هل مسجد الجعرانة في مكة هو المسجد الأقصى !

قرأتُ أنَّ مسجدَ الجعرانةِ في مكّة هوَ المسجدُ الأقصى المذكورُ في القرآن؟

: السيد أبو اَلحسن علي الموسوي

الجوابُ:

بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرحيم،

الجعرانةُ وادٍ بينَ الطائفِ ومكّة، نزلَ بها النبيّ -صلّى اللهُ عليهِ وآله- لمّا قسّمَ غنائمَ هوازنَ وأحرمَ منها، ولهُ فيها مسجدٌ، وكانَ النبيُّ -صلّى اللهُ عليهِ وآله- قد اعتمرَ مِنها بعدَ غزوةِ الطائفِ وفيها مسجدٌ سُمّيَ بالجعرانة ".

والذي أدّعى أنَّ المسجدَ الأقصى المذكورَ في القرآنِ الكريم هوَ هذا المسجد، (الجِعِرَّنة) هو الرّوائيُّ المصريّ الدكتور يوسِف زيدان، -في مقابلةٍ تلفزيونيّة- واستندَ في كلامِه على ما وردَ في كتابِ "المغازي" للواقدي، الذي جاءَ فيه: " وانتهى رسولُ الله – صلّى اللهُ عليهِ وآله – إلى الجِعِرَّنة ليلةَ الخميس لخمسٍ خلونَ مِن ذي القعدةِ فأقامَ بالجعرانةِ ثلاثَ عشرةَ فلمّا أرادَ الانصرافَ إلى المدينةِ خرجَ منَ الجعرانةِ ليلةَ الأربعاءِ لاثنتي عشرة بقيَت مِن ذي القعدةِ ليلاً فأحرمَ منَ المسجدِ الأقصى الذي تحتَ الوادي بالعدوةِ القصوى، وكانَ مُصلّى رسولِ الله – صلّى اللهُ عليهِ وسلّم – إذا كانَ بالجعرانة، فأمّا هذا المسجدُ فبناهُ رجلٌ مِن قُريش، واتّخذَ ذلكَ الحائطَ (البُستان) عندَه ولم يجُز رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلّم الواديَ إلّا مُحرِماً فلم يزَل يُلبّي حتّى استلمَ الرّكن" (1).

فيقالُ له: الجوابُ على هذا مِن وجوه:

أحدُها: ليسَ في كلامِ الواقديّ شيءٌ مِن قصّةِ الإسراءِ والمِعراج، وإنّما تكلّمَ عن مسجدينِ بينَ الطائفِ ومكّة أحدُهما قريبٌ والآخرُ بعيد ، وتسميتُهما بالأقصى والأدنى مِن بابِ وصفِ الأماكنِ حسبِ قُربِها وبعدِها، فمسجدُ الجعرانةِ وُصفَ بالأقصى، وليسَ اسمُه الأقصى، وبهذا يظهرُ لنا جليّاً أنَّ المسجدَ الأقصى بالجعرانةِ لا علاقةَ له بالمسجدِ الأقصى الذي في القُدس لا مِن قريبٍ ولا مِن بعيد.

والثاني: الواقديّ يتحدّثُ عَن مكانِ إهلالِ النبيّ -صلّى اللهُ عليهِ وآله- بالعُمرةِ عندَ عودتِه مِن غزوةِ حُنين مِن قريةٍ اسمُها «الجعرّانة»، وقد كانَت في السنةِ الثامنةِ منَ الهجرةِ أي بعدَ الإسراءِ بأكثرَ مِن تسعةِ أعوام!

والثالثُ: آيةُ الإسراءِ تنصُّ على أنَّ الإسراءَ كانَ منَ المسجدِ الحرام إلى المسجدِ الأقصى وليسَ العكسُ كما وردَ في مغازي الواقدي مِن أنّه -صلّى اللهُ عليهِ وآله- أهلَّ بالعُمرةِ مِن مسجدِ الجعرانةِ الأقصى إلى المسجدِ الحرام!

والرّابعُ: جمهورُ مُفسّري أهلِ السنّةِ على أنَّ الأقصى هوَ بيتُ المقدسِ نذكرُ بعضَ أقوالِهم:

1. أبو الفرجِ عبدُ الرّحمنِ بنُ عليٍّ بنِ محمّد الجوزي (المُتوفّى: 597هـ)

قالَ: وأمّا المسجدُ الأقصى فهوَ بيتُ المقدسِ وقيلَ له الأقصى لبُعدِ المسافةِ بينَ المسجدين ومعنى ( بارَكنا حولَهُ ) أنَّ اللهَ تعالى أجرى الأنهارَ وأنبتَ الأشجارَ وقيلَ إنّه مقرُّ الأنبياءِ ومهبطُ الملائكةِ قالَ أبو هُريرة دخلَ بيتَ المقدسِ وصلّى فيه بالأنبياءِ ثمَّ عُرجَ به إلى السّماءِ واعلَم أنَّ الإسراءَ كانَ إلى بيتِ المقدسِ والمعراجَ مِن هنالكَ إلى السماءِ وإنّما جُعلَ كذلكَ لأربعةِ فوائدَ الفائدةُ الأولى أنّه لو أخبرَ بصعودِه إلى السماءِ في بدءِ الحديثِ لاشتدَّ إنكارُهم ولو وصفَها لهُم لم يكُن عندَهم علمٌ بذلكَ فلمّا أخبرَهم ببيتِ المقدسِ ووصفَهُ لهُم دلَّ صدقُه في ذلكَ على صدقِه في حديثِ المعراج وفي الصّحيحينِ مِن حديثِ جابرِ بنِ عبدِ الله عن النبيّ {صلّى اللهُ عليهِ وسلّم} أنّه قالَ لمّا كذّبَتني قُريش قمتُ في الحجرِ فجلّا اللهُ لي بيتَ المقدسِ فطفقتُ أخبرُهم عن آياتِه وأنا أنظرُ إليه. وروى عروةُ عن عائشةَ قالَت لمّا أسريَ برسولِ الله {صلّى اللهُ عليهِ وسلّم} أصبحَ يحدّثُ الناسَ بذلكَ فسعى رجالٌ منَ المُشركين َإلى أبي بكرٍ فقالوا هل لكَ في صاحبِكَ يزعمُ أنّه أسريَ به إلى بيتِ المقدسِ قالَ وقد قالَ ذلك قالوا نعَم قالَ إن كانَ قالَ ذلكَ لقد صدق .. (2).

2. أبو عبدِ الله مُحمّدُ بنُ أحمد بنِ أبي بكرٍ القُرطبي (المُتوفّى : 671 هـ).

قالَ: وأمّا المسجدُ الأقصى فبناهُ سليمانُ عليهِ السلام ؛ كما خرّجَه النسائيّ بإسنادٍ صحيحٍ مِن حديثِ عبدِ الله بنِ عمرو. وعن النبيّ صلّى اللهُ عليهِ وسلّم : "أنَّ سليمانَ بنَ داود عليهِ السلام لمّا بنى بيتَ المقدسِ سألَ اللهَ خلالاً ثلاثة سألَ اللهَ عزَّ وجل حُكماً يصادفُ حُكمَه فأوتيهِ ، وسألَ اللهَ عزّ وجل مُلكاً لا ينبغي لأحدٍ مِن بعدِه فأوتيه ، وسألَ اللهَ عزَّ وجل حينَ فرغَ مِن بناءِ المسجدِ ألّا يأتيهِ أحدٌ لا ينهزُه إلّا الصلاةَ فيه أن يُخرجَه مِن خطيئتِه كيومِ ولدَته أمّه فأوتيه" (3).

3. أبو القاسمِ، محمّدُ بنُ أحمدَ بنِ محمّد بنِ عبدِ الله، ابنُ جزي الكلبيّ الغرناطي (المُتوفّى: 741هـ).

وأمّا المسجدُ الأقصى فهوَ بيتُ المقدسِ الذي بإيلياء، وسُمّيَ الأقصى لأنّه لم يكُن وراءَه حينئذٍ مسجدٌ، ويُحتملُ أن يريدَ بالأقصى الأبعدَ فيكونُ المقصدُ إظهارَ العُجبِ في الإسراءِ إلى هذا الموضعِ البعيدِ في ليلة (4).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1- المغازي للواقديّ ج1ص385.

2- التبصرةُ ج2ص34.

3- الجامعُ لأحكامِ القرآن ج4ص137.

4- التسهيلُ لعلومِ التنزيل ج1ص440.