لماذا الإمامةُ أفضلُ منَ النّبوّةِ؟
ابو سلمان/: السّلامُ عليكُم ورحمةُ اللهِ وبركاتهُ، الرّافضيّ يعتقدُ أنَّ الأئمّةَ أفضلُ منَ الأنبياءِ عدا النّبيَّ عليهِم الصّلاةُ والسّلامُ. السّؤالُ هوَ: مَا هيَ الميزةُ الموجودةُ في النّبيّ ولا توجدُ في الأئمّةِ وبهَا تفضَّلَ عليهِم صلّى اللهُ عليهِ وسلّمَ؟
الأخُ ابو سلمانَ المحترمُ، عليكمُ السّلامُ ورحمةُ اللهِ وبركاتهُ
هذا التّفضيلُ للإمامةِ على النّبوّةِ ليسَ مِن عندِنَا بَل منَ الله ِعزَّ وجلَّ، فالإمامةُ منصبٌ إلهيٌّ كالنّبوّةِ، وقَد أعطيَتْ لنبيِّ اللهِ إبراهيمَ (عليهِ السّلامُ) بعدَ إعطائهِ النّبوّةَ بصريحِ قولهِ تعالى: {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِين}. البقرةُ: 122، فهذا التّكليفُ بالإمامةِ لإبراهيمَ (عليهِ السّلامُ) جاءَ بعدَ إعطائهِ للذّريّةِ لأنّهُ سألَ الإمامةَ لذريّتهِ أيضاً، وهوَ (عليهِ السّلامُ) قد أعطيَ الذّريّةَ عندمَا صارَ شيخاً كبيراً، كمَا يشيرُ إليهِ قولهُ تعالى: {قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ}. هود: 72، بينمَا النّبوّةُ جاءتْهُ في فتوّتهِ، كمَا قالَ تعالى: {قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ}. الأنبياءُ: 60.
فبلحاظِ النّصِّ المتقدّمِ نفهمُ أنَّ الإمامةَ الإلهيّةَ أفضلُ منَ النّبوّةِ؛ لأنَّ التّكليفَ والتّشريفَ بالأدنى لا يليقُ بعدَ الحصولِ على الأعلى، فاللهُ سُبحانهُ قَد كلّفَ وشرّفَ إبراهيمَ (عليهِ السّلامُ) بهذهِ الإمامةِ بعدَ النّبوّةِ بعدَ إبتلاءٍ وامتحانٍ، فهوَ منصبُ اسْتحقاقٍ بعدَ اخْتبارٍ، فتكونُ الإمامةُ مَنزلةً جديدةً لإبراهيمَ (عليهِ السّلامُ) تُضافُ لمنازلهِ السّابقةِ منَ النّبوّةِ وغيرِهَا.
يبقى الكلامُ، هَل هذهِ الإمامةُ الإلهيّةُ - التي مَنزلتُهَا أعلى منَ النّبوّةِ - كانَت مِن نصيبِ أئمّةِ أهلِ البيتِ (عليهِمُ السّلامُ) أو لا؟
الجوابُ : لقَد أجابَ المولى سبحانَهُ على سؤالِ إبراهيمَ (عليهِ السّلامُ) حينَ سألهُ: {وَمِنْ ذُرِّيَّتِي}؟، فقالَ تعالى: {لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِين}، أي أنَّ هذهِ الإمامةَ لن تكونَ مِن نصيبِ الظّالمينَ مِن ذريّتكَ يا إبراهيمُ، ومنَ المعلومِ أنَّ حصولَ معصيةٍ واحدةٍ منَ الإنسانِ يُعدُّ ظلماً لنفسهِ أو لربّهِ أو لغيرهِ، فلا يكونُ مشمولاً بهذهِ الإمامةِ الإلهيّةِ، فهيَ مُختصّةٌ بالمعصومينَ مِن ذريّةِ إبراهيمَ (عليهِم السّلامُ)، كمَا أنّهَا - أي هذهِ الإمامةُ الإلهيّةُ - لا تختصُّ بالذّريّةِ القريبةِ لمحلِّ اسْمِ الجنسِ المُضافِ في كلمةِ (ذُرِّيَّتِي) الذي يفيدُ العمومَ، جاءَ فِي تفسيرِ البحرِ المُحيطِ لأبي حيّانٍ الأندلسيّ: (وإنّمَا الذّريّةُ والوليُّ إسما جنسٍ يقعانِ للواحدِ فمَا زادَ). [تفسيرُ البحرِ المحيطِ 2:463].
وجاءَ عَن عضدِ الدّينِ الإيجيّ: "ثمَّ الصّيغةُ الموضوعةُ لهُ. أي للعمومِ عندَ المُحقّقينَ هيَ هذهِ:
فمنهَا: أسماءُ الشّرطِ والاسْتفهامِ، نحوَ: مِن ومَا ومَهمَا وأينمَا.
ومنهَا: الموصولاتُ، نحوَ: مَن ومَا والذي.
ومنهَا: الجموعُ المُعرَّفةُ تعريفَ جنسٍ لا عهدٍ، والجموعُ المضافةُ نحوَ: العلماءُ وعلماءُ بغدادَ.
ومنهَا اسْمُ الجنسِ كذلكَ. أي مُعرّفاً تعريفَ جنسٍ، أو مُضافاً". [شرحُ مختصَرِ الأصولِ 2: 102]، فهيَ تشملُ الذّريّةَ البعيدةَ أيضاً لإبراهيمَ (عليهِ السّلامُ) فيدخلُ فيهَا محمّدٌ وآلهُ الطّاهرونَ.
وقَد فسّرَ المُفسِّرونَ قولهُ تعالى: {وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ}. الزّخرف: 28، بالنّبيِّ محمّدٍ (صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلّمَ) وأهلِ بيتهِ (عليهِمُ السّلامُ). [انظُر تفسيرَ الطّبريّ 25:82]، فهُم إذن مشمولونَ بآيةِ الإمامةِ السّابقةِ، وهُم - أيضاً - مِمَّن ثبتَتْ عصمتهُم بمُقتضَى حديثِ الثّقلينِ الذي قرنَهُم بالقرآنِ الكريمِ وأنّهُم لا يفارقونَ القرآنَ ولا يفارقونهُ إلى يومِ القيامةِ، والذي لا يُفارقُ القرآنَ ولا يفارقهُ يكونُ معصوماً جزماً؛ لأنَّ القرآنَ لا يأتيهِ الباطلُ مِن بينِ يديهِ ولا مِن خلفهِ فكذلكَ حُكمُ مَن يكونُ عِدْلاً لهُ.
قالَ النّبيُّ (صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلّمَ): {إنِّي تاركٌ فيكُم خليفتينِ: كتابَ اللهِ، حبلٌ ممدودٌ مَا بينَ الأرضِ والسّماءِ، وعِترتي أهلَ بيتِي، وإنّهمَا لنْ يتفرّقا حتّى يَردا عليَّ الحوضَ}. [صحيحُ الجامِعِ الصّغيرِ للألبانيّ 1: 482، مسندُ أحمدَ بنِ حنبلٍ، برقمِ: 21654، تصحيحُ شعيبٍ الأرنؤوط].
والنّتيجةُ: أنّ هؤلاءِ الخلفاءَ أو الأئمّةَ - لا فرقَ بينَ الإمامةِ والخلافةِ فالمعنَى واحدٌ فإنَّ الخليفةَ في اللّغةِ هوَ الإمامُ الذي ليسَ عليهِ إمامٌ - المُنصّبينَ منَ اللهِ ورسولهِ (صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلّمَ) بنصِّ حديثِ الثّقلينِ، هُم مصاديقُ الإمامةِ الإبراهيميّةِ التي جعلهَا اللهُ سبحانهُ في ذريّةِ إبراهيمَ المعصومينَ حصراً ولم يجعلهَا في الظّالمينَ وهُم أفضلُ منَ الأنبياءِ بشهادةِ القرآنِ نفسهِ.
وتوجدُ عندنَا أدلّةٌ أخرى أيضاً على أفضليّةِ الأئمّةِ على الأنبياءِ، ففِي القرآنِ الكريمِ تجدُ قولهُ تعالى في آيةِ المباهلةِ: (قُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ)(آل عمران:61)، ومنَ الثّابتِ بإجماعِ المسلمينَ أنّهُ لم يخرُجْ للمباهلةِ سِوى رسولِ اللهِ (صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلّمَ) وعليٌّ وفاطمةُ والحسنُ والحسينُ (عليهِم السّلامُ).
فإذا كانَ لفظُ (أَبْنَاءَنَا) ينطبِقُ على الحَسنينِ (عليهِمَا السّلامُ)، ولفظُ (َنِسَاءَنَا) ينطبقُ على الزّهراءِ (عليهَا السّلامُ)، يبقى لفظُ (أَنْفُسَنَا) ينطبقُ على عليٍّ أميرِ المؤمنينَ (عليهِ السّلامُ)، فيكونُ هوَ نفسُ رسولِ اللهِ (صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلّمَ) بنصِّ هذهِ الآيةِ المباركةِ، فيثبتُ لهُ منَ المنازلِ والمناقبِ ما ثبتَ لرسولِ اللهِ (صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلّمَ) خلا النّبوّةَ، لمحلِّ القطعِ بعدمِ وجودِ نبيٍّ بعدَهُ (صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلّمَ)، ومِن منازلِ النّبيّ (صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلّمَ) أنّهُ أفضلُ مِن بقيّةِ الأنبياءِ مِنْ أولي العزمِ (صلواتُ اللهِ عليهِم) (لِمَا وردَ مِن أحاديثَ صحيحةٍ أنّهُ سيّدُ البشرِ وسيّدُ ولدِ آدمَ. صحيحُ البخاريّ 6: 223، صحيحُ مسلمٍ 7: 59)، فيثبتُ هذا المقامُ لعليٍّ (عليهِ السّلامُ) أيضاً.
ومِن أدلّتنَا على أفضليّةِ الأئمّةِ (عليهِمُ السّلامُ) على الأنبياءِ صلاةُ عيسَى (عليهِ السّلامُ) خلفَ المهديِّ مِن عترةِ النّبيّ (صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلّمَ).
فقَد جاءَ في صحيحِ البخاريّ:
(قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كَيْفَ أَنْتُمْ إِذَا نَزَلَ ابْنُ مَرْيَمَ فِيكُمْ، وَإِمَامُكُمْ مِنْكُمْ»، تَابَعَهُ عُقَيْلٌ، وَالأَوْزَاعِيُّ)[ صحيحُ البخاري 4: 168].
وجاءَ في صحيحِ مسلمٍ -كتابُ الإيمانِ- بابُ نزولِ عيسَى (عليهِ السّلامُ):
(قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كَيْفَ أَنْتُمْ إِذَا نَزَلَ ابْنُ مَرْيَمَ فِيكُمْ وَإِمَامُكُمْ مِنْكُمْ؟»)[صحيح مسلم 1: 136 ].
وفي مُسندِ أحمدَ:
(عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "كَيْفَ بِكُمْ إِذَا نَزَلَ فِيكُمْ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَإِمَامُكُمْ مِنْكُمْ؟") [ مسندُ أحمد 14، : 152].
وفي مُسندِ أحمدَ:
(...فَإِذَا هُمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ، فَتُقَامُ الصَّلَاةُ، فَيُقَالَ لَهُ: تَقَدَّمْ يَا رُوحَ اللهِ، فَيَقُولُ: لِيَتَقَدَّمْ إِمَامُكُمْ فَلْيُصَلِّ بِكُمْ...) [ المصدرُ السّابق، ج23، ص212].
وعنِ ابنِ ماجةَ - كتابُ الفتنِ – بابُ فتنةِ الدّجّالِ وخروجِ عيسَى (عليهِ السّلامُ):
(وَإِمَامُهُمْ رَجُلٌ صَالِحٌ، فَبَيْنَمَا إِمَامُهُمْ قَدْ تَقَدَّمَ يُصَلِّي بِهِمُ الصُّبْحَ، إِذْ نَزَلَ عَلَيْهِمْ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ الصُّبْحَ، فَرَجَعَ ذَلِكَ الْإِمَامُ يَنْكُصُ، يَمْشِي الْقَهْقَرَى، لِيَتَقَدَّمَ عِيسَى يُصَلِّي بِالنَّاسِ، فَيَضَعُ عِيسَى يَدَهُ بَيْنَ كَتِفَيْهِ، ثُمَّ يَقُولُ لَهُ: تَقَدَّمْ فَصَلِّ، فَإِنَّهَا لَكَ أُقِيمَتْ، فَيُصَلِّي بِهِمْ إِمَامُهُم...). [سننُ ابنِ ماجةَ 2: 1359].
وجاءَ عَنِ ابنِ حجرٍ في "فتحِ الباري": (تَوَاتَرتْ الْأَخْبَارُ بِأَنَّ الْمَهْدِيَّ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَأَنَّ عِيسَى يُصَلِّي خَلْفَهُ). [فتحُ الباري شرحُ صحيحِ البخاريّ لابنِ حجرٍ 6: 494] .
فهذهِ هيَ أدلّتنَا على أفضليّةِ الأئمّةِ (عليهِمُ السّلامُ) على الأنبياءِ (عليهِمُ السّلامُ)، جئنَا بهَا منَ القرآنِ الكريمِ ومِنَ الأحاديثِ الصّحيحةِ المتواترةِ عندَ أهلِ السّنّةِ أنفسهِم قبلَ الشّيعةِ.
يبقَى الكلامُ، مَا هيَ الميزةُ الموجودةُ فِي الإمامةِ الإلهيّةِ بحيثُ جعلهَا اللهُ عزّ وجلَّ أفضلَ منَ النّبوّةِ؟
الجوابُ: النّبوّةُ والرّسالةُ تعنِي التّبليغَ فقَط، بينمَا الإمامةُ تعنِي الوصولَ بالنّاسِ إلى المطلوبِ منَ الرّسالةِ، وهذهِ مهمّةٌ كبيرةٌ جدّاً، فهيَ تهتمُّ - بالإضافةِ إلى بيانِ الرّسالةِ وتوضيحِ أحكامِهَا - بتطبيقِ الرّسالةِ ومتابعةِ تطبيقِهَا منَ النّاسِ، ومنَ الواضحِ جدّاً أنَّ الرّسالةَ لا قيمةَ لهَا إذا لم يجرِ تطبيقُها على أرضِ الواقعِ بشكلٍ صحيحٍ.
فانظُر إلى قولهِ تعالى عندَ ذكرهِ لوظيفةِ الإمامةِ: {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ}. [الأنبياءُ:73].
وانظُر إلى قولهِ تعالى عندَ ذكرهِ لوظيفةِ النّبوّةِ والرّسالةِ: { قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ، وَمَا عَلَيْنَا إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ}. [يس: 16و17]، والفرقُ واضحٌ بينَ المهمّتين.
ودُمتُم سالِمينَ.
اترك تعليق