هل هناك دليل على انّ أجساد الأولياء والمعصومين لا تتفسخ بعد الموت؟

: السيد أبو اَلحسن علي الموسوي

الجواب:

بِسمِ اللهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ

الأخبارُ الواردة في ذلك رويَت على ثلاثِ أنحاء:

الطائفةُ الأولى: دلّت على أنَّ أجسادَ الأنبياءِ والأوصياءِ محرّمةٌ على الأرضِ في قبورهم ، وهي كثيرةٌ جدّاً، ونذكرُ منها ما يلي :

منها: ما رواه الشيخُ الصّدوق في «مَن لا يحضرُه الفقيه» عن الصادقِ -عليهِ السلام- قال: "إنَّ اللهَ عزَّ وجل حرَّمَ عظامنا على الأرضِ وحرَّم لحومنا على الدّود أن تُطعمَ منها شيئاً" (1).

ومنها: ما رواهُ الشيخُ في التهذيب وابنُ قولويه في كاملِ الزيارات بسندٍ عن أبي عبدِ الله -عليهِ السلام-، قال -عليهِ السلام-: "... إذا زرتَ أميرَ المؤمنين -عليهِ السلام- فاعلم أنَّك زائرُ عظامِ آدمَ وبدنِ نوح وجسمَ عليٍّ بنِ أبي طالب -عليهِ السلام-، فقلت: إنَّ آدمَ هبطَ بسرانديب في مطلعِ الشمس وزعموا أنَّ عظامَهُ في بيتِ اللهِ الحرام فكيفَ صارَت عظامُه بالكوفة؟

فقالَ -عليهِ السلام-: إنَّ اللهَ عزَّ وجل أوحى إلى نوحٍ وهو بالسفينةِ أن يطوفَ بالبيِت أسبوعاً فطافَ بالبيتِ كما أوحىَ إليه ثمَّ نزلَ في الماء إلى رُكبتيه فاستخرجَ تابوتاً فيه عظامُ آدم فحملَه في جوفِ السفينة... فأخذَ نوحٌ التابوتَ فدفنَهُ في الغري... فإذا زرتَ جانبَ النجفِ فزُر عظامَ آدم وبدنَ نوح وجسمَ عليّ بنِ أبي طالب -عليهِ السلام-..."(2).

قد ذكروا : أنَّ إبراهيم الديزج قد نبشَ قبرَ الإمامِ الحسين -عليهِ السلام- ، بأمرٍ منَ المتوكّل ، فوجدَه طريّاً ، على باريةٍ جديدة . . .

الطائفةُ الثانية: دلّت على أنَّ أجسادَ الأنبياء والأوصياء تبلى نذكرُ منها ما يلي :

منها: ما رواهُ الشيخ في «التهذيب» أنَّ الإمامَ الصادق -عليهِ السلام- ، قالَ للمُفضلِ بنِ عمر : « إذا أردتَ زيارةَ أميرِ المؤمنين ، فاعلم أنّكَ زائرٌ عظامَ آدم ، وبدنَ نوح ، وجسمَ عليّ بنِ أبي طالب . . » . ثمَّ يذكرُ أنَّ اللهَ تعالى أوحى إلى نوحٍ عليهِ السلام ، أن استخرِج منَ الماء تابوتاً فيه عظامُ آدم ، وأنَّ نوحاً قد فعل ، وأنَّ عظامَ آدم كانَت مع نوحٍ في السفينة ، فلمّا خرجَ منها صيّرَ قبرَه تحتَ المنارةِ التي بمسجدِ النبي . . إلى أن قال : « . . فإذا أردتَ جانبَ النجف ، فزُر عظامَ آدم ، وبدنَ نوح ، وجسمَ عليٍّ بنِ أبي طالب » (٣).

ومنها: ما رواه الشيخُ الصّدوق في عللِ الشرايع: أنَّ الله سبحانَه أوحى إلى النبيّ موسى بنِ عمران -عليهِ السلام- ، أن أخرِج عظامَ يوسف بنِ يعقوب مِن مصر ، فأخرجَه في صندوقٍ من مرمرٍ إلى الشام . . (4).

الطائفة الثالثة: تدلُّ على أنَّ أجسادَ الأنبياء والأوصياء تُرفعُ إلى السماءِ فنذكرُ منها :

قالَ الشيخُ أبو الفتح الكراجكيّ في كنزِ الفوائد: إنّا لا نشكُّ في موتِ الأنبياءِ عليهم السلام، غيرَ أنَّ الخبرَ قد وردَ بأنَّ اللهَ تعالى يرفعُهم بعدَ مماتِهم إلى سمائِه وأنّهم يكونون فيها أحياءَ منعّمينَ إلى يومِ القيامة وليسَ ذلكَ بمستحيلٍ في قدرةِ الله تعالى، وقد وردَ عن النبيّ صلّى اللهُ عليه وآله أنّه قال: أنا أكرمُ على الله مِن أن يدعني في الأرضِ أكثرَ من ثلاث.. (5) .

منها: ما رواهُ الشيخُ في التهذيبِ أنَّ الإمامَ الصّادق -عليهِ السلام- ما مِن نبيٍّ ولا وصيٍّ يبقى في الأرضِ بعدَ موته أكثرَ مِن ثلاثةِ أيّام حتّى تُرفعَ روحُه وعظمُه ، ولحمُه إلى السماء . وإنّما تؤتى مواضعُ آثارهم ، ويبلغُهم السلامُ مِن بعيد ، ويسمعونَه في مواضعِ آثارهم مِن قريب (6) .

ومنها: ما رواهُ الشيخُ المجلسيّ في البحار عن عبدِ اللهِ بن بكير ، بعدَما سألَ الإمامَ الصادق عليهِ السلام عن مسائلَ عديدة ، قلتُ : جُعلتُ فداك ، أخبِرني عن الحسينِ عليهِ السلام ، لو نُبشَ كانوا يجدونَ في قبرِه شيئاً ؟! . .

قال : يا ابنَ بكير ، ما أعظمَ مسائلَك ، إنَّ الحسينَ معَ أبيه ، وأمّه ، وأخيه الحسن ، في منزلِ رسولِ الله صلّى اللهُ عليهِ وآله ، يحيونَ كما يحيى ، ويُرزقونَ كما يُرزق ، فلو نُبشَ في أيّامه ، لوجدوا . وأمّا اليوم فهوَ حيٌّ عندَ ربّه يُرزق ، وإنّه لينظرُ إلى . . (٧).

ومنها: ما رواهُ الكُليني في الكافي بإسنادِه عن أبي عبدِ الله -عليهِ السلام- قال : ما مِن نبيٍّ ولا وصيّ نبي يبقى في الأرضِ أكثرَ مِن ثلاثةِ أيّام حتّى ترفعَ روحُه وعظمُه ولحمُه إلى السّماء وإنّما تؤتى مواضعُ آثارِهم ويبلّغونَهم من بعيدٍ السلامَ ويسمعونهم في مواضعِ آثارِهم مِن قريب (8).

قال العلامةُ المجلسي -رحمه الله- في مرآة العقول " وفيه إشكالٌ من جهة منافاتهِ لكثير من الأخبار الدالة على بقاءِ أبدانهم في الأرض كأخبار نقلِ عظام آدم ، ونوح ، ويوسف عليهم السلام ، وبعض الآثار الواردة بأنهم نبشوا قبرَ الحسين عليه السلام فوجدوه في قبره عليه السلام وغيرها، فمنهم من حملَ أخبار الرفع على أنهم يرفعون بعد الثلاثة ثم يرجعونَ إلى قبورهم، وقيل : لعلها صدرت لنوع من المصلحةِ التورية لقطع أطماع الخوارج الذين كانوا يترصّدون نبش قبورهم ، ويمكنُ حملُ أخبار نبش العظام على أنّ المراد بها نبش الصندوقِ المتشرف بعظامهم وجسدهم ، أو أنّ الله تعالى ردّهم إليها لتلك المصلحة ، أو يقال إنهم لم يرفعوا لعلمهِ تعالى بأنهم سينقلون فيكون مخصوصاً بغيرهم والله يعلم (٩).

قلت: يفهم من هذه الأنحاء الثلاثة الاتي:

أوّلاً: رواياتُ ارتفاعِ الأجسادِ محمولةٌ على التقيّة، حتّى يكون مانعاً للنواصبِ مِن نبشِ قبورهم، والحالُ أنَّ العلّةَ مِن إخفاءِ قبرِ أميرِ المؤمنين –عليهِ السلام- خوفاً من نبشِ النواصب له كما فعلوا بقبر زيدٍ الشهيد –رحمَه الله-.

ثانياً: إنَّ مُقتضى الجمعِ بينَ الطائفةِ الأولى منَ الروايات (أجسادُ الأئمّةِ محرّمةٌ على الأرضِ والدود) والطائفةِ الثانية (أنّ الموجودَ عندَ أميرِ المؤمنين (ع) هوَ عظامُ آدم) هو تخصيصُ الحُكم (حكمُ عدم التفسّخِ في القبر) بالنبيّ (ص) والأئمّةِ المعصومين (ع)، وعدمُ شمولِها للأنبياء، فالأنبياءُ يمكنُ للأرضِ أن تأكلَ أبدانَهم، نظراً إلى ما وردَ في آدمَ ويوسف، وأمّا النبيّ (ص) والأئمّةُ المعصومون (ع) فلا يمكن، نظراً للرّواياتِ الناصّةِ على تحريمِ أبدانِهم وعظامِهم على الأرض.

ملاحظة: ما وردَ في عظامِ آدمَ ويوسف، لعلّه منبّهٌ أنَّ عظامَ الأنبياء لا تأكلُها الأرض، وأمّا لحومُهم فيمكنُ للأرض أن تأكلها، وأمّا الأئمّةُ المعصومون، فلا تأكلُ الأرضُ عظامَهم، ولا الديدانُ لحومهم، كما في الرواية.

والحمدُ لله أوّلاً وآخراً..

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1-مَن لا يحضرُه الفقيه -الشيخُ الصدوق- ج1 ص191.

2-تهذيبُ الأحكام -الشيخُ الطوسي- ج6 ص23

3- تهذيبُ الأحكام في شرحِ المُقنعةِ للشيخِ المُفيد ج6ص23

4- عللُ الشرائع للشيخِ الصّدوق ج2ص297.

5- بحارُ الأنوار ج٩٧ص131

6- تهذيبُ الأحكامِ في شرحِ المُقنعةِ للشيخِ المُفيد ج6ص101

7- بحارُ الأنوار ج114ص101.

8- الكافي للكُليني ج4ص708

٩- مرآةُ العقول ج 8 ص 284.