أهل البيت في الكتب السماويَّة

هل صحيح أنّ أهل البيت تم ذكرهم في الكتب السماويَّة السابقة مثل التوراة والإنجيل؟ وما هو الدليل على ذلك إنْ وُجد؟

:  الشيخ أمير المسعودي

الجواب

من المهم الإشارة إلى أنّ الكتب السماويَّة السابقة - كالتوراة والإنجيل - قد تعرّضت للتحريف على يد المخالفين، وهو أمرٌ قام عليه إجماع المسلمين، وتشير إليه العديد من الآيات القرآنيّة. وتؤكّد ذلك رواياتٌ واردةٌ عن أهل البيت (عليهم السلام) حيث استدلّوا على أتباع الديانات الأخرى بنصوصٍ وردت في كتبهم، ولا نجد تلك النصوص في النسخة المطبوعة منها، فهذه الروايات تُعد بمثابة وثائق تاريخيَّةٍ تدعم فكرة وقوع التحريف بهدف إخفاء الحقائق الواضحة التي وردت فيها.

يقول الله تعالى في كتابه الكريم: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُون}[البقرة: 146]، توضّح هذه الآية حقيقةً جوهريّة، وهي أنّ صفات النبيّ محمّد (صلى الله عليه وآله وسلّم) - سواء الروحيّة أو الجسديّة - كانت واضحةً ومذكورةً في الكتب السابقة بشكلٍ دقيقٍ، إلى درجة أنّ أهل تلك الكتب كانوا يعرفونه كما يعرفون أبناءهم. وقد كان اليهود والنصارى قبل بعثته على علمٍ بهذه العلامات الواضحة في كتبهم، وكانوا ينتظرون ظهوره ليكون لهم نصيرًا في مواجهة أعدائهم بفضل ما يتمتّع به من قوّةٍ وحكمةٍ وروحانيّة.

ويضيف القرآن الكريم في بيان هذه الحقيقة قوله تعالى: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ...} [الأعراف: 157]، مشيراً بذلك إلى أنّ أوصاف النبيّ الأميّ كانت مكتوبةً بوضوح في التوراة والإنجيل.

وورد في سورة الصف: {وَإِذْ قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يا بَنِي إِسْرائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ} [الصف: 6]، وتشير هذه الآية إلى قول عيسى بن مريم لبنيّ إسرائيل، حيث أوضح أنّه رسول الله المصدِّق لما جاء في التوراة من قبله، كما بشّر برسول يأتي من بعده اسمه أحمد.

وجاء في روايةٍ مشهورةٍ: أنّ يهوديّاً جاء إلى الإمام علي (عليه السلام) وسأله: «ما اسم محمّد ابن عمّك، وما اسمك، وما أسماء أولادك في التوراة؟ فأجابه الإمام (عليه السلام): في التوراة، اسم محمّد صلّى الله عليه وآله هو (طاب طاب)، واسمي (إيليا)، وأسماء أولادي (شبّر وشبير). وما إن سمع اليهوديّ هذا الجواب حتّى أعلن إسلامه على الفور، ناطقاً بالشهادتين ومقرًّا بوحدانيّة الله ورسالة النبيّ محمّد صلّى الله عليه وآله، ثمّ شهد بوصاية وولاية الإمام عليّ عليه السلام» [الثاقب في المناقب ص207].

ومن هذا الحديث يظهر أنّ الإمام عليَّاً (عليه السلام) كان مذكوراً بوضوحٍ في التوراة باعتباره خليفةً ووصيَّاً للنبيّ محمّد (صلّى الله عليه وآله). ولو لم يكن الأمر كذلك؛ لما كان هذا الجواب كافياً لإقناع اليهوديّ ودخوله في الإسلام بهذه السرعة.

وقد ورد في بعض الروايات أنّ أسماء الأئمة الاثني عشر من أهل البيت (عليهم السلام) كانت مذكورة في التوراة باللّغة العبريّة، حيث أُشير إلى أسمائهم بعباراتٍ رمزيّةٍ؛ ومن ذلك: «ميذميذ (محمّد المصطفى) إيليا (عليّ المرتضى) قيذور (الحسن المجتبى) إيرييل (الحسين الشهيد) مشفور (زين العابدين) مسهور (محمّد الباقر) مشموط)جعفر الصادق) ذومرا )موسى الكاظم) هذاد )عليّ بن موسى الرضا) تيمورا )محمّد التقي) نسطور (عليّ النقي) نوقش (الحسن العسكريّ) قديمونيا (محمّد بن الحسن المهديّ صاحب الزمان عجل الله فرجه)» [ينظر: عيون أخبار الرضا ج2 ص147].

كما يُروى أنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) قال في خطبةٍ له بالكوفة: «أنا إيليا الإنجيل»، مؤكّداً بذلك ذكر اسمه وفضائله في الكتب السماويَّة السابقة [ينظر: ينابيع الموّدة ج3 ص207]، وقد احتجّ الإمام الرضا (عليه السلام) على الجاثليق بمواضع من كتبهم فأسكته [ينظر: الخرائج و الجرائح ج1 ص344-346].

وقد ذكر فخر الإسلام: أنّه رأى في إحدى الأناجيل المخطوطة قبل الإسلام، المكتوبة بقلمٍ على جلدٍ في مكتبة بعض النصارى البروتستانت في مدرستهم، ما يأتي: في جزءٍ من وصايا المسيح إلى شمعون بطرس، كُتب هكذا: «يا شمعون! الله قال لي: أوصيك بسيّد المرسلين وحبيبي أحمد، صاحب الجمل الأحمر، ووجهه كالقمر، وقلب طاهر، وقوة بدنيّة عظيمة. هو أعظم أبناء آدم، ورحمة للعالمين، ونبي أمّي عربيّ. يا عيسى! قل لبني إسرائيل أن يصدّقُوه ويؤمنوا به. فقلت: (يا إلهي، من هو هذا العظيم؟) فقال الله: يا عيسى! هو محمّد رسول الله إلى العالمين. طوبى لهذا النبيّ، وطوبى للذين يسمعون كلامه ويتبعونه. بعد ستمائة وعشر سنوات منك، سأبعثه رسولًا» [أنيس الأعلام ج2 ص99]

فهذه العبارة مكتوبةٌ بالسريانيّة، وتوضّح إشارة إلى النبيّ محمّد (صلّى الله عليه وسلم) في نصٍّ مسيحيٍّ قديم، وفقًا لما ذكره فخر الإسلام.

ومع ذلك، فقد قام بعض الباحثين بجمع عددٍ من الشواهد من التوراة والإنجيل المتوفّرة التي بين أيدينا في العصر الحاضر، تُشير إلى ذكر أهل البيت (عليهم السلام). نذكر فيما يلي بعضًا منها:

1- ورد في سفر التكوين و هو أوّل كتاب من التوراة (17: 20) حيث يقول الله: (20) «وَأَمَّا إِسْمَاعِيلُ فَقَدْ سَمِعْتُ لَكَ فِيهِ. هَا أَنَا أُبَارِكُهُ وَأُثْمِرُهُ وَأُكَثِّرُهُ كَثِيرًا جِدًّا. اِثْنَيْ عَشَرَ رَئِيسًا يَلِدُ، وَأَجْعَلُهُ أُمَّةً كَبِيرَةً»، ولا شكّ أنّ هؤلاء الاثني عشر قائداً، الذين تُرجمت كلمتهم أحيانًا إلى (أئمّة)، لا يمكن أن يكونوا إلّا الأئمّة الاثني عشر الذين ينحدرون من نسل إسماعيل. ولم يتمكّن أيُّ أحدٍ سواء من اليهود أو غيرهم، من تقديم تفسيرٍ آخر لهذا النصّ.

2- في إنجيل يوحنا، يتحدّث السيّد المسيح (عليه السلام) عن مجيء شخصٍ بعدَه يُدعى (بارقليطا) أو (بيريكليطوس)، ويصفه بأنّه رئيس العالم وشرعه أبديّ. في الإصحاح 14، الآية 16، يقول المسيح: «وانَا بِتْ طالبِن مِنْ بَبِى وَخينَ پارقَليطا بِتْ يَبِلْ لُوخُونْ هَلْ ابَدْ». [النصّ بالسريانيّ].

3- وفي الإصحاح 15، الآية 26، يقول: «ايْنَ ايْمِنْ داتَىِ پارقَليطا هُودِ انَا شادوِرِون لِكِسْلَوْخُونْ مِنْ لِكِسْ بَبِىْ رُوخادِ سَرَسْتُوتا هَوْ دِمِنْ لِكِس بَبِّى پالِتْ هَوْبِتْ يَبِل سَهُدوتْ بَسْ دِيّى». بمعنى: وعندما يأتي "البارقليط" الذي سأرسله إليكم من عند الآب، وهو روح الحقّ الذي ينبثّق من الآب، فإنّه سيشهد لي.

كلمة (بارقليطا) هي ترجمة ٌللكلمة اليونانيّة (بيريكليطوس)، والتي تعني (المحمود جدًا) أو (المشهور بلا حدود)، وتُترجم في العربيّة إلى (محمّد) أو (أحمد).

4- في كتاب إدريس، ورد أنّ آدم سأل ربه: «يا ربّ! من هؤلاء الأنوار العظيمة الجليلة؟» فأجابه الله: «هؤلاء هم أشرف مخلوقاتي، وهم الوسيط بيني وبين باقي الخلائق. لولا هم، لما خلقتك ولا السماوات ولا الأرض ولا الجنّة ولا النار ولا الشمس ولا القمر». فقال آدم: «يا ربّ، ما أسماؤهم؟» فأمره الله أنْ ينظر إلى ساق العرش، فلما نظر رأى هذه الأسماء الخمسة مكتوبة: "بارقليطا" (محمد)، "إيليا" (علي)، "طيطا" (فاطمة)، "شبر" (الحسن)، "شبير" (الحسين). و أيضًا مكتوب: »هَليلُوهْ لِتْ الَهَ شُوقْ مِنّى (محمّد صلى الله عليه و آله) انِوّى دِالَهَ « بمعنى: يا مخلوقاتي! سبّحوني، فإنّه لا إله غيري، ومحمّدٌ ﷺ رسوليّ. [راجع: بشارات العهدين:230]

5- في إنجيل برنابا-الذي قد أشكل في صحته لعلّ لهذا النصّ الصريح-، كُتب: «عندما خرج آدم وحواء من الجنة، رأيا مكتوبًا فوق باب الجنة: لا إله إلّا الله، محمّد رسول الله.» [إنجيل برنابا:41/33]

6- كما ورد في إنجيل برنابا: «الحقّ أقول لكم، إنّ ابن إبراهيم هو إسماعيل، ومن نسله سيأتي المسيا (النبيّ محمّد)، الذي وعد الله إبراهيم أن تتبارك به جميع قبائل الأرض.» [إنجيل برنابا:208/7، بشارات العهدين:214]

و للمزيد يراجع: (افتخار الإسلام على سائر الأديان) للشيخ محمّد صادق فخر الإسلام، و(بشارات العهدين) لمحمد صادقي، و(الكتاب المقدّس تحت المجهر) لعودة مهاوش، و(أهل البيت في الكتاب المقدس) لكاظم النصيريّ الواسطيّ.