لفظ المولى بين الاشتراك اللفظيّ والاشتراك المعنويّ

السؤال: ما معنى كلمة (مولى) الواردة في حديث الغدير (من كنت مولاه فهذا عليٌّ مولاه)، هل هي مشترك لفظيّ أو معنويّ، وما الفرق بينهما أرجو توضيح ذلك؟

: السيد أبو اَلحسن علي الموسوي

الجواب:

بسم الله الرحمن الرحيم

اعلم أخي السائل الكريم أنَّ علماء اللّغة ذكروا أنَّ لفظ (المولى) له معانٍ كثيرة، فهو يأتي بمعنى الربُّ، والمَالكُ، والسيِّد، والمُنْعِم، والمُعْتِقُ، والناصر، والمُحِبّ، والتابِع، والجارُ، وابنُ العَمّ، والحَلِيفُ، والعَقيد، والصِّهْر، والعبْد، والمُعْتَقُ، والمُنْعَم عَلَيه. [انظر كتاب النهاية في غريب الحديث والأثر لابن الأثير ج:5 ص228].

وقد أستعمل القرآن الكريم لفظ (المولى)، في أكثر من معنى فمنها:

1- بمعنى (الأولى) كما في قوله تعالى: ﴿فَالْيَوْمَ لا يُؤْخَذُ مِنكُمْ فِدْيَةٌ وَلا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مَأْوَاكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ﴾ [سورة الحديد: 15].

2- بمعنى (المتصرّف)، كما في قوله تعالى:- ﴿..فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ﴾ [سورة الحج : 78].

3- بمعنى (الناصر)، كما في قوله تعالى:- ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لا مَوْلَى لَهُمْ﴾ [سورة محمد: 11].

4- بمعنى (الوارث)، كما في قوله تعالى:- ﴿وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا﴾ [سورة النساء: 33].

5- بمعنى (الصاحب)، كما في قوله تعالى: ﴿يَوْمَ لا يُغْنِي مَوْلًى عَن مَّوْلًى شَيْئًا وَلا هُمْ يُنصَرُونَ﴾ [سورة الدخان: 41].

6- بمعنى (المالك)، وقد جاء ذلك في قوله تعالى:- ﴿وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً رَّجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لاَ يَقْدِرُ عَلَىَ شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّههُّ لاَ يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَن يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾ [سورة النحل: 76].

ومن خلال ما تقدم تبّين لك أنَّ لفظ (المولى) قد دلّ على عدّة معانٍ، واللفظ الذي يدلُّ على عدّة معانٍ، تارة يُعدُّ من المشترك اللفظيّ وتارة يُعدُّ من المشترك المعنويّ، فإذا تبيّن ذلك، فاعلم أنّ أهل السنّة عَـدّوا لفظ (المولى) من المشترك اللّفظيّ، في حين عدّه الشيعة الإماميّة من المشترك المعنويّ.

ولكي نعرف القول الفصل في هذه المسألة، فإنّه لا بُدّ من معرفة المراد من المشترك اللّفظيّ والمشترك المعنويّ، إذْ على أساسهما يتبيّن لك الحقّ في هذه المسألة، فَهَاكَ بيانهما:

فأمّا المشترك اللّفظيّ، فإنّه يُراد به اللفظ الموضوع لحقيقتين مختلفتين أو أكثر وضعاً، أوّلاً من حيث هما كذلك، [ينظر: المحصول في علم الأصول للرازيّ ج1ص261].

والمشترك المعنويّ، هو: (اللّفظ الموضوع لحقيقتين أو أكثر من حيث

كونها مشتركة في معنى واحد). [انظــر : نهايــة الوصــول في درايــة الأصــول (/١ -٢١٣ ٢١٤)، وشرح الكواكب (/١ ١٣٤) ، الكلّيات لأبي البقاء (ص -١١٨ ١٢٠) ، أصول الفقه لأبى زهرة (ص ١٠٠ )].

وبعبارة أخرى: فإنّ المشترك المعنويّ هو اشتراك المعاني المتعدّدة في معنى واحد جامع.

وأمّا المشترك اللّفظيّ فهو اللفظ الذي تعدّد معناه وقد وضع للجميع كلٌّ على حدة، ولكن من دون أن يسبق وضعه لبعضها على وضعه للآخر مثل (عين) الموضوع لحاسّة النظر وينبوع الماء والذهب ومثل (الجون) الموضوع للأسود والأبيض. (المصدر: المنطق للشيخ المظفّر).

إذنْ: نفهم من المشترك المعنويّ أنّ موضوعه المعاني المتعدّدة وليس الألفاظ المتعدّدة.

وبذلك يتّضح الفارق بينهما إذْ ليس للاشتراك المعنويّ إلّا وضعا واحدا، وهو وضع اللفظ لمعنى كلّي جامع بين أفراده، وهو بخلاف الاشتراك اللفظيّ الذي يتعدّد فيه الوضع بعدد المعنى الذي يراد وضع اللفظ له.

فإذا تبيّن ذلك، فاعلم أنّ علماء الشيعة الإماميّة ذهبوا إلى لفظ (المولى) يُعَـدُّ من المشترك المعنويّ، وَهَاكَ بعضاً من أقوالهم:

1- قال الحافظ يحيى بن البطريق (المتوفّى: 600 ه): ٱعلم أنّ لفظة مولى في اللغة تنقسم على عشرة أوجه: أوّلها – (الأولى) وهو الأصل والعماد، التي ترجع إليه المعاني في باقي الأقسام. [عمدة عيون صحاح الأخبار ج1ص141].

2- قال القاضي نور اللّه التّستريّ (المتوفّى: 1019 ه): هو موضوع لمعنى واحد هو الأولى والمعاني العشرة أقسام له حاصلة حقيقيّة بإضافتها إليه.

أمّا النّاصر فلأنّه اختصّ بالنّصرة فصار بها أولى من غيره.

وأمّا ابن العمّ فلأنّه إنّما سمّي مولى لأنّه يعقل عن ابن عمّه ويحوز ميراثه فكان بذلك أولى من غيره.

وأمّا الجار فلأنّه أولى بالملاصقة من البعيد.

وأمّا الحليف فلأنّه أولى بنصرة حليفه ممّن لا خلف بينه وبينه.

وأمّا المعتّق فلأنّه أولى بنصرة معتّقه من غيره.

وأمّا المعتّق فلأنّه أولى بميراثه ممّا لا يعتقه.

وأمّا مالك الرّقّ فلأنّه أولى بتدبير عبده من غيره.

وأمّا ضامن الجريرة فلأنّه ألزم نفسه ما يلزم المعتّق.

وأمّا السيّد المطاع فلأنّه أولى بالطّاعة [الصوارم المهرقة في جواب الصواعق المحرقة ص184].

وأمّا المشترك اللفظيّ للمولى، فقد اختاره من علماء مخالفينا الحافظ ابن حجر المكّيّ (المتوفّى: 974 ه) إذْ قال: لا نسلّم أن معنى الولي ما ذكروه بل معناه الناصر لأنّه مشترك بين معان. [الصواعق المحرقة ج1ص107].

والعلّامة ابن الأمير الصّنعانيّ (المتوفّى: 1182 ه) إذْ قال: (عليّ مولى من كنت مولاه). قد سبق أنّ لفظ مولى مشترك بين معان. [التّنوير شرح الجامع الصّغير ج7ص337].

ثُمّ إنّ ممّا يؤيّد أنّ لفظ المولى موضوعة لمعنى الأولى بالشيء، وهوَ الأصلُ الذي تنحدرُ عنه المعاني كلّها ما يلي:

1- لَمّا كان النبيّ (صلّى الله عليه وآله) أولى بالنصرة، فحينئذٍ يصير عليٌّ (عليه السلام) أولى بها أيضا.

2- أمّا الجار فعليّ (عليه السلام) أولى بمجاورة النبيّ (ص) من البعيد، فقد سُئل خالد بن قثم بن عباس: ما لعليّ ورث رسول الله (صلّى الله عليه وآله) دون جدّك وهو عمّه؟ قال: إنّ عليّاً كان أوّلنا به لحوقا وأشدّنا ‌به ‌لصوقا [خصائص عليّ ص125].

3-أمّا المحبّ فالنبيّ (صلّى الله عليه وآله) أولى بالمحبّة، فعليّ مثله وقد قال النبيّ (صلّى الله عليه وآله) (من ‌أحبّ ‌عليّا ‌فقد ‌أحبّني، ومن أحبّني فقد أحبّ الله، ومن أبغض عليّا فقد أبغضني، ومن أبغضني فقد أبغض الله) [المعجم الكبير للطبرانيّ ج23ص380].

4-أمّا المطاع فالنبيّ (صلّى الله عليه وآله) أولى بالطاعة، فعليّ أولى بها أيضا وقد قال (صلّى الله عليه وآله) (من أطاع عليّا فقد أطاعني، ومن عصى عليّا فقد عصاني) [المعجم في أسامي شيوخ أبي بكر الإسماعيليّ ج1ص485). وكذا المعاني الأخرى.

بل حتّى على القول بالمشترك اللفظيّ، فإنّه يمكن حمل اللّفظ على أحد المعاني المتقدّمة بقرينتي الحال والمقال، وفيما يلي توضيح ذلك:

فأمّا بدلالة قرينة المقال، فمن المعلوم أنَّ النبيّ (صلّى الله عليه وآله) له الولاية المطلقة على الناس‌ فهو أحقّ بالمؤمنين من أنفسهم، فله أن يحكم فيهم بما يشاء كما في قوله تعالى: {النبيّ أولى بالمؤمنين من أنفسهم} [سورة الأحزاب: 6].

إذْ قال الطبريّ في تفسيره: يقول تعالى ذكره: (النبيّ) محمّد (أولى بالمؤمنين) يقول: ‌أحقّ ‌بالمؤمنين به (من أنفسهم) ، أن يحكم فيهم بما يشاء من حكم، فيجوز ذلك عليهم. [جامع البيان عن تأويل آي القرآن ج20 ص208].

فإذا عرفت ذلك فقد ورد في الحديث موضع البحث قرينة مقالٍ متّصلة تفيد أنّ المولى هي بمعنى الأولى، إذْ ورد أنّ النّبيُّ (صلّى الله عليه وآله) أخذ الإقرار منهم بأولويّته بهم من أنفسهم حين أخذ بيد عليّ (عليه السلام)، فقال: "أتعلّمون أنّي أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا: بلى يا رسول اللّه. قال (صلّى الله عليه وآله): "فمن كنت مولاه فهذا عليّ مولاه، اللّهمّ والِ من والاه، وعادِ من عاداه" [مسند أحمد بن حنبل ج32ص56 بتحقيق شعيب الأرنؤوط: إسناده صحيح، رجاله ثقات..].

فلاحظ أنّ النبيّ (ص) ابتدأ حديثه بقوله: ألستُ أولى بكم من أنفسكم؟ ، ثُمَّ عقبّها بفاء التفريع: فمن كنت مولاه فعليّ مولاه، وهذا يقضي بأنّ المولى يراد به الأولى. أيْ من كنت أولى به من نفسه فعليّ أولى به من نفسه.

وأمّا بدلالة قرينة الحال، فإنّ النبيّ (صلّى اللهُ عليه وآله) حين أمرِ بالصلاةِ جامعةً في السفرِ بالمنزلِ الوعر، في وقتَ الظهيرة، وقيامِه خطيباً بينَ جماهيرِ المسلمين، الذين يبلغُ عددُهم مائةَ ألفٍ أو يزيدون. فلا بدّ معَ هذا كلّه أن يكونَ مرادُ النبيّ (صلّى اللهُ عليهِ وآله) بيانَ أمرٍ في غاية الأهمّية، والخطبة التي خطبها نبيّ الرحمة (ص) في ذلك الموقف تفيد بأنّ ذلك الأمر المهمّ هو إمامةِ أميرِ المؤمنينَ (عليهِ السلام)، وليس مجرّدَ بيانِ أنّ عليّاً محبٌّ لمَن أحببتُه وناصرٌ لمَن نصرتُه، كما يدّعي المخالفون. ونكتفي بهذا القدر. والحمد لله أوّلاً وآخراً.