كتاب (الصواعق المحرقة)

: اللجنة العلمية

الْآيَة الثَّانِيَة عشرَة: قَوْله تَعَالَى {وَإنَّهُ لعلم للساعة}(1)

قَالَ مقَاتل بن سُلَيْمَان وَمن تبعه من الْمُفَسّرين إِن هَذِه الْآيَة نزلت فِي الْمهْدي وَسَتَأْتِي الْأَحَادِيث المصرحة بِأَنَّهُ من أهل الْبَيْت النَّبَوِيّ وَحِينَئِذٍ فَفِي الْآيَة دلَالَة على الْبركَة فِي نسل فَاطِمَة رَضِي الله عَنْهُمَا وَأَن الله ليخرج مِنْهُمَا كثيرا طيبا وَأَن يَجْعَل نسلهما مَفَاتِيح الْحِكْمَة ومعادن الرَّحْمَة، وسر ذَلِك أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أعاذها وذريتها من الشَّيْطَان الرَّجِيم، ودعا لعَلي بِمثل ذَلِك وَشرح ذَلِك كُله يعلم بسياق الْأَحَادِيث الدَّالَّة عَلَيْهِ.

وَأخرج النَّسَائِيّ بِسَنَد صَحِيح أَن نَفرا من الْأَنْصَار قَالُوا لعَلي رَضِي الله عَنهُ لَو كَانَت عنْدك فَاطِمَة، فَدخل على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَعْنِي ليخطيها فَسلم عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُ (مَا حَاجَة ابْن أبي طَالب) قَالَ فَذكرت فَاطِمَة، فَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (مرْحَبًا وَأهلا) فَخرج إِلَى الرَّهْط من الْأَنْصَار ينتظرونه فَقَالُوا لَهُ مَا وَرَاءَك قَالَ مَا أَدْرِي غير أَنه قَالَ لي مرْحَبًا وَأهلا قَالُوا يَكْفِيك من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَحدهمَا قد أَعْطَاك الْأَهْل وأعطاك الرحب فَلَمَّا كَانَ بعد مَا زوجه قَالَ لَهُ (يَاعَليّ إِنَّه لَا بُد للعرس من وَلِيمَة).

قَالَ سعد رَضِي الله عَنهُ عِنْدِي كَبْش وَجمع لَهُ رَهْط من الْأَنْصَار آصعا من ذرة فَلَمَّا كَانَ لَيْلَة الْبناء قَالَ (يَا عَليّ لَا تحدث شَيْئا حَتَّى تَلقانِي) فَدَعَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِمَاء فَتَوَضَّأ بِهِ ثمَّ أفرغه على عَليّ وَفَاطِمَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا فَقَالَ (اللَّهُمَّ بَارك فيهمَا وَبَارك عَلَيْهِمَا وَبَارك لَهما فِي نسلهما) وَفِي رِوَايَة (فِي شملهما) وَهُوَ بِالتَّحْرِيكِ الْجِمَاع وَفِي أُخْرَى (شبليهما) قيل وَهُوَ تَضْعِيف فَإِن صحت فالشبل ولد الْأسد فَيكون ذَلِك كشفا واطلاعا مِنْهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على أَنَّهَا تَلد الحسنين فَأطلق عَلَيْهِمَا شبلين وهما كَذَلِك.

وَأخرج أَبُو عَليّ الْحسن بن شَاذان أَن جِبْرِيل جَاءَ إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ إِن الله يَأْمُرك أَن تزوج فَاطِمَة من عَليّ فَدَعَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جمَاعَة من أَصْحَابه فَقَالَ (الْحَمد لله الْمَحْمُود بنعمته) الْخطْبَة الْمَشْهُورَة ثمَّ زوج عليا وَكَانَ غَائِبا وَفِي آخرهَا (فَجمع الله شملهما وأطاب نسلهما وَجعل نسلهما مَفَاتِيح الرَّحْمَة ومعادن الْحِكْمَة وَأمن الْأمة) فَلَمَّا حضر عَليّ تَبَسم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَالَ لَهُ (إِن الله أَمرنِي أَن أزَوجك فَاطِمَة على أَرْبَعمِائَة مِثْقَال فضَّة أرضيت بذلك) فَقَالَ قد رضيتها يَا رَسُول الله ثمَّ خر عَليّ سَاجِدا لله شكرا فَلَمَّا رفع رَأسه قَالَ لَهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (بَارك الله لَكمَا وَبَارك فيكما وأعز جدكما وَأخرج مِنْكُمَا الْكثير الطّيب).

قَالَ أنس رَضِي الله عَنهُ وَالله لقد أخرج الله مِنْهُمَا الْكثير الطّيب وَأخرج أَكْثَره أَبُو الْخَيْر الْقزْوِينِي الحاكمي، وَالْعقد لَهُ مَعَ غيبته سَائِغ لِأَن من خَصَائِصه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن ينْكح من شَاءَ لمن شَاءَ بِلَا إِذن لِأَنَّهُ أولى بِالْمُؤْمِنِينَ من أنفسهم على أَنه يحْتَمل أَنه بِحُضُور وَكيله وَيحْتَمل أَنه إِعْلَام لَهُم بِمَا سيفعله وَقَوله قد رضيتها يحْتَمل أَنه إِخْبَار عَن رِضَاهُ بِوُقُوع العقد السَّابِق من وَكيله فَهِيَ وَاقعَة حَال مُحْتَملَة.

وَأخرج أَبُو دَاوُد السجسْتانِي أَن أَبَا بكر خطبهَا فَأَعْرض عَنهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ عمر فَأَعْرض عَنهُ فَأتيَا عليا فنبهاه إِلَى خطبتها فجَاء فَخَطَبَهَا فَقَالَ لَهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (مَا مَعَك) فَقَالَ فرسي وبدني، قَالَ (أما فرسك فَلَا بُد لَك مِنْهُ وَأما بدنك فبعها وائتني بهَا) فَبَاعَهَا باربعمائة وَثَمَانِينَ ثمَّ وَضعهَا فِي حجره فَقبض مِنْهَا قَبْضَة وَأمر بِلَالًا أَن يَشْتَرِي بهَا طيبا ثمَّ أَمرهم أَن يجهزوها فَعمل لَهَا سريرا شريط وَفِي شريط وسَادَة من أَدَم حشوها لِيف وملأ الْبَيْت كثيبا يَعْنِي رملا وَأمر أم أَيمن أَن تَنْطَلِق إِلَى ابْنَته وَقَالَ لعَلي (لَا تعجل حَتَّى آتِيك) ثمَّ أَتَاهُم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ لأم أَيمن هَهُنَا أخي قَالَت أَخُوك وتزوجه ابْنَتك قَالَ (نعم) فَدخل على فَاطِمَة ودعا بِمَاء فَأَتَتْهُ بقدح فِيهِ مَاء فمج فِيهِ ثمَّ نضح على رَأسهَا وَبَين ثدييها وَقَالَ (اللَّهُمَّ إِنِّي أُعِيذهَا بك وذريتها من الشَّيْطَان الرَّجِيم) ثمَّ قَالَ لعَلي (ائْتِنِي بِمَاء) فَعلمت مَا يُرِيد فملأت الْقَعْب فَأَتَيْته بِهِ فنضح مِنْهُ على رَأْسِي وَبَين كَتِفي وَقَالَ (اللَّهُمَّ إِنِّي أُعِيذهُ بك وَذريته من الشَّيْطَان الرَّجِيم)، ثمَّ قَالَ (ادخل بأهلك على اسْم الله تَعَالَى وبركته) وَأخرج أَحْمد وَأَبُو حَاتِم نَحوه.

وَقد ظَهرت بركَة دُعَائِهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي نسلهما فَكَانَ مِنْهُ من مضى وَمن يَأْتِي وَلَو لم يكن فِي الآتين إِلَّا الإِمَام الْمهْدي لكفى وَسَيَأْتِي فِي الْفَصْل الثَّانِي جملَة مستكثرة من الْأَحَادِيث المبشرة بِهِ. 

وَمن ذَلِك مَا أخرجه مُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَالْبَيْهَقِيّ وَآخَرُونَ (الْمهْدي من عِتْرَتِي من ولد فَاطِمَة).

 وَأخرج أَحْمد وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَه (لَو لم يبْق من الدَّهْر إِلَّا يَوْم لبعث الله فِيهِ رجلا من عِتْرَتِي) وَفِي رِوَايَة (رجلا من أهل بَيْتِي يملؤها عدلا كَمَا ملئت جورا) وَفِي رِوَايَة لمن عدا الْأَخير (لَا تذْهب الدُّنْيَا وَلَا تَنْقَضِي حَتَّى يملك رجل من أهل بَيْتِي يواطىء اسْمه اسْمِي) وَفِي أُخْرَى لأبي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ (لَو لم يبْق من الدُّنْيَا إِلَّا يَوْم وَاحِد لطول الله ذَلِك الْيَوْم حَتَّى يبْعَث الله فِيهِ رجلا من أهل بَيْتِي يواطىء اسْمه اسْمِي وَاسم أَبِيه اسْم أبي يمْلَأ الأَرْض قسطا وعدلا كَمَا ملئت جورا وظلما).

وَأحمد وَغَيره (الْمهْدي منا أهل الْبَيْت يصلحه الله فِي لَيْلَة).

وَالطَّبَرَانِيّ (الْمهْدي منا يخْتم الدّين بِنَا كَمَا فتح بِنَا).

وَالْحَاكِم فِي صَحِيحه (يحل بأمتي فِي آخر الزَّمَان بلَاء شَدِيد من سلطانهم لم يسمع بلَاء أَشد مِنْهُ حَتَّى لَا يجد الرجل ملْجأ فيبعث الله رجلا من عِتْرَتِي أهل بَيْتِي يمْلَأ الأَرْض قسطا وعدلا كَمَا ملئت ظلما وجورا يُحِبهُ سَاكن الأَرْض وَسَاكن السَّمَاء وَترسل السَّمَاء قطرها وَتخرج الأَرْض نباتها لَا تمسك فِيهَا شَيْئا يعِيش فيهم سبع سِنِين أَو ثمانيا أَو تسعا يتَمَنَّى الْأَحْيَاء الْأَمْوَات مِمَّا صنع الله بِأَهْل الأَرْض من خَيره). 

وروى االطبراني وَالْبَزَّار نَحوه وَفِيه (يمْكث فِيكُم سبعا أَو ثمانيا فَإِن أَكثر فتسعا).

وَفِي رِوَايَة لأبي دَاوُد وَالْحَاكِم (يملك فِيكُم سبع سِنِين).

وَفِي أُخْرَى لِلتِّرْمِذِي (إِن فِي أمتِي الْمهْدي يخرج يعِيش خمْسا أَو سبعا أَو تسعا فَيَجِيء إِلَيْهِ الرجل فَيَقُول يَا مهْدي أَعْطِنِي أَعْطِنِي فيحثي لَهُ فِي ثَوْبه مَا اسْتَطَاعَ أَن) يعْمل رِوَايَة وَفِي رِوَايَة (فيلبث فِي ذَلِك سِتا أَو سبعا أَو ثمانيا أَو تسع سِنِين) وَسَيَأْتِي أَن الَّذِي اتّفقت عَلَيْهِ الْأَحَادِيث سبع سِنِين من غير شكّ.

وَأخرج أَحْمد وَمُسلم (يكون فِي آخر الزَّمَان خَليفَة يحثو المَال حثيا وَلَا يعده عدا).

وَابْن مَاجَه مَرْفُوعا (يخرج نَاس من الْمشرق فيوطئون للمهدي سُلْطَانه) وَصَحَّ أَن اسْمه يُوَافق اسْم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَاسم أَبِيه اسْم أَبِيه.

وَأخرج ابْن ماجة بَيْنَمَا نَحن عِنْد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذْ أقبل فِئَة من بني هَاشم فَلَمَّا رَآهُمْ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اغرورقت عَيناهُ وَتغَير لَونه قَالَ فَقلت مَا نزال نرى فِي وَجهك شَيْئا نكرهه فَقَالَ (إِنَّا أهل بَيت اخْتَار الله لنا الْآخِرَة على الدُّنْيَا وَإِن أهل بَيْتِي سيلقون بعدِي بلَاء شَدِيدا وتطريدا حَتَّى يَأْتِي قوم من قبل الْمشرق مَعَهم رايات سود فيسالون الْخَيْر فَلَا يعطونه فيقاتلون فينصرون فيعطون مَا سَأَلُوا فَلَا يقبلونه حَتَّى يدفعوها إِلَى رجل من أهل بَيْتِي فيملؤها قسطا كَمَا ملأوها جورا فَمن أدْرك ذَلِك مِنْكُم فليأتهم وَلَو حبوا على الثَّلج) وَفِي سَنَده من هُوَ سيء الْحِفْظ مَعَ اخْتِلَاطه فِي آخر عمره.

وَأخرج أَحْمد عَن ثَوْبَان مَرْفُوعا (إِذا رَأَيْتُمْ الرَّايَات السود قد خرجت من خُرَاسَان فأتوها وَلَو حبوا على الثَّلج فَإِن فِيهَا خَليفَة الله الْمهْدي) وَفِي سَنَده مضعف لَهُ مَنَاكِير وَإِنَّمَا أخرج لَهُ مُسلم مُتَابعَة وَلَا حجَّة فِي هَذَا وَالَّذِي قبله لَو فرض انهما صَحِيحَانِ لمن زعم أَن الْمهْدي ثَالِث خلفاء بني الْعَبَّاس.

وَأخرج نصير بن حَمَّاد مَرْفُوعا (هُوَ رجل من عِتْرَتِي يُقَاتل عَن سنتي كَمَا قَاتَلت انا على الْوَحْي وَأخرج أَبُو نعيم ليبْعَثن الله رجلا من عِتْرَتِي أفرق الثنايا أجلى الْجَبْهَة يمْلَأ الأَرْض عدلا يفِيض المَال فيضا).

وَأخرج الرَّوْيَانِيّ وَالطَّبَرَانِيّ وَغَيرهمَا (الْمهْدي من وَلَدي وَجهه كَالْكَوْكَبِ الدُّرِّي اللَّوْن لون عَرَبِيّ والجسم جسم إسرائيلي يمْلَأ الأَرْض عدلا كَمَا ملئت جورا يرضى لخلافته أهل السَّمَاء وَأهل الأَرْض وَالطير فِي الجو يملك عشْرين سنة).

وَأخرج الطَّبَرَانِيّ مَرْفُوعا (يلْتَفت الْمهْدي وَقد نزل عِيسَى ابْن مَرْيَم عَلَيْهِ السَّلَام كَأَنَّمَا يقطر من شعره المَاء فَيَقُول الْمهْدي تقدم فصل بِالنَّاسِ فَيَقُول عِيسَى إِنَّمَا أُقِيمَت الصَّلَاة لَك فَيصَلي خلف رجل من وَلَدي) الحَدِيث، وَفِي صَحِيح ابْن حبَان فِي إِمَامَة الْمهْدي نَحوه، وَصَحَّ مَرْفُوعا (ينزل عِيسَى ابْن مَرْيَم فَيَقُول أَمِيرهمْ الْمهْدي تعال صل بِنَا فَيَقُول لَا إِن بَعْضكُم أَئِمَّة على بعض تكرمة الله هَذِه الْأمة).

وَأخرج ابْن ماجة وَالْحَاكِم أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (لَا يزْدَاد الْأَمر إِلَّا شدَّة وَلَا الدُّنْيَا إِلَّا إدبارا وَلَا النَّاس إِلَّا شحا وَلَا تقوم السَّاعَة إِلَّا على شرار النَّاس وَلَا مهْدي إِلَّا عِيسَى ابْن مَرْيَم) أَي لَا مهْدي على الْحَقِيقَة سواهُ لوضعه الْجِزْيَة وإهلاكه الْملَل الْمُخَالفَة لملتنا كَمَا صحت بِهِ الْأَحَادِيث أَو لَا مهْدي مَعْصُوما إِلَّا هُوَ وَلَقَد قَالَ إِبْرَاهِيم بن ميسرَة لطاوس عمر بن عبد الْعَزِيز الْمهْدي قَالَ :لَا إِنَّه لم يستكمل الْعدْل كُله أَي فَهُوَ من جملَة المهديين وَلَيْسَ الْمَوْعُود بِهِ آخر الزَّمَان وَقد صرح أَحْمد وَغَيره بِأَنَّهُ من المهديين الْمَذْكُورين فِي قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (عَلَيْكُم بِسنتي وَسنة الْخُلَفَاء الرَّاشِدين المهديين من بعدِي) ثمَّ تَأْوِيل حَدِيث (لَا مهْدي إِلَّا عِيسَى) إِنَّمَا هُوَ على تَقْدِير ثُبُوته وَإِلَّا فقد قَالَ الْحَاكِم أوردته تَعَجبا لَا محتجا بِهِ.

وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ تفرد بِهِ مُحَمَّد بن خَالِد وَقد قَالَ الْحَاكِم إِنَّه مَجْهُول وَاخْتلف عَنهُ فِي إِسْنَاده وَصرح النَّسَائِيّ بِأَنَّهُ مُنكر وَجزم غَيره من الْحفاظ بَان الْأَحَادِيث الَّتِي قبله أَي الناصة على أَن الْمهْدي من ولد فَاطِمَة أصح إِسْنَادًا.

وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن عَليّ (إِذا قَامَ قَائِم آل مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جمع الله أهل الْمشرق وَأهل الْمغرب فَأَما الرفقاء فَمن أهل الْكُوفَة وَأما الأبدال فَمن أهل الشَّام) وَصَحَّ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (يكون اخْتِلَاف عِنْد موت خَليفَة فَيخرج رجل من الْمَدِينَة هَارِبا إِلَى مَكَّة فيأتيه نَاس من أهل مَكَّة فيخرجونه وَهُوَ كَارِه فيبايعونه بَين الرُّكْن وَالْمقَام وَيبْعَث إِلَيْهِم بعث من الشَّام فيخسف بهم بِالْبَيْدَاءِ بَين مَكَّة وَالْمَدينَة فَإِذا رأى النَّاس ذَلِك أَتَاهُ أبدال أهل الشَّام وعصائب أهل الْعرَاق فيبايعونه ثمَّ ينشأ رجل من قُرَيْش أَخْوَاله كلب فيبعث إِلَيْهِم بعثا فيظهرون عَلَيْهِم وَذَلِكَ بعث كلب والخيبة لمن لم يشْهد غنيمَة كلب فَيقسم المَال وَيعْمل فِي النَّاس بِسنة نَبِيّهم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ويلقي الْإِسْلَام بجرانه إِلَى الأَرْض) وَأخرج الطَّبَرَانِيّ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لفاطمة (نَبينَا خير الْأَنْبِيَاء وَهُوَ أَبوك وشهيدنا خير الشُّهَدَاء وَهُوَ عَم أَبِيك حَمْزَة وَمنا من لَهُ جَنَاحَانِ يطير بهما فِي الْجنَّة حَيْثُ شَاءَ هُوَ ابْن عَم أَبِيك جَعْفَر ومناسبطا هَذِه الْأمة الْحسن وَالْحُسَيْن وهما ابناك) وَالْمرَاد أَنه يتشعب مِنْهُمَا قبيلتان وَيكون من نسلهما خلق كثير وَمنا الْمهْدي.

وَأخرج ابْن مَاجَه أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (لَو لم يبْق من الدُّنْيَا إِلَّا يَوْم وَاحِد لطول الله ذَلِك الْيَوْم حَتَّى يملك رجل من أهل بَيْتِي يملك جبل الديلم والقسطنطينية) وَصَحَّ عِنْد الْحَاكِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا منا أهل الْبَيْت أَرْبَعَة منا السفاح وَمنا الْمُنْذر وَمنا الْمَنْصُور وَمنا الْمهْدي فَإِن أَرَادَ بِأَهْل الْبَيْت مَا يَشْمَل جَمِيع بني هَاشم وَيكون الثَّلَاثَة الأول من نسل الْعَبَّاس والأخير من نسل فَاطِمَة فَلَا إِشْكَال فِيهِ.

وَإِن أَرَادَ أَن هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَة من نسل الْعَبَّاس أمكن حمل الْمهْدي فِي كَلَامه على ثَالِث خلفاء بني الْعَبَّاس لِأَنَّهُ فيهم كعمر بن عبد الْعَزِيز فِي بني أُميَّة لما أوتيه من الْعدْل التَّام والسيرة الْحَسَنَة وَلِأَنَّهُ جَاءَ فِي الحَدِيث الصَّحِيح أَن اسْم الْمهْدي يُوَافق اسْم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَاسم أَبِيه اسْم أَبِيه.

وَالْمهْدِي هَذَا كَذَلِك لِأَنَّهُ مُحَمَّد بن عبد الله الْمَنْصُور وَيُؤَيّد ذَلِك خبر ابْن عدي الْمهْدي من ولد الْعَبَّاس عمي لَكِن قَالَ الذَّهَبِيّ تفرد بِهِ مُحَمَّد بن الْوَلِيد مولى بني هَاشم وَكَانَ يضع الحَدِيث وَلَا يُنَافِي هَذَا الْحمل وصف ابْن عَبَّاس للمهدي فِي كَلَامه بِأَنَّهُ يمْلَأ الأَرْض عدلا كَمَا ملئث جورا وتأمن الْبَهَائِم السبَاع فِي زَمَنه وتلقي الأَرْض أفلاذ كَبِدهَا أَي أَمْثَال الأسطوان من الذَّهَب وَالْفِضَّة لِأَن هَذِه الْأَوْصَاف يُمكن تطبيقها على الْمهْدي العباسي وَإِذا أمكن حمل كَلَامه على مَا ذَكرْنَاهُ لم يناف الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة السَّابِقَة أَن الْمهْدي من ولد فَاطِمَة لِأَن المُرَاد بالمهدي فِيهَا الْآتِي آخر الزَّمَان الَّذِي يأتم بِهِ عِيسَى صلى الله عَلَيْهِ وعَلى نَبينَا وَسلم.

وَرِوَايَة (إِنَّه يَلِي الْأَمر بعد الْمهْدي اثْنَا عشر رجلا سِتَّة من ولد الْحسن وَخَمْسَة من ولد الْحُسَيْن وَآخر من غَيرهم) واهية جدا كَمَا قَالَه شيخ الْإِسْلَام والحافظ الشهَاب ابْن حجر أَي مَعَ مخالفتها للأحاديث الصَّحِيحَة أَنه آخر الزَّمَان وَأَن عِيسَى يأتم بِهِ وَلخَبَر الطَّبَرَانِيّ (سَيكون من بعدِي خلفاء ثمَّ من بعد الْخُلَفَاء أُمَرَاء ثمَّ من بعد الْأُمَرَاء مُلُوك وَمن بعد الْمُلُوك جبابرة ثمَّ يخرج رجل من أهل بَيْتِي يمْلَأ الأَرْض عدلا كَمَا ملئت جورا ثمَّ يُؤمر القحطاني فوالذي بَعَثَنِي بِالْحَقِّ مَا هُوَ دونه) وَفِي نُسْخَة مَا يقوونه وعَلى مَا حملنَا عَلَيْهِ كَلَام ابْن عَبَّاس يُمكن أَن يحمل مَا رَوَاهُ هُوَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (لن تهْلك أمة أَنا أَولهَا وَعِيسَى ابْن مَرْيَم آخرهَا وَالْمهْدِي وَسطهَا) أخرجه أَبُو نعيم، فَيكون المُرَاد بِهِ الْمهْدي العباسي ثمَّ رَأَيْت بَعضهم قَالَ المُرَاد بالوسط فِي خبر (لن تهْلك أمة أَنا أَولهَا ومهديها وَسطهَا والمسيح ابْن مَرْيَم آخرهَا) مَا قبل الآخر.

وَأخرج أَحْمد وَالْمَاوَرْدِيّ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (أَبْشِرُوا بالمهدي رجل من قُرَيْش من عِتْرَتِي يخرج فِي اخْتِلَاف من النَّاس وزلزال فَيمْلَأ الأَرْض عدلا وقسطا كَمَا ملئت ظلما وجورا ويرضى عَنهُ سَاكن السَّمَاء وَسَاكن الأَرْض وَيقسم المَال صحاحا بِالسَّوِيَّةِ ويملأ قُلُوب أمة مُحَمَّد غنى ويسعهم عدله حَتَّى إِنَّه يَأْمر مناديا فينادي من لَهُ حَاجَة إِلَيّ فَمَا يَأْتِيهِ أحد إِلَّا رجل وَاحِد يَأْتِيهِ فيسأله فَيَقُول ائْتِ السادن حَتَّى يعطيك فيأتيه فَيَقُول أَنا رَسُول الْمهْدي إِلَيْك لتعطيني مَالا فَيَقُول أحث فيحثي مَالا يَسْتَطِيع أَن يحملهُ فيلقي حَتَّى يكون قدر مَا يَسْتَطِيع أَن يحمل فَيخرج بِهِ فيندم فَيَقُول أَنا كنت أجشع أمة مُحَمَّد نفسا كلهم دعِي إِلَى هَذَا المَال فَتَركه غَيْرِي فَيرد عَلَيْهِ فَيَقُول إِنَّا لَا نقبل شَيْئا أعطيناه فيلبث فِي ذَلِك سِتا أَو سبعا أَو ثمانيا أَو تسع سِنِين وَلَا خير فِي الْحَيَاة بعده).(2)

______________________________

(1) الزخرف 61

(2) الصواعق المحرقة، ابن حجر الهيتمي، ج2،ص469