رأي علماء الشيعة في سحر النبي

سؤالٌ: هل يجوزُ على رسولِ الله –صلّى اللهُ عليهِ وآله- السّحرُ.. وما قولُكم في الرواياتِ الواردةِ في كتبِ الشيعة؟ مثلَ ما جاءَ في بحارِ الأنوار: أنَّ جبرئيلَ -عليهِ السلام- أنزلَ يومئذٍ المُعوّذتين على النّبي -صلّى اللهُ عليهِ وآله- فقالَ النبي -صلّى اللهُ عليهِ وآله-: يا عليّ اقرأهما على الوِتر، فجعلَ أميرُ المؤمنين كلّما قرأ آيةً انحلّت عقدةً حتّى فرغَ مِنها وكشفَ اللهُ عزّ وجل عن نبيّه ما سحرَ به وعافاه.

: السيد أبو اَلحسن علي الموسوي

الجوابُ:

بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرحيم،

قصّةُ سحرِ النبي -صلّى اللهُ عليهِ وآله- ذكرَها المجلسيّ في ثلاثةِ مواضع:

الأوّل: نقلَه عن تفسيرِ فراتٍ الكوفي ثمَّ علّقَ المجلسيُّ بقوله : " قد مرَّ الكلامُ في تأثيرِ السّحرِ في الأنبياءِ والأئمّةِ وأنَّ المشهورَ عدمُه "(١).

والثاني: نقلَه عن كتابِ (دعائمِ الإسلامِ 1 / 138 ح 487 ) عن جعفرِ بنِ مُحمّد ، عن أبيهِ ، عن آبائِه -عليهم السلام- ، عن عليٍّ -عليهِ السلام- : أنَّ لبيداً بنَ أعصم وأمَّ عبدِ الله اليهوديّين لمّا سحرا النبيّ -صلّى اللهُ عليهِ وآله- جعلا السحرَ في مَراقي بئرٍ بالمدينة ، فأقامَ رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وآله وسلّم لا يسمعُ ولا يُبصِر ولا يفهمُ ولا يتكلّمُ ولا يأكلُ ولا يشرَب ، فنزلَ عليهِ جبرئيل ، بمعوّذاتٍ ـ الحديث ـ .

وهذا خبرُ آحادٍ مُرسلٌ لا يُحتجُّ به وقد قالَ المجلسيّ عقبَ إيرادِه : والأخبارُ الواردةُ في ذلكَ أكثرُها عاميّةٌ أو ضعيفةٌ ، ومعارضةٌ بمثلِها فيشكلُ التعويلُ عليها في إثباتِ مثلِ ذلك (٢) .

وقالَ ونقلَ السيّدُ الخوئي في كتابِه ( مُعجمُ رجالِ الحديث ) قولَ صاحبِ الجواهر: " وقالَ الشيخُ صاحبُ الجواهر (قدّس) في مسألةِ مَن فاتَته صلواتٌ مُتعدّدةٌ بأنَّ دعائمَ الإسلامِ مطعونٌ فيه وفي صاحبِه انتهى..

ثمَّ قال: أقولُ أنَّ كتابَ ( دعائمِ الإسلام ) فيهِ منَ الفروعِ على خلافِ مذهبِ الإماميّة قد ذكرَ جُملةً مِنها في ذيلِ محاضراتِنا في الفقهِ الجَعفري.. والرّجلُ مجهولُ الحالِ وعلى تقديرِ الثبوتِ فكتابُه ( دعائمُ الإسلام ) غيرُ مُعتبرٍ لأنَّ رواياتِه كلّها مُرسلةٌ "(٣).

والثالثُ: نقلَه عن كتابِ (طبِّ الأئمّة) عن محمّدٍ بنِ جعفرٍ البُرسي عن أحمدَ بنِ يحيى الأرمني عن محمّدٍ بنِ سنان عن المُفضّلِ بنِ عُمر عن أبي عبدِ الله -عليهِ السلام- قالَ أميرُ المؤمنينَ -عليهِ السلام-: إنَّ جبرئيلَ أتى النبيَّ (ص) وقالَ : يا مُحمّد ، قالَ : لبّيكَ يا جبرئيل ، قالَ : إنَّ فلاناً اليهودي سحرك ... ... " (4).

وقد قالَ عنهُ المَجلسي: " وكتابُ (طبِّ الأئمّة) منَ الكتبِ المشهورةِ لكنّه ليسَ في درجةِ سائرِ الكتبِ لجهالةِ مؤلّفِه ، ولا يضرُّ ذلكَ إذ قليلٌ منهُ يتعلّقُ بالأحكامِ الفرعيّةِ وفي الأدويةِ والأدعيةِ لا نحتاجُ إلى الأسانيدِ القويّة " (٥)

والسندُ فيه جهالةُ محمّدِ بنِ جعفرٍ البُرسي وكذا أحمدُ بنُ يحيى الأرمني، وكذا محمّدُ بنُ سنان فقد قالَ عنهُ النجاشي : " وهوَ رجلٌ ضعيفٌ جدّاً لا يعوّلُ عليهِ ولا يُلتفتُ إلى ما تفرّدَ به "(٦).

وأمّا رأيُ علماءِ الشيعة في المسألةِ نذكرُ بعضَ أقوالِهم:

قال الشيخُ الطوسي في ( التبيان ) : " ولا يجوزُ أن يكونَ النبيّ (ص) سُحرَ على ما رواهُ القُصّاصُ الجُهّال ، لأنَّ مَن يُوصَفُ بأنّه مسحورٌ فقد خبلَ عقلُه ، وقد أنكرَ اللهُ تعالى ذلكَ في قولِه: ( وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِن تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَّسحُورًا ) ، ولكن يجوزُ أن يكونَ بعضُ اليهودِ اجتهدَ في ذلكَ فلم يقدِر عليهِ فأطلعَ اللهُ نبيَّه على ما فعلَه حتّى استخرجَ ما فعلوهُ منَ التمويهِ ، وكانَ دلالةً على صدقِه ومُعجزةً له " (7).

وقالَ المجلسي: " وأمّا تأثيرُ السّحرِ في النبيّ والإمام صلواتُ اللهِ عليهما فالظاهرُ عدمُ وقوعِه وإن لم يقُم برهانٌ على امتناعِه إذا لم ينتهِ إلى حدٍّ يخلُّ بغرضِ البعثةِ كالتخبّطِ والتخليطِ فإنّه إذا كانَ اللهُ سبحانَه أقدرَ الكفّارَ لمصالحِ التكليفِ على حبسِ الأنبياءِ والأوصياءِ (ع) وضربِهم وجرحِهم وقتلِهم بأشنعِ الوجوهِ فأيُّ استحالةٍ على أن يقدروا على فعلٍ يؤثّرُ فيهم همّاً ومرضاً ؟! لكن لمّا عرفتَ أنَّ السحرَ يندفعُ بالعوذاتِ والآياتِ والتوكّلِ وهُم عليهم السلام معادنُ جميعِ ذلكَ فتأثيرُه فيهم مُستبعدٌ ، والأخبارُ الواردةُ في ذلكَ أكثرُها عامّيّةٌ أو ضعيفةٌ ومعارضةٌ بمثلِها ، فيشكلُ التعويلُ عليها في إثباتِ مثلِ ذلك " (٨).

والحمدُ للهِ أوّلاً وآخراً..

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1- بحارُ الأنوار ج63 ص 22

2- بحارُ الأنوار ج 63 ص 41

3- معجمُ رجالِ الحديث ج19 ص 169

4- بحارُ الأنوار ج63 ص 23

5- بحارُ الأنوار ج2 ص30

6- فهرستُ النجاشي ص 328

7- التبيانُ في تفسيرِ القرآن ج10 ص 434 .

8- بحارُ الأنوار ج63 ص 41