ما الفرقُ بينَ الأصوليّةِ اليهوديّةِ والأصوليّةِ الصهيونيّةِ مِن حيثُ المنظور اللّاهوتي ؟
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :
مُصطلحُ الأصوليّة يشيرُ في العادةِ إلى حالةٍ منَ التديّنِ الصّلبِ والمُتزمّتِ، وتتّسعُ دلالةُ المُصطلحِ لتشملَ كلَّ جماعةٍ تربطها أدبيّاتٌ على نحوٍ فيهِ صرامةٌ وتشدّدٌ، وعليهِ فإنَّ الجماعةَ الأصوليّةَ هي الجماعةُ التي تجعلُ معتقداتِها الخاصّةَ معياراً للحقيقةِ وأساساً لمواقفِها السياسيّةِ والاجتماعيّة، وهكذا تمَّ الرّبطُ بينَ الأصوليّةِ وبينَ التطرّفِ بكلِّ أشكالِه وتمظهُراتِه، واختصَّ هذا المُصطلحُ بالأديانِ وأصبحَ وصفاً مُرافِقاً لأيّ تفسيرٍ حرفيٍّ للكتبِ المُقدّسة، وقد بدأ هذا المُصطلحُ بالتشكّلِ معَ الأصوليّةِ المسيحيّةِ التي طالبَت بالالتزامِ الصّارمِ ببعضِ العقائدِ اللاهوتيّةِ في قبالِ اللاهوتِ الحداثي، ومِن ثمَّ تطوّرَ كحركةٍ أصوليّةٍ مسيحيّةٍ داخلَ المُجتمعِ البروتستانتي في الولاياتِ المُتّحدةِ في الجُزءِ الأوّلِ منَ القرنِ العشرين، إلّا أنَّ المُصطلحَ توسّعَ ليكونَ هناكَ أصوليّةٌ يهوديّةٌ وإسلاميّة وبوذية وغيرُ ذلك، والسببُ في ذلكَ هوَ اختزانُ المُصطلحِ لدلالةٍ مفهوميّةٍ يمكنُ إسقاطها على أيّ دينٍ وعلى أيّ جماعةٍ، فمثلاً في اليهوديّةِ يمكنُ إيجادُ المُستندِ اللاهوتيّ الذي يجعلُ منهم جماعةً أصوليّةً بامتياز، فالنصوصُ المُقدّسةُ في التّوراةِ وما تحمله من وصايا للشعبِ اليهودي تفرضُ عليهم حالةً منَ الانكفاءِ على الذّاتِ وشعوراً زائداً بامتلاكِ الحقيقةِ الإلهيّة، الأمرُ الذي يولّدُ انعزالاً وتقوقعاً خوفاً من المؤثّراتِ الخارجيّة، ويتّضحُ ذلكَ في بعضِ النّصوصِ التي تصفُ علاقةَ اليهوديّ بالآخرِ مثلما جاءَ في التلمود (يجبُ تركُ غيرِ اليهودي إذا وقعَ في البئر) ممّا يدلُّ على رغبةٍ قويّةٍ في عدمِ الاعترافِ بغيرِ اليهودي، وجاءَ في نصٍّ آخر: (إذا أقدمَ غيرُ اليهودي على ضربِ يهوديٍّ؛ فإنَّ غيرَ اليهودي يستحقُّ القتلَ، لكن لا يُقتلُ اليهودي إذا قتلَ غيرَ اليهودي، وإذا قتلَ شخصٌ يهوديٌّ شخصاً غيرَ يهودي فإنَّ اليهودي لا يعاقبُ بالقتل، ما يسرقُه مِن غيرُ اليهودي يمكنُه الإحتفاظ به) وكذلكَ (أبناءُ غيرِ اليهود حيواناتٌ وإنَّ بناتِ غيرِ اليهود قذاراتٌ منذ مولدهنَّ) (غرائبُ التلمود، ص 27- 28) وغير ذلكَ من النصوصِ التي تجعلُ اليهودَ أكثرَ عُزلةً وتطرّفاً، وعليهِ فإنَّ الأصوليّةَ اليهوديّة تقومُ على تفسيرٍ لاهوتيٍّ لمبادئ التلمود، أمّا الصهيونيّةُ فهيَ مُصطلحٌ أقربُ إلى الدلالةِ السياسيّةِ منهُ إلى الدلالةِ اللاهوتيّة، فإذا كانَت الأصوليّةُ التقليديّةُ لليهودِ تقومُ على الاعتمادِ على الغيبِ في تحقيقِ مملكتِهم المجيدةِ وإنتصارِهم على شعوبِ العالمِ فإنَّ الأصوليّةَ الصهيونيّةَ تقومُ على تفسيرِ تلكَ النّصوصِ بالاعتمادِ على اليهودِ أنفسِهم، ويتّضحُ ذلكَ مِن خلالِ ما كتبَه بن غوريون بقولِه: (على اليهوديّ، منَ الآنَ فصاعداً، ألّا ينتظرَ التدخّلَ الإلهيَّ لتحديدِ مصيرِه، بل عليهِ أن يلجأ إلى الوسائلِ الطبيعيّةِ العاديّةِ مثلَ الفانتوم والنابالم. فالجيشُ الإسرائيليُّ هوَ خيرُ مُفسّرٍ للتّوراة) وبذلكَ تتحوّلُ الأصوليّةُ مِن بُعدِها الأسطوريّ إلى أيدلوجيا سياسيّة توظّفُ تلكَ الإساطيرَ في بسط ِهيمنتِها على الآخرينَ، وكلُّ ذلكَ يُفسّرُ لنا ما تقومُ به دويلةُ الاحتلالِ الغاشمِ مِن غطرسةٍ في العالم.
وللتوسّعِ في هذا المُصطلحِ والوقوفِ على دلالاتِها وحيثيّاتِه التاريخيّةِ واللاهوتيّة ننصحُ بالرّجوعِ إلى كتابِ (الأصوليّةُ، نماذجُ مُختارةٌ منَ اليهوديّة والمسيحيّة والإسلاميّة) تأليف عامِر عبد زيد كاظم الوائلي، الذي تمَّت طباعتهُ عبرَ المركزِ الإسلاميّ للدّراساتِ الاستراتيجيّة التابعِ للعتبةِ العبّاسيّة المُقدّسة.
اترك تعليق