هل للكافر عزة؟

السؤال: قال الله تعالى: (بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّة وَشِقَاق). هنا أعطى الله تعالى العِزّةَ للكافرين، وفي آية أخرى قال: (فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ ولرسوله وَلِلْمُؤْمِنِينَ)، خصّصها بالنبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وبالمؤمنين فقط!

: الشيخ معتصم السيد احمد

الإجابة:

يبدو أنّ التناقض الذي انقدح في ذهن السائل يعود إلى اعتقاده بأنّ العِزّة في الآية الأولى مساوياً للعِزّة في الآية الثانية، وهذا بعيد جدّاً؛ فالآية الأولى جاءت ذمّاً للكفّار الذين يدّعون العزّة كذباً وزوراً، والآية الثانية جاءت لبيان الطريق الوحيد والحصريّ للحصول على العزّة.

وبمعنى آخر: هناك عزّة حقيقيّة يكتسبها الإنسان من ارتباطه بالله عزّ وجلّ، وبرسوله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وهناك عزّة زائفة يدّعيها الكافر لنفسه، وهو في الواقع لا عزّة له، ولا كرامة.

فالله تعالى هو صاحب العزّة الحقيقيّة، وهو سبحانه وحده المتفرّد بالسلطان والهيمنة على هذا الوجود، وما دونه من المخلوقات ليس لها عزّة ولا سلطان ولا هيمنة ولا استقلال في أيّ شأن من شؤونها، قال تعالى: (مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً)، وعليه، فكلّ مَنْ أراد أن يكون عزيزاً فسبيله الوحيد هو أن يكون عزيزاً بالله تعالى، وهو ما أكّده قوله تعالى: (وَلِلَّه الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ)، فقوله: (فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ) على نحو الحقيقة وبالذات، وقوله (وَلِرَسُولِهِ) على نحو القرب من العزيز وهو الله، وقوله (وَلِلْمُؤْمِنِينَ) على نحو قربهم من العزيز بالله وهو الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فعزّة المؤمنين بواسطة الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وهو ما أكّده قوله تعالى: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ).

وإذا اتّضح ذلك يتّضح تفسير قوله تعالى: (بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ)، فالآية التي قبلها هي قوله تعالى: (ص وَالْقُرْآَنِ ذِي الذِّكْرِ)، والآية التي بعدها هي قوله تعالى: (كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ فَنَادَوْا وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ)، فقد أقسم الله في الآية الأولى بالقرآن ووصفه بأنّه كتاب للذّكر، ومع أنّه يذكّر الإنسان بالحقائق الواضحة والثابتة في فطرة وعقل كلّ إنسان، إلّا أنّ الذين كفروا أخذتهم العزّة بالإثم فاستكبروا على الحقّ وخالفوه، قال تعالى: (وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ).

جاء في تفسير الأمثل: (الآية التالية – بل الذين كفروا في عزة وشقاق - تقول لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): إذا رأيت هؤلاء لا يستسلمون لآيات الله الواضحة ولقرآنه المجيد، فاعلم أنّ سبب هذا لا يعود إلى أنّ هناك ستاراً يغطي كلام الحق، وإنما هم مبتلون بالتكبر والغرور اللذين يمنعان الكافرين من قبول الحق، كما أن عنادهم وعصيانهم - هما أيضا - مانع يحول دون تقبلهم لدعوتك بل الذين كفروا في عزّة وشقاق.

"العزّة" كما قال الراغب في مفرداته، هي حالة تحول دون هزيمة الإنسان (حالة الذي لا يقهر) وهي مشتقة من (عزاز) وتعني الأرض الصلبة المتينة التي لا ينفذ الماء خلالها، وتعطي معنيين، فأحيانا تعني (العزة الممدوحة) المحترمة، كما في وصف ذات الله الطاهر بالعزيز، وأحيانا تعني (العزة بالإثم) أي الوقوف بوجه الحق والتكبر عن قبول الواقع، وهذه العزة مذلّة في حقيقة الأمر.

"شِقاق" مشتقة من (شقّ)، ومعناه واضح، ثم استعمل في معنى المخالفة، لأنّ الاختلاف يسبب في أن تقف كل مجموعة في شقّ، أي في جانب.

القرآن هنا يعدّ مسألة العجرفة والتكبر والغرور وطيّ طريق الانفصال والتفرقة من أسباب تعاسة الكافرين، نعم هذه الصفات القبيحة والسيئة تعمي عين الإنسان وتصمّ آذانه، وتفقده إحساسه، وكم هو مؤلم أن يكون للإنسان عيون تبصر وآذان تسمع ولكنه يبدو كالأعمى والأصم.

فالآية (206) من سورة البقرة تقول: (وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم فحسبه جهنم ولبئس المهاد) أي عندما يقال للمنافق: اتق الله، تأخذه العصبية والغرور واللجاجة، وتؤدي به إلى التوغل في الذنب والسقوط في نار جهنم وإنها لبئس المكان.

ولإيقاظ أولئك المغرورين المغفلين، يرجع بهم القرآن الكريم إلى ماضي تأريخ البشر، ليريهم مصير الأمم المغرورة والمتكبرة، كي يتعظوا ويأخذوا العبر منها وكم أهلكنا من قبلهم من قرن..) (الأمثل ج 14 ص 449)