ما هي الحكمة من غياب الإمام المهدي (عج)؟

ما هي الحكمة من غياب الإمام المهدي عج وكيف يتناسب الغياب مع أعمال وواجبات الإمامة خاصة وأن الأثني عشرية يجعلون وجود الإمام لطفاً للعباد وهل يجوز غياب اللطف عن الملطوف بهم؟! و كيفَ سيعرفُ الإثنا عشريّة الإمامَ المهديَّ الغائبَ عندَ خروجِه بعدَ غيابِه مئاتِ السنين إن لم تقولوا بوجوبِ معرفتِه ذاتاً ولا صفةً؟!

: السيد أبو اَلحسن علي الموسوي

الجوابُ:

بِسمِ اللهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ

ذُكرَ في الأخبارِ أنَّ حكمةَ الغيبةِ امتحانُ الناسِ واختبارُهم ، فقد رويَ عن النبيّ -صلّى اللهُ عليهِ وآله - أنّه قـال : (أمَا واللهِ ليغيبنَّ إمامُكم شيئاً مِن دهرِكم ، ولتُمحّصنَّ ، حتّى يُقالَ : ماتَ أو هلكَ بأيّ وادٍ سلك ، ولتدمعنَّ عليهِ عيونُ المؤمنينَ ولتكفأنَّ كما تُكفأ السفنُ في أمواجِ البحر ، فلا ينجو إلاّ مَن أخذَ اللهُ ميثاقَه ، وكتبَ في قلبِه الإيمان ، وأيّدَه بروحٍ منه) (1).

وهذهِ سُنّةُ اللهِ تعالى الجاريةُ في عبادِه امتحانُهم ، وابتلاؤهم ليجزيهم بأحسنِ ما كانوا يعملون ، قالَ تعالى: (الذي خلقَ الموتَ والحياةَ ليبلوَكم أيّكُم أحسنُ عملاً)[الملك:۲]

وقالَ تعالى: (أحسبَ الناسُ أن يُتركوا أن يقولوا آمنّا وهُم لا يُفتنون)[العنكبوت :۲].

وأمّا لطفُ الإمامِ المهدي (ع) فهوَ مِن قبيلِ هدايةِ التسديد فقد روى الشيخُ الصّدوق -رحمَه الله- عن جابرِ بنِ عبدِ الله الأنصاريّ... فقلتُ له: يا رسولَ الله فهل يقعُ لشيعتِه الانتفاعُ به في غيبتِه ؟ فقالَ عليهِ السلام: إي والذي بعثَني بالنبوّةِ إنّهم يستضيئونَ بنورِه وينتفعونَ بولايتِه في غيبتِه كانتفاعِ الناسِ بالشمسِ وإن تجلّلَها سحاب (2).

وروى الصّدوقُ أيضاً .. قالَ سليمانُ بنُ مهران الأعمش: فقلتُ للصّادق -عليهِ السلام-: فكيفَ ينتفعُ الناسُ بالحُجّةِ الغائبِ المستور؟ قالَ: كما ينتفعونَ بالشمسِ إذا سترَها السّحاب (3).

وروى الشيخُ الطّوسيُّ في كتابِه الغيبة، عن مولانا الإمامِ المهدي -عليهِ السلام- قالَ: أمّا وجهُ الانتفاعِ بي في غيبتي فكالانتفاعِ بالشمسِ إذا غيّبَها عن الأبصارِ السّحاب، وإنّي لأمانٌ لأهلِ الأرض كما أنَّ النجومَ أمانٌ لأهلِ السماء (4).

ومثالُ ذلكَ أيضاً القصّةُ التي تُروى عن الشيخِ المُفيد -قدّسَ سرّه- حيثُ يُذكر: (أنَّ أحدَ القرويّينَ سألَه ذاتَ يومٍ عن امرأةٍ حاملٍ ماتَت فهل تُدفنُ مع ولدِها أم يجبُ إخراجُه منها ؟ فظنَّ الشيخُ المُفيد أنَّ الولدَ ميّتٌ في بطنِها، فقالَ: لا حاجةَ لفصلِه عن أمّه بل يجوزُ أن يُدفنَ معَها وهوَ في بطنِها، فلمّا حُملَت إلى قبرِها أتى إلى النسوةِ شخصٌ وقالَ إنَّ الشيخَ يأمرُ أن يُشقَّ بطنُ الحاملِ ويُخرجَ الجنينُ إذا كان حيّاً منها ويخاطُ الشقُّ ولا يحلُّ أن يدفنَ معها، فعملَت النسوةُ بما أوحى إليهنَّ ذلكَ الشخص، ثمَّ أخبرَ ذلكَ القرويُّ بعدَ مُدّةٍ الشيخَ المفيدَ بما وقعَ فقالَ له: أنّه لم يُرسِل أحداً ولا شكَّ أنَّ ذلكَ الشخصَ هوَ صاحبُ الزمان، وأُسقطَ الشيخُ المفيدُ في يدِه بأنّه أخطأ في الفتوى، فتركَ الفُتيا والتزمَ بيتَه لا يغادرُه حتّى جاءَه الأمر " أفِد يا مُفيد، فإن أخطأتَ فعلينا التسديد " فما كانَ منَ الشيخِ إلّا أن عاودَ الجلوسَ على مِنبرِ الفُتيا (5).

وأمّا معرفتُه عندَ ظهورِه المباركِ -عليهِ السلام- يكونُ مصحوباً بجُملةِ علاماتٍ كونيّة يعرفُها العالمُ -بعضها حتمية-

فمِنها:

1 ـ خروجُ الدجّالِ الذي يدّعي الألوهيّةَ و يقتلُ الناسَ ويبيحُ الزّنا وجميعَ المُنكراتِ ويستولي على البلدانِ ما عدا مكّةَ والمدينةَ المنوّرة ومراقدَ الأئمّةِ فيقتلُه الإمامُ المهدي عجّلَ اللهُ تعالى فرجَه .

2 ـ الصيحةُ ففي الحديثِ عن أبي عبدِ الله عليهِ السلام قال : « يُنادي مُنادٍ باسمِ القائمِ عجّلَ اللهُ تعالى فرجَه. قلتُ خاصٌّ أو عامّ ؟ قالَ : عامٌّ يسمعُه كلُّ قومٍ بلسانِهم ».

و في حديثٍ آخر : « فيؤمنُ أهلُ الأرضِ إذا سمعوا الصوتَ منَ السماءِ ألا إنَّ الحقَّ في عليّ بنِ أبي طالب عليهِ السلام وشيعتِه ».

3 ـ خروجُ السفيانيّ ففي الحديثِ عن أبي عبدِ الله عليهِ السلام قالَ : « السّفيانيُّ منَ المحتوم ».

4 ـ خسفُ جيشِ السّفياني بالبيداء.

5 ـ قتلُ النفسِ الزكيّةِ ففي الحديثِ عن الثماليّ قالَ : « قلتُ لأبي عبدِ الله عليهِ السلام أنَّ أبا جعفرٍ عليهِ السلام كانَ يقولُ إنَّ خروجَ السفيانيّ منَ الأمرِ المحتوم. قالَ لي نعم واختلافُ ولدِ العبّاسِ منَ المحتومِ وقتلُ النّفسِ الزكيّةِ منَ المحتومِ وخروجُ القائمِ منَ المحتوم ».

6 ـ كفٌّ تطلعُ في السماءِ ففي الحديثِ عن أبي عبدِ الله عليهِ السلام أنّه قال : « النداءُ منَ المحتومِ والسفيانيُّ منَ المحتومِ واليمانيّ منَ المحتوم وقتلُ النفسِ الزكيّةِ منَ المحتوم وكفٌّ تطلعُ منَ السماءِ منَ المحتوم ».

7 ـ كسوفُ الشمسِ في نصفِ شهرِ رمضان و خسوفُ القمرِ في آخرِه على خلافِ العاداتِ ومنَ الكراماتِ والمعاجزِ التي تظهرُ عندَ قيامِ المهديّ عجّلَ اللهُ تعالى فرجَه الشريف ما رواهُ المُفضّلُ بنُ عُمر قالَ : « سمعتُ أبا عبدِ الله عليهِ السلام يقولُ إنَّ قائمَنا إذا قامَ أشرقَت الأرضُ بنورِ ربّها واستغنى العبادُ عن ضوءِ الشمسِ وذهبَت الظُّلمة ... ».

وعن الرّضا عليهِ السلام : « و هوَ الذي تُطوى له الأرضُ ولا يكونُ له ظلٌّ وهوَ الذي يُنادي منادٍ منَ السماءِ باسمِه ».

وعن أبي عبدِ الله عليهِ السلام عن أبيهِ عن عليٍّ بنِ الحُسين عليهِ السلام أنّه قالَ : « إذا قامَ القائمُ أذهبَ اللهُ عن كلِّ مؤمنٍ العاهةَ وردَّ إليهِ قوّتَه ».

وعن أبي جعفرٍ عليهِ السلام : « مَن أدركَ قائمَ أهلِ بيتي مِن ذي عاهةٍ بري و مِن ذي ضعفٍ قوي ».

وفي حديثِ جابرٍ عن رسولِ الله صلّى اللهُ عليهِ وآله وسلّم : « ويظهرُ اللهُ لهُ كنوزَ الأرضِ ومعادنَها ».

وعن أبي جعفرٍ الباقرِ عليهِ السلام قالَ : « كأنّي بالقائمِ على نجفِ الكوفةِ وقد سارَ إليها مِن مكّةَ في خمسةِ آلافٍ منَ الملائكةِ جبرئيلُ عن يمينِه وميكائيلُ عن شمالِه والمؤمنونَ بينَ يديه وهوَ يُفرّقُ الجنودَ في البلاد ».

وعن عليّ بنِ أبي حمزة : قالَ أبو عبدِ الله عليهِ السلام : « إذا قامَ القائمُ صلواتُ اللهِ عليه نزلَت ملائكةُ بدرٍ وهُم خمسةُ آلاف ... ».

وعن الريّانِ بنِ شبيبٍ عن الرّضا عليهِ السلام في حديثٍ طويلٍ قالَ : « يا ابنَ شبيب إن كُنتَ باكياً لشيءٍ فابكِ للحُسينِ بنِ عليٍّ بنِ أبي طالب عليهم السلام فإنّهُ ذُبحَ كما يُذبَحُ الكبشُ وقُتلَ معهُ مِن أهلِ بيتِه ثمانيةَ عشرَ رجلاً ما لهُم في الأرضِ شبيهونَ ولقد بكَت السماواتُ السّبعُ والأرضونَ لقتلِه ولقد نزلَ إلى الأرضِ منَ الملائكةِ أربعةُ آلافٍ لنصرِه فلم يؤذَن لهُم فهُم عندَ قبرِه شعثٌ غبرٌ إلى أن يقومَ القائمُ فيكونونَ مِن أنصارِه وشعارُهم يا لثاراتِ الحُسين ... ».

والحمدُ للهِ أوّلاً وآخراً..

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1- البحارُ : ۵۳ / ۷ و ۲۸۱

2- كمالُ الدينِ وتمامُ النّعمة ص: 112.

3- الأماليّ للصّدوق ص: 85.

4- الغيبةُ، ص190.

5- جنّةُ المأوى ص 286