شُبهَةُ (مُصْحَفُ فَاطِمَةَ)، وكِتَابُ (فَصْلُ الخِطَابِ).

Yousef Ghaleb/الاردن/: السَّلامُ علَيكُم.. بَعضُ أعْدَاءِ الإسْلامِ ككُلٍّ والمُخَالِفينَ في المَذهَبِ..... يَطرَحُونَ شُبهَةً على المُسلِمِينَ الشِّيعَةَ بأنَّه عِندَهُم شَيءٌ يُسمَّى (مُصحَفُ فَاطِمةَ) وشَيءٌ آخَرُ اسْمُه (فَصْلُ الخِطَابِ في تَحرِيفِ كِتَابِ رَبِّ الأربَابِ)،..... أرْجُو مِن حَضْرَتِكُم التَّوضِيحَ وأرْجُو إعطَائِي رَدّاً مُفْحِماً لهؤلَاءِ؟ وشُكْراً.....

: اللجنة العلمية

     الأخُ يُوسُف المُحتَرمُ.. السَّلامُ علَيكُم ورَحمةُ اللهِ وبَركَاتُه. 

     نَقُولُ: للأسَفِ هذِهِ مُحاوَلَاتٌ بَائِسةٌ يَلجَأُ إليْها البَعضُ مِن ضَعفِهِم وكَسَادِ بضَاعَتِهِم وهَزِيمَتِهم في كُلِّ المَواقِعِ الفِكرِيَّةِ والعَقائِديَّةِ أمَامَ هذا الطَّوْدِ الشَّامِخِ لأتبَاعِ الثَّقلَينِ (الكِتَابُ والعِترَةُ) وحُجَجُهُم البَاهِرةُ في إثبَاتِ ما هم عليْه مِن هُدىً ونُورٍ بنُصُوصٍ صَرِيحَةٍ صَحِيحَةٍ مِن كُتُبِ خُصُومِهِم نَفسِهَا، الأمْرُ الَّذي أذهَلَ الخُصُومَ وأفقَدَهُم صَوَابَهُم حتى بَاتُوا يَتشَبَّثُونَ بالخَيَالِ ويَتمَسَّكُونَ بالطّلحبِ في دَحْضِ هذِهِ المَسِيرَةِ الشَّمَّاءِ!!

     ومِن جُملَةِ ما يَتشَبَّثُ به هؤلَاءِ هو أنَّ الشِّيعَةَ تَقُولُ بتَحرِيفِ القُرآنِ وأنَّه عِندَهُم مُصْحَفٌ اسْمُه (مُصْحَفُ فَاطِمةَ)، وأنَّه لأحَدِ عُلمَائِهِم كِتَابٌ اسْمُه (فَصْلُ الخِطَابِ في تَحرِيفِ كِتَابِ رَبِّ الأرْبَابِ)، ونَحو هذِهِ الأقوَالِ...  ولِلرَّدِّ على هذِهِ الشُّبهَاتِ الوَاهِيةِ نَقُولُ: 

     1- مُصْحَفُ فَاطِمةَ (علَيْها السَّلامُ) هو: كِتَابٌ فيْه عِلْمُ ما يَكُونُ، وأسمَاءُ مَن يَملِكُونَ إلى قِيَامِ السَّاعَةِ، بإملَاءِ جِبرَائِيلَ (عليْه السَّلامُ)، وبخَطِّ أمِيرِ المُؤمِنِينَ عليِّ ابنِ أبِي طَالِبٍ (عليْه السَّلامُ).

     دلَّتْ على ذلِك الأخبَارُ الكَثِيرَةُ، كخَبَرِ حمَّادِ بنِ عُثمَانَ; قَالَ: سَمِعتُ أبا عَبـدِ اللهِ (عليْه السَّلامُ) يَقُولُ: "تَظهَرُ الزَّنادِقَةُ في سَـنةِ ثَمَانِ وعِشرِينَ ومِائَةٍ; وذلِك أنِّي نَظرْتُ في مُصْحَـفِ فَاطِمةَ (علَيْها السَّلامُ)".

     قَالَ: قُلتُ: وما مُصْحَفُ فَاطِمةَ؟

     قَالَ: "إنَّ اللهَ تَعَالى لمَّا قَبضَ نَبِيَّه (صلَّى اللهُ علَيه وآلِه وسلَّمَ) دَخلَ على فَاطِمةَ (علَيْها السَّلامُ) مِن وَفَاتِه مِن الحُزْنِ ما لا يَعلَمُه إلَّا اللهُ (عزَّ وجلَّ)، فأرْسلَ اللهُ إليْها مَلِكاً يُسلِّي غَمَّها ويُحَـدِّثُها، فشَكَتْ ذلِك إلى أمِيرِ المُؤمِنِينَ (عليْه السَّلامُ)، فقَالَ: إذا أحسَسْتِ بذلِك وسَمِعْتِي الصَّوتَ قُولِي لي. فأعْلَمَتْه بذلِك، فَجَعلَ أمِيرُ المُؤمِنِينَ (عليْه السَّلامُ) يَكتُبُ كُلَّ ما يَسمَعُ، حتى أثبَتَ مِن ذلِك مُصْحَفاً".

     قَالَ: ثم قَالَ: "أمَّا أنَّه ليسَ فيْه شَيءٌ مِن الحَلَالِ والحَرَامِ، ولكنْ فيْه عِلْمُ ما يَكُونُ". [الكَافِي 1 / 240].

     وفي صَحِيحَةِ أبِي عُبَيدةَ الحذَّاءِ: عن أبِي عَبـدِ اللهِ (عليْه السَّلامُ)، قَالَ: "إنَّ فَاطِمةَ مَكَثتْ بَعدَ رَسُولِ اللهِ (صلَّى اللهُ عليْه وآلِه وسلَّمَ) خَمْسةً وسَبعِينَ يَوْماً، وكَانَ دَخَلَها حُزنٌ شَدِيدٌ على أبِيهَا، وكَانَ جِبرَائِيلُ (عليْه السَّلامُ) يَأتِيهَا فيُحْسِنُ عَزَاءَها على أبِيهَا ويُطيِّبُ نَفسَهَا، ويُخبِرُها عن أبِيهَا ومَكَانِه، ويُخبِرُها بما يَكُونُ بَعدَهَا في ذُرِّيَّتَها، وكَانَ عليٌّ (عليْه السَّلامُ) يَكتُبُ ذلِك، فهَذا مُصْحَفُ فَاطِمةَ (علَيْها السَّلامُ)". [الكَافِي 1 / 241].

     وإنَّما سُمِّيَ مُصْحَفاً لأنَّه كِتَابٌ جَامِعٌ لصُحُفٍ مَكتُوبَةٍ، وكُلُّ ما كَانَ كذلِكَ فهُو مُصْحَفٌ لُغَةً، وإنْ لم يَكُنْ قُرآناً أو فيْه شَيءٌ مِن سُوَرِه وآيَاتِه.

     تَقُولُ: وهل يَصِحُّ أنْ تُكلِّمَ المَلائِكَةُ فَاطِمةَ (علَيْها السَّلامُ) وهي لَيسَتْ مِن الأنبِيَاءِ؟!!

     نَقُولُ: جَاءَ في القُرآنِ الكَرِيمِ أنَّ المَلائِكَةَ كَلَّمَتْ مَرْيمَ بِنتَ عِمرَانَ (علَيْها السَّلامُ) [الآيَاتُ 16 ـ 21 مِن سُورَةِ مَرْيمَ، والآيَاتُ 42 و43 مِن سُورَةِ آلِ عِمرَانَ]، وأنَّه سُبحانَه قد أوْحَى إلى أُمِّ مُوسَى [سُورَةُ القَصَصِ: الآيَةُ 7]، وهُما ليسَ مِن الأنبِيَاءِ، وفَاطِمَةُ (علَيْها السَّلامُ) أفضَلُ مِنهُما بالإتِّفَاقِ.

     وقد ذَكرَ أهلُ السُّنةِ في مَروِيَّاتِهِم بأنَّ عِمرَانَ بنَ حُصَينٍ كَانَ يَرَى المَلَائِكةَ، وأنَّها كَانتْ تُكلِّمُه وتُسلِّمُ عليْه [انظُرْ: صَحِيحَ مُسلِمٍ بشَرحِ النَّووِي 8 / 206].. وحُكمُ المِثَالِ فيمَا يَجُوزُ ولا يَجُوزُ وَاحِدٌ مِن هذِهِ النَّاحِيةِ.

     2- أمَّا كِتَابُ "فَصْلِ الخِطَابِ" فهُو كِتَابٌ جَمعَ فيْه أحدُ عُلمَاءِ الشِّيعَةِ جُملَةً مِن الرِّوَايَاتِ التي يَرَى أنَّها تُفِيدُ النَّقِيصَةَ أو الزِّيادَةَ في كِتَابِ اللهِ، نَظِيرُ ما قَامَ بجَمْعِه  السُّيوطِيُّ في كِتَابِه "الإتقَانِ" مِن الرِّوَايَاتِ الكَثِيرَةِ عن الصَّحابَةِ التي تُفِيدُ هذا المَعنَى كذلِكَ، والتي حَمَلَها أهلُ السُّنةِ بَعدَ ذلِك على نَسْخِ التِّلَاوةِ، وهو مَحلُّ كَلَامٍ أيْضاً عِندَ التَّحقِيقِ [راجِعْ: "البَيَانَ في تَفسِيرِ القُرآنِ" للسَّيدِ الخُوئِيِّ حتى تَقِفَ على المُرَادِ مِن نَسْخِ التِّلَاوةِ هذا بالتَّفصِيلِ].

     وقد تَصَدَّى عُلمَاؤُنَا لما قَامَ به صَاحِبُ كِتَابِ "فَصْلِ الخِطَابِ" وفَنَّدُوا دَعاوَاهُ كُلَّها وَاحِدةً وَاحِدةً كما فَصَّل ذلِك الشَّيخُ مُحمَّدُ هَادِي مَعرِفةٌ في كِتَابِه: "صِيَانَة القُرآنِ مِن التَّحرِيفِ"، وغَيرُهُ، كالشَّيخِ بَاقرِ شَرِيفِ القُرَشِي الَّذي قَالَ في كِتَابِه "في رِحَابِ الشِّيعَةِ" ص 58: 

     (ألَّفَ المُحدِّثُ النُّورِيُّ كِتَاباً أسمَاهُ (فَصْلُ الخِطَابِ) ذَكرَ فيْه وُقُوعَ التَّحرِيفِ زِيَادةً ونَقِيصَةً في القُرآنِ الكَرِيمِ، وقد اتَّخَذَه خُصُومُ الشِّيعَةِ وَسِيلةً للتَّشهِيرِ والطَّعنِ بهِم، وهذا الكِتَابُ خَالٍ مِن المَوازِينِ والقِيَمِ العِلمِيَّةِ، وهو على غِرَارِ ما كَتَبَه السُّيوطِيُّ في كِتَابِه "الإتقَانِ" الَّذي ذَكرَ فيْه سَيْلاً مِن الرِّوَايَاتِ على وُقُوعِ التَّحرِيفِ في القُرآنِ الكَرِيمِ.

     والكِتَابُ لا يحفلُ به قد اعْتمَدَ على الرِّوَايَاتِ المَوضُوعَةِ وعلى الكُتُبِ المَطعُونِ فيْها أمثَالُ كِتَابِ (سَلِيم بنِ قَيسٍ) وقد رَدَّ عليْه الإمَامُ البَلَاغِيُّ نَضر اللهِ مَثوَاهُ قَالَ: (وقد جَهدَ المُحدِّثُ المُعاصِرُ في كِتَابِه (فَصْل الخِطَابِ) في جَمْعِ الرِّوَايَاتِ التي اسْتدَلَّ بها على النَّقِيصةِ، وكَثُرَ أعدَادُ مَسانِيدِهَا بأعدَادِ المَرَاسِيلِ، مع أنَّ المُتتَبِّعَ المُحقِّقَ يَجزِمُ بأنَّ هذِهِ المَرَاسِيلَ مَأخُوذَةٌ مِن تلِك المَسَانِيدِ). انتَهى. 

     فهَذا الكِتَابُ الَّذي يُغرِّدُ به المُفلِسُونَ كَثِيراً، لا قِيمَةَ عِلمِيَّةٌ له ولا اعتِبَارَ لما انتَهَى إليْه صَاحِبُه مِن قَولٍ مُخالِفٍ لمَشهُورِ الطَّائِفةِ. 

     فَالقَولُ بأنَّ كِتَابَ اللهِ مَحفُوظٌ مِن النَّقِيصَةِ والزِّيَادةِ، وأنَّ هذا الكِتَابَ الَّذي بأيدِينَا الآنَ هو الكِتَابُ المُنزَلُ على النَّبيِّ المُصْطَفَى (صلَّى اللهُ عليْه وآلِه وسلَّمَ) مِن غَيْرِ زِيَادةٍ ولا نَقِيصَةٍ، هو القَولُ المَشهُورُ في الطَّائِفةِ وعليْه المُعوَّلُ عِندَ مَرَاجِعِها وعُلمَائِها قَدِيماً وحَدِيثاً.. نَصَّ على ذلِك مَراجِعُ الطَّائِفةِ وأسَاطِينُها، أمثَالُ السَّيدِ الخُوئِيِّ في "البَيَانِ": 301، والشَّيخِ التَّبرِيزِيِّ في "الأنوَارِ الإلَهيَّةِ": 324، والبَلاغِيُّ في "آلاءِ الرَّحْمنِ":26.

     والمَذاهِبُ تُؤخَذُ بمَشهُورِ أقوَالِهَا لا بالشَّاذِّ فيْها، فما بَالُ هؤلَاءِ يَتصَيَّدُونَ في المَاءِ العَكِرِ فيَذهَبُونَ للشَّاذِّ مِن الأقوَالِ ويَترُكُونَ المَشهُورَ للطَّائِفةِ؟!!

     إنَّه الإفلَاسُ كمَا ذَكرْنَا والهَزِيمةُ النَّفسِيَّةُ التي يَعِيشُها هؤلَاءِ فلم يَعُدْ عِندَهُم مِن وَسِيلَةٍ لدَحْضِ الخُصُومِ سِوَى التَّهرِيجِ والإكثَارِ مِن الضَّجِيجِ لا غَيْرَ.

     ودُمتُم سَالِمينَ.