هل رضيت فاطمة عن أبي بكر؟

سؤال: يدّعي بعض المخالفين: أنّ فاطمة (عليها السلام) قد رضيت على أبي بكر في مسألة فدك، مستدلّين برواية البيهقيّ الواردة بهذه الصيغة: قال الشعبيّ: (لمّا مرضت فاطمة أتاها أبو بكر فاستأذن عليها.. فأذنت له فدخل عليها يترضّاها حتّى رضيت (السنن الكبرى ج ٦ ص ٣٠١ ) فما ردّكم عليه؟

: السيد أبو اَلحسن علي الموسوي

الجواب:

بسم الله الرحمن الرحيم

لا يخفى على كلّ متتبّع للآثار أنَّ أبا بكر قد حاول استرضاء السيّدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) قبل موتها، ولم ترضَ عنه، بل ماتت وهي غاضبة عليه، وهذا ثابتٌ عند مخالفينا، إذْ رواه صاحبي الصحيحين (البخاريّ ومسلم) وغيرهما، فروى البخاريّ ومسلم بسندهما عن عائشة قالت: (فأبى أبو بكر أن يدفع إلى فاطمة شيئا فوجدت فاطمة على أبي بكر في ذلك، فهجرته فلم تكلّمه حتّى توفّيت). [(صحيح البخاريّ (ج 4/ ص 1549 )، رقم الحديث (3998) تحقيق مصطفى ديب البغا )- و(صحيح مسلم ج 3 /ص 1380)].

وفي لفظ آخر قالت: (فغضبت فهجرته فلم تزل مهاجرته حتّى توفّيت). [صحيح البخارىّ (ج 4/ص 1126)، رقم الحديث (2926)، تحقيق مصطفى ديب البغا].

وفي (جامع الترمذيّ) بسنده عن أبي هريرة قال: إنّ فاطمة جاءت أبا بكر تسأل ميراثها من رسول اللّه (صلّى الله عليه وآله) فقال: سمعت رسول اللّه يقول: (إنّي لا أورث)

قالت: واللّه لا أكلّمك أبداً، فماتت ولمّ تكلّمه. [صحيح سنن الترمذي ج 4 /ص 157].

ووصل الحال بها (عليها السلام) أنّها أوصت أنْ لا يشهد دفنها ولا يصلّي عليها، فقد روى عبد الرزاق بسنده إلى عروة، عن عائشة، أنّ عليّاً دفن فاطمة ليلاً، ‌ولم ‌يؤذن ‌بها ‌أبا ‌بكر. [مصنّف عبد الرزّاق ج4ص240 رقم الحديث: (6759)].

وروى بسنده عن حسن بن محمّد أنّها ‌أوصت عليّاً بأنْ لا يصلّي عليها أبا بكر . [مصنّف عبد الرزّاق ج4ص240 رقم الحديث: (6758)].

وأما رواية البيهقيّ فهي من قول التابعيّ عامر الشعبيّ، ولم يروها عمّن شهد الواقعة من الصحابة والتابعين فهي - إذنْ – مقطوعة، وذلك لأنّ الشعبيّ هذا ولد في أواخر خلافة عمر بن الخطّاب في سنة إحدى وعشـرين للهجرة. [وفيات الأعيان لابن خلّكان جـ 3 /ص15].

يعني أنّ الحادثة وقعت قبل ولادته بعشـر سنين. ولهذا حاول ابن كثير أنْ يوصله الى صحابيّ فقال: (الظّاهر أنّ عامر الشعبيّ سمعه من عليّ أو ممّن سمعه منه). [البداية والنهاية ج5/ ص253].

وحينئذٍ؛ يكون ما استظهره ابن كثير عارٍ من الدليل والقرينة، فيترتّب على ما تقدّم أمران:

أحدهما: أنَّ هذا الأثر مرسل، تفرّد به الشعبيّ وهو من أقسام الضعيف.

والآخر: أنّ هذا الأثر معارض للحديث الصحيح الذي أخرجه البخاريّ ومسلم، عن عائشة التي شهدت الواقعة، فلذا يتقدّم خبرها على خبر التابعيّ من جهتين:

الجهة الأولى: لأنّها من الصحابيّات، فخبرها يُقدّم على خبر التابعيّ. قال ابن كثير: قول الصحابيّ مقدّم ‌على ‌قول ‌التابعيّ. [البداية والنهاية ج5/ص256].

والجهة الثانية: لأنّ خبرها قد أخرجه الشيخان (البخاريّ ومسلم)، إذْ يسمّى مثل هذا الخبر بالمتّفق عليه، والمعروف بين أهل العلم أنّ الخبر المتّفق عليه يُقدّم على غيره من الأخبار الصحيحة، لخصوصيّةٍ في كتابي البخاريّ ومسلم جعلت من أحاديثهما تأخذ المرتبة المتقدّمة على غيرهما من الأحاديث الصحيحة كما هو مبيّن في كتب علم الحديث ككتاب تدريب الراوي للسيوطيّ وغيره في باب الصحيح.

وعليه: حتّى لو فرضنا أنّ خبر الشعبيّ كان صحيحاً لكان خبر عائشة المتّفق عليه راجحاً، ويكون خبر الشعبيّ مرجوحاً، فكيف والأصل في خبر الشعبيّ أنّه ضعيفٌ؟!

والحمد لله أوّلاً وآخراً