمامِ الصَّادقِ (عليهِ السَّلامُ) أَيضاً: لَمَّا نَزَلَت هذِهِ الآيَةُ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ قُواْ أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً) قالَ النّاسُ: يا رَسولَ اللهِ، كَيفَ نَقِي أنفُسَنا وأهلِينا؟ قالَ: اِعمَلُوا الخَيرَ، وذَكِّروا بِهِ أهليكُم؛ فَأَدِّبوهُم عَلى طاعَةِ اللهِ. ثُمَّ قالَ أَبو عَبدِ اللهِ: أَلَا تَرى أنَّ اللهَ يَقولُ لِنَبِيِّهِ: (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَوةِ وَٱصْطَبِرْعَلَيْهَا)، وقالَ: (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَبِ إِسْمَعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولاً نَّبِيًّا وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَوةِ وَالزَّكَوةِ وَكَانَ عِندَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا)؟! [دعائمُ الإِسلامِ، لِلقاضِي النُّعمانِ المَغربيّ، ج1 ص 82] 

وعليهِ، فإِذا كانَ الأَمر في تَربِيةِ الأَبناءِ والأَهلِ تَربِيةً صَالِحةً أَمراً واجباً، فتركهُ وعدمُ الإِمتثالِ لهُ يُحاسبُ الإِنسانُ عليهِ ويكونُ مَأثوماً.

يَبقى الكلامُ فِيما لوْ ٱرْتكبَ الٱبنُ مَعصيةً هَلْ يُشاركُهُ الأَبُ بٱثْمِها؟

الجَوابُ: إِذا لمْ يكنِ الأَبُ مُقصِّراً في تَربِيةِ ٱبْنهِ ضِمنَ الضَّوابطِ المُتعارفِ عَليها في الشَّرعِ، فلا يَلحقُهُ شَيءٌ مِنَ الإِثمِ على جَريرةِ ٱبْنهِ وإِلَّا لَحِقَهُ الإِثمِ في ذلكَ أَيضاً.

ودُمتُم سالِمِينَ