هل أمر معاوية سعد بن أبي وقاص بسبّ الامام علي (ع)؟

هل صحيح أنَّ معاوية لم يأمر سعد بن أبي وقاص بسبِّ علي بن أبي طالب على ما جاء في شرح النووي على صحيح مسلم؟

: السيد أبو اَلحسن علي الموسوي

الجواب:

بسم الله الرحمن الرحيم

في بادئ الأمر لا بٌدَّ من عرض رواية مسلم وتعليق النوويّ عليها، ثُمَّ مناقشتها وَفْقاً لموازين أهل العلم. فأقول:

أخرج مسلم بإسناده إلى عامر بن سعد بن أبي وقاص، عن أبيه قال: «أمر معاوية بن أبي سفيان سعداً فقال: ما منعك ‌أن ‌تسبّ أبا التراب؟ فقال: أما ما ذكرت ثلاثاً قالهن له رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلم) فلن أسبه، ...» [صحيح مسلم رقم الحديث (2404) الطبعة التركيّة].

وقد علّق النوويّ على هذا الخبر قائلاً: (قوله: «إنّ معاوية قال لسعد بن أبي وقاص ما منعك ‌أنْ ‌تسبّ أبا تراب» قال العلماء: الأحاديث الواردة التي في ظاهرها دخلٌ على صحابيّ يجب تأويلها، قالوا: ولا يقع في روايات الثقات إلّا ما يمكن تأويله، فقول معاوية هذا ليس فيه تصريح بأنّه أمر سعدا بسبّه، وإنّما سأله عن السبب المانع له من السبّ، كأنّه يقول: هل امتنعت تورّعاً أو خوفاً أو غير ذلك، فإنْ كان تورّعاً وإجلالاً له عن السبّ فأنت مصيب محسن، وإنْ كان غير ذلك فله جواب آخر، ولعلّ سعداً قد كان في طائفةٍ يسبّون فلم يسبّ معهم وعجز عن الإنكار وأنكر عليهم فسأله هذا السؤال، قالوا: ويحتمل تأويلاً آخر: أنّ معناه: ما منعك أن تخطّئه في رأيه واجتهاده، وتُظهِر للناس حسن رأينا واجتهادنا، وأنّه أخطأ) [شرح النوويّ على مسلم ج15 ص175].

ويلاحظ على ما أورده النوويّ ما يليّ:

أوّلاً: أنّ مَنْ يُدقّق في عبارة النوويّ سيعرف أنّه مُقرٌّ - ضمناً - بأنّ معاوية أمر سعداً بسبِّ أمير المؤمنين (ع)؛ بقرينة قوله: (قال العلماء: الأحاديث الواردة التي في ظاهرها دَخْلٌ على صحابيٍّ يجب تأويلها...). فهو - إذنْ - يقرُّ بأنّ ظاهر الحديث فيه دَخْلٌ (أيْ عيب على معاوية)، فهو يعترف بدلالة الحديث على أمر معاوية سعداً بسبّ أمير المؤمنين (عليه السلام)، غاية الأمر أنّه التجأ إلى تأويل ذلك، فحمل العبارة تارةً على مجرّد الاستفهام - وستأتي مناقشته -، وتارةً أخرى على أنّ المراد بالسبّ هو التخطئة في الرأي والاجتهاد، أي: ما منعك أن تخطّئه في رأيه واجتهاده، فقام بتفريغ معنى (السبّ) – الذي هو التنقيص – وتحميله معنى (التخطئة)، فبالنتيجة هو يقرّ بالسبّ إلّا أنّه يحرّف معناه للتخطئة.

ثانياً: أنّ النوويّ لَـمّا انتقل إلى التأويل دفاعاً عن معاوية بسبب ما قاله العلماء آنفاً، لجأ إلى التدليس والتلبيس على القارئ، وذلك لمّا جعل معاوية كأنّه في مقام سؤالٍ واستفهامٍ لسعد بن أبي وقاص فقط، وذلك بقوله: (إنّ معاوية قال لسعد بن أبي وقاص: ما منعك ‌أنْ ‌تسبّ أبا تراب)، في حين أنّ ما جاء في صدر الخبر هو: (أمر معاوية بن أبي سفيان سعداً) بالسبِّ، أيْ: هناك أمرٌ صادرٌ من معاوية، وليس مجرّد الاستفهام، فمعنى الخبر: أنّ معاوية أصدر أمراً - باعتباره حاكماً - لسعدٍ بسبِّ أمير المؤمنين (ع)، فامتنع سعدٌ من هذا الفعل الشنيع، فاستفهم منه عن علّة عدم سبّه وامتثاله لأمره؟!

ويؤيّد ذلك عدّة أمورٍ منها:

1- ما جاء في الرياض النضرة مصرّحاً بذلك، فقد روى بسنده عن سعد قال: «أمر ‌معاوية ‌سعداً أن يسبّ أبا تراب فقال: أمّا ما ذكرت ثلاثا قالهنّ رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) فلن أسبّه ...» [الرياض النضرة ج3 ص152].

2- ما ذكره أبو العبّاس القرطبيّ بقوله: (و«قول معاوية لسعد بن أبي وقاص: ما منعك أن تسبَّ أبا تراب» يدلُّ: على أنّ مقدّم بني أميَّة كانوا يسبُّون عليّاً وينتقصونه، وذلك كان منهم لما وقر في أنفسهم من أنّه أعان على قتل عثمان، وأنّه أسلمه لمن قتله، بناءً منهم على أنّه كان بالمدينة، وأنّه كان متمكّنًا من نصرته. وكلّ ذلك ظنٌّ كذب، وتأويل باطل، غطَّى التعصُّب منه وجه الصَّواب) [المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم ج6 ص272].

3- وما ذكره أبو المعاليّ المُناويّ بقوله: (رواه مسلم والترمذيّ كلاهما في الفضائل من حديث سعد بن أبي وقاص في حديث طويل يتعلّق: بأمر ‌معاوية ‌سعداً أن يسبّ أبا تراب، ولم يخرجه البخاريّ) [كشف المناهج والتناقيح ج5 ص301].

4- وما ذكره أبو الحسن السنديّ بقوله: (قوله: «فنال منه»، أَيْ: نال معاوية من عليّ، ووقع فيه وسبّه، بل أمر سعداً بالسبِّ كما قيل في مسلم والترمذيّ) [كفاية الحاجة في شرح سنن ابن ماجه ج1 ص58].

5- وما ذكره الهرريّ بقوله: («قال» سعد بن أبي وقاص: «قدم معاوية» بن أبي سفيان من الشام إلى المدينة «في بعض حجّاته» التي حجّ بها، «فدخل» سعد بن أبي وقاص، وفيه وفيما بعده التفات من التكلّم إلى الغيبة «عليه سعد» أي: على معاوية بن أبي سفيان، وعنده ناس يتحدّثون معه، «فذكروا» أي: ذكر الناس الذين كانوا عنده «عليّ» بن أبي طالب، «فنال» معاوية «منه» أي: من عليّ، ووقع فيه وسبّه، بل أمر سعداً بالسبّ له، كما روي في مسلم والترمذيّ...) [شرح سنن ابن ماجه ج1 ص411].

6ـ وما ذكره محمّد الأمين بن عبد الله الأرميّ، إذْ قال: («قال» عامر بن سعد: «أمر معاوية بن أبي سفيان» الأمويّ الشاميّ، الخليفة المشهور «سعداً» بن أبي وقاص، أي: أمره بسبّ عليّ بن أبي طالب، فأبى سعد أن يسبّ عليّاً «فقال» معاوية بن أبي سفيان لسعد: «ما منعك» يا سعد «أن تسبّ أبا التراب» عليّ بن أبي طالب حين أمرتك أن تسبّه، وأبو التراب كنية عليّ بن أبي طالب كنّاه به النبيّ (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) حين نام في تراب المسجد النبويّ وأيقظه فقال له: «قم أبا التراب، قم أبا التراب») [الكوكب الوهّاج في شرح صحيح مسلم بن الحجّاج ج 23 ص444].

7- وما ذكره الدكتور موسى شاهين لاشين، إذْ قال: («أمر معاوية بن أبي ‌سفيان ‌سعداً» المأمور به محذوف، لصيانة اللّسان عنه، والتقدير: أمره بسبّ عليّ، وكان سعد قد اعتزل الفتنة... «فقال: ما منعك أن تسبّ أبا التراب؟» معطوف على محذوف، والتقدير: أمر ‌معاوية ‌سعداً أن يسبّ عليّا، فامتنع، فقال له: ما منعك؟ ويحاول النوويّ تبرئة معاوية من هذا السوء، فيقول: (قال العلماء: الأحاديث الواردة التي في ظاهرها دخلٌ على صحابيّ يجب تأويلها، قالوا: ولا يقع في روايات الثقات إلّا ما يمكن تأويله، فقول معاوية هذا ليس فيه تصريح بأنّه أمر سعدا بسبّه وإنّما سأله عن السبب المانع له من السبّ، كأنّه يقول هل امتنعت تورّعاً؟ أو خوفاً؟ أو غير ذلك؟ فإنْ كان تورّعاً وإجلالاً له عن السبّ، فأنت مصيب محسن، وإنْ كان غير ذلك فله جواب آخر، ولعلّ سعداً كان في طائفة يسبّون، فلم يسبّ معهم وعجز عن الإنكار عليهم، فسأله هذا السؤال قالوا: ويحتمل تأويلاً آخر أنّ معناه: ما منعك أن تخطّئه في رأيه واجتهاده؟ وتظهر للناس حسن رأينا واجتهادنا، وأنّه أخطأ) اهـ. وهذا تأويل واضح التعسّف والبعد، والثابت أنّ معاوية كان يأمر بسبّ عليّ، وهو غير معصوم، فهو يخطئ، ولكنّنا يجب أن نمسك عن انتقاص أيٍّ من أصحاب رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم)، وسبُّ عليّ في عهد معاوية صريحٌ في روايتنا التسعة) [فتح المنعم شرح صحيح مسلم ج9 ص332].

نكتفي بهذا القدر، والحمد لله أوّلاً وآخراً.