موضع مسجد الأقصى في قصة الاسراء

يقال أنَّ المسجدَ الأقصى الذي وردَ ذكرُه في الآية (سُبحَانَ الَّذِي أَسرَى بِعَبدِهِ لَيلًا مِنَ المَسجِدِ الحَرَامِ إِلَى المَسجِدِ الأَقصَى الَّذِي بَارَكنَا حَولَه لِنُرِيَهُ مِن آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ) ، ليسَ الأقصى الذى في فلسطين وإنّما هذا المسجدُ بُني في زمنِ عبدِ الملك ابنِ مروان. أرجو التفصيلَ في هذه المسألة وشكراً لكم؟

: السيد أبو اَلحسن علي الموسوي

الجواب:

بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرحيم،

قصّةُ الإسراءِ والمعراج، رحلتانِ مُتتاليتان حصلتا لرسولِ الله -صلّی اللهُ عليه وآله- فالأولى: أُسري بهِ من المسجد ِالحرام إلى المسجدِ الأقصى، والثانية: عندَ عروجِه منً المسجدِ الأقصى إلى السماء.

ولا خلافَ بينَ الشيعةِ الإماميّة على أصلِ وقوعِ ذلك، وإنّما حصلَ الخلافُ بينَهم على مكانِ المسجدِ الأقصى الذي أسريَ النبيُّ -صلّى اللهُ عليهِ وآله- إليه وهو على قولين:

القول الأوّل: هوَ بيتُ المقدِس، لأنّه لم يكُن حينئذٍ مسجدٌ غيره.. كما ذهبَ إليه بعضُ مُفسّري الشيعة _نذكرُ منهم-:

قالَ الشّيخُ الطوسي في: (البيانِ في تفسيرِ القرآن): "المسجدُ الأقصى هوَ بيتُ المقدس، وهو مسجدُ سليمانَ بنِ داود... إنّما قيلَ له الأقصى، لبُعدِ المسافة بينَه وبينَ المسجدِ الحرام" (١).

وقالَ الشّيخُ الطبرسي: في (جوامعِ الجامع): "أسرى وسرى بمعنى، ونكَّرَ قولَه ليلاً لتقليلِ مدَّةِ الإسراء، وأنّه أسريَ به في ليلةٍ مِن جُملةِ اللّيالي مِن مكّةَ إلى الشّامِ مسيرةَ أربعينَ ليلة، وقد عُرجَ به إلى السّماءِ مِن بيتِ المقدِس.. والمسجدُ الأقصى هوَ بيتُ المقدِس، لأنّه لم يكُن حينئذٍ وراءَه مسجد".

وقالَ في (مجمعِ البيان): "فإنّ الإسراءَ إلى بيتِ المقدِس وقد نطقَ به القرآنُ ولا يدفعُه مسلم" (٢).

وقالَ السيّدُ الطباطبائي في (الميزان): "المسجدُ الأقصى هو بيتُ المقدِس، والهيكلُ الّذي بناهُ داودُ وسليمان، وقدَّسَه اللهُ لبني إسرائيل، وقد سمّيَ المسجدُ الأقصى لكونِه أبعدَ مسجدٍ بالنّسبةِ إلى مكانِ النبيّ –صلّى اللهُ عليهِ وآله- ومَن معَه منَ المُخاطبين، وهيَ مكّةُ الّتي فيها المسجدُ الحرام (٣).

والقول الثاني: أن! المسجد الأقصى هوَ البيتُ المعمور في السماءِ أسريَ إليه النبيّ –صلّى اللهُ عليهِ وآله- ففي تفسيرِ الصافي في تفسيرِ كلامِ الله الوافي- ملّا محسن فيض كاشاني (ت 1090 هـ)): قالَ تعالى: { سُبحَانَ ٱلَّذِى أَسرَىٰ بِعَبدِهِ لَيلاً مِّنَ ٱلمَسجِدِ ٱلحَرَامِ إِلَىٰ ٱلمَسجِدِ ٱلأَقصَى ٱلَّذِي بَارَكنَا حَولَهُ لِنُرِيَهُ مِن آيَاتِنَآ إِنَّهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلبَصِيرُ }( الإسراء:1) أي إلى ملكوتِ المسجدِ الأقصى الذي هوَ في السّماء. (4)

وروى العيّاشي في تفسيرِه عن سلامٍ الحنّاط، عن رجل عن أبي عبدِ الله - عليهِ السلام- قالَ: "سألتُه عن المساجدِ التي لها الفضل، فقالَ: المسجدُ الحرام ومسجدُ الرّسول، قلتُ: والمسجدُ الأقصى جُعلتُ فداك؟ فقالَ: ذاكَ في السماء، إليهِ أسري رسولُ الله- صلّى اللهُ عليهِ وآله-، فقلتُ: إنّ الناسَ يقولون: إنّه بيتُ المقدس؟ فقالَ: مسجدُ الكوفةِ أفضلُ منه"] (5).

قلتُ: والراجحُ أنَّ المسجدَ الأقصى هوَ بيتُ المقدِس كما دلّت عليه بعضُ الروايات المُعتبرة نذكرُ منها:

منها: ما روي عن علي عليه السلام أنه لما كان بعد ثلاث سنين من مبعثه -صلى الله عليه وآله- أسري به إلى بيت المقدس ، وعرج به منه إلى السماء ليلة المعراج.. (6).

ومنها: ما رواه المجلسي في البحار عن أبي جعفر الباقر –عليه السلام- انه تلا الْآيَةَ (سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ لْأَقْصَى الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا) فَكَانَ مِنَ الْآيَاتِ الَّتِي أَرَاهَا اللَّهُ مُحَمَّداً –صلى الله عليه وآله- حِينَ أَسْرَى بِهِ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ.. (٧).

يقول العلامة المجلسي: اعلم أن عروجه -صلى الله عليه وآله- إلى بيت المقدس ثم إلى السماء في ليلة واحدة بجسده الشريف مما دلت عليه الآيات و الأخبار المتواترة من طرق الخاصة و العامة و إنكار أمثال ذلك أو تأويلها بالعروج الروحاني أو بكونه في المنام ينشأ إما من قلة التتبع في آثار الأئمة الطاهرين أو من قلة التدين و ضعف اليقين أو الانخداع بتسويلات المتفلسفين و الأخبار الواردة في هذا المطلب لا أظن مثلها ورد في شي ء من أصول المذهب فما أدري (٨).

وقالَ الشيخُ عبّاس القمّي: "اعلَم أنّه ثبتَ منَ الآياتِ الكريمةِ والأحاديثِ المتواترة، أنَّ الحقَّ تعالى أسرى برسولِ الله في ليلةٍ واحدة مِن مكّةَ المُعظّمة إلى المسجدِ الأقصى، ومِن هناكَ عرجَ به إلى السماوات" (٩).

والحمدُ لله أوّلاً وآخراً..

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1- التبيانُ في تفسيرِ القرآن ج6ص438.

2- تفسيرُ مجمعِ البيان ج6ص1٩2.

3- تفسيرُ الميزان ج13ص3.

4- تفسيرُ الصافي: ج3: ص 75..

5- تفسيرُ العيّاشي: ج‏2 ص279.

6- الخرائج والجرائح ج1ص144.

7- بحار الأنوار ج 10 ص 162ا.

8- بحار الأنوار ج 18 ص 290.

٩- مُنتهى الآمال، ص ٧٨