هل زيارة عاشوراء قدسيّة إلهيَّة؟

: الشيخ نهاد الفياض

الجواب:

بسمه تعالى.

في بادئ الأمر لا بُدّ أنْ نعرف المراد بالحديث القدسيّ وبيان الفرق بينه وبين القرآن الكريم، والحديث الشريف.

إذْ قال المحقّق السبحانيّ: الحديث القدسيّ: هو كلام الله المنزَّل ـ لا على وجه الإعجاز ـ الذي حكاه أحد الأنبياء أو أحد الأوصياء، مثل ما روي أنَّ الله تعالى قال: «الصوم لي وأنا أُجزي به»، ومن الفوارق بينه وبين القرآن: أنَّ القرآن هو المنزَّل للتحدِّي والإعجاز بخلاف الحديث القدسيّ، إذ كان رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) يلقي أحياناً على أصحابه مواعظ يحكيها عن ربِّه (عزَّ وجلَّ) ولم يكن وحياً منزلاً حتّى يسمُّوها بالقرآن، ولا قولاً صريحاً يسنده (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) إسناداً مباشراً حتّى يسمُّوها حديثاً، وإنَّما كانت أحاديث يحرص النبيُّ (ص) على تصديرها بعبارة تدلُّ على نسبتها إلى الله، لكي يشير إلى أنَّ عمله الأوحد فيها حكايتها عن الله بأُسلوب يختلف اختلافاً ظاهراً عن اُسلوب القرآن، ولكنَّ فيه ـ مع ذلك ـ نفحة من عالم القدس ونوراً من عالم الغيب، وهيبة من ذي الجلال والإكرام، تلك هي الأحاديث القدسيَّة التي تسمَّى أيضاً: إلهيَّة، وربَّانية [أصول الحديث وأحكامه ص٢٠].

ثمَّ لا بأس بإشارةٍ إلى سند زيارة عاشوراء، ونكتفي بما قاله فقيه أهل البيت السيِّد محمَّد سعيد الحكيم (ره) في بعض أجوبة المسائل الموجَّهه إليه. إذْ قال(طاب ثراه): زيارة عاشوراء المشهورة، قد وردت مسندة عن الإمام الباقر(عليه السلام) في كتاب كامل الزيارات، الذي صرَّح مؤلِّفه الشيخ الجليل ابن قولويه (قدِّس سرُّه) بأنّه لم يودع فيه إلَّا ما رواه الثقات، وشهادته هذه تكفي في الوثوق بما ذكره في الكتاب المذكور وحجّيّته على ما ذكرناه في محلِّه. ولم يشتمل سنده فيها على من يطعن فيه إلَّا شخص واحد، وهو محمَّد بن موسى الهمدانيّ، ونحن في غاية الريب من الطعن فيه، حيث يقرب جدَّاً الخطأ في منشئه، ولو فرض صدقه أمكن أنْ يكون سبب الطعن أمراً صدر منه في آخر أيّامه بعد أنْ كان ثقة، وروى صاحب كامل الزيارات الزيارة المذكورة عنه، فلا يُسقط الطعن المذكور سند الزيارة عن الحجّيَّة. ويظهر من شيخ الطائفة الطوسيّ (قدِّس سرُّه) في المصباح روايتها بطريق آخر عن الإمام الباقر (عليه السلام) أيضاً. كما أنَّ شيخ الطائفة (قدِّس سرُّه) روى أيضاً بطريق ثالث عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنّه قد زار الحسين (عليه السلام) بهذه الزيارة هو وبعض أصحابه في مشهد أمير المؤمنين (عليه السلام). ومن القريب جدَّاً أنْ يكون هذا الطريق صحيحاً. كما يبدو من هذا الطريق أيضاً أنَّ هذه الزيارة قد زار بها جماعة من الشيعة في عصر الإمام الصادق (عليه السلام).

ومن هنا: كان الظاهر صحَّة سند هذه الزيارة، ولا سيّما مع تعدّد طرقها، وظهور تداولها بين أصحابنا من عصر الإمام الصادق (عليه السلام)، وكونها على درجة عالية من الفصاحة والبلاغة، وبنحو يناسب ما ورد عن أهل البيت (صلوات الله عليهم) [الفتاوى ج2ص٤٢٥، دار الهلال].

فإذا عرفت ذلك، فآنَ الأوان أنْ نبيّن أنّ هذه الزيارة تُعَـدُّ من الأحاديث القدسيّة، إذْ روى شيخنا الطوسيّ (طاب ثراه) بإسنادٍ معتبر إلى سيف بن عميرة قال: خرجتُ مع صفوان بن مهران الجمَّال...إلى قوله: ثمَّ قال لي صفوان: قال لي أبو عبد الله (عليه السلام): تعاهد هذه الزيارة، وأدع بهذا الدعاء، وزر به، فإني ضامنٌ على الله تعالى لكلِّ من زار بهذه الزيارة ودعا بهذا الدعاء من قرب أو بعد، أنَّ زيارته مقبولة وسعيه مشكور وسلامه واصل غير محجوب، وحاجته مقضيّة من الله بالغاً ما بلغت، ولا يُخيِّبه. يا صفوان، وجدتُ هذه الزيارة مضمونة بهذا الضمان عن أبي، وأبي عن أبيه عليّ بن الحسين مضموناً بهذا الضمان، والحسين عن أخيه الحسن مضموناً بهذا الضمان، والحسن عن أبيه أمير المؤمنين مضموناً بهذا الضمان، وأمير المؤمنين عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) مضموناً بهذا الضمان، ورسول الله(صلّى الله عليه وآله) عن جبرئيل(عليه السلام) مضموناً بهذا الضمان، وجبرئيل عن الله (عزَّ وجلَّ) مضموناً بهذا الضمان، قد آلى الله على نفسه (عزَّ وجلَّ) أنَّ من زار الحسين (عليه السلام) بهذه الزيارة من قرب أو بعد و دعا بهذا الدعاء قبلت منه زيارته [مصباح المتهجّد ص 454].

أقول: لقد فهم جملة من الأعلام من هذا التعبير: (وجبرئيل عن الله (عزَّ وجلَّ) مضموناً بهذا الضمان، قد آلى الله على نفسه...إلخ) أنَّ زيارة عاشوراء المطهَّرة من سنخ الأحاديث القدسيّة الواردة عن الله تعالى، فمنهم.

1ـ الميرزا الطهرانيّ (طاب ثراه)، ونصُّه: لا شكّ أنَّ زيارة عاشوراء من الأحاديث القدسيّة، وتنتهي سلسلة إسنادها إلى قال الله تعالى، وإمعان النظر في هذه المسألة يكشف لنا أهمّيّة زيارة عاشوراء أكثر فأكثر، من حيث كونها كلام الله، وليست كلاماً عاديّاً، بحيث يستطيع المرء اجتيازه بسهولة [شفاء الصدور في شرح زيارة العاشور ج1ص13].

2ـ الميرزا النوريّ (طاب ثراه)، ونصُّه: أمَّا زيارة عاشوراء فكفاها فضلاً وشرفاً أنَّها لا تسانخ سائر الزيارات التي هي من إنشاء المعصوم وإملائه في ظاهر الأمر، وإنْ كان لا يبرز من قلوبهم الطاهرة إلَّا ما تبلغها من المبدأ الأعلى، بل تسانخ الأحاديث القدسيّة التي أوحى الله جلَّت عظمته بها إلى جبرئيل بنصِّها بما فيها من اللّعن والسلام والدعاء، فأبلغها جبرئيل إلى خاتم النبيّين (صلّى الله عليه وآله) [يُنظر: مفاتيح الجنان ص 534 مطبعة القدس].

3ـ المحقّق العراقيّ (طاب ثراه)، ونصُّه: لتعلم أنَّ هذه الزيارة من إنشاء الذات اﻷحديَّة، وأنّها من جملة الأحاديث القدسيّة أيضاً، وهي مرتبةٌ تفتقر إليها سائر الزيارات الأخرى. والفرق الوحيد بينها وبين القرآن المجيد هو الفرق بين الأحاديث القدسيّة والقرآن، بمعنى: أنّه إنْ كان اللّفظ والمعنى منشَأين بداعي اﻹعجاز من قبل الله تعالى فيسمَّى قرآناً، وإنْ كانا بداعٍ آخر غير الإعجاز فيسمَّى حديثاً قدسيّاً، وإنْ كان المعنى من الله تعالى واللّفظ من غيره فيسمَّى حديثاً مجرَّداً. والظاهر: أنّه لا فرق بين هذه المراحل والصور في كيفيّة تلقّي النبيّ (صلّى الله عليه وآله) فهي سواء في النوم، واليقظة، والسماع، ورؤية الملك جبرائيل (عليه السلام) أو الإلهام ولكن بحسب تصريح جماعة، بل الأخبار أنَّ القرآن مختصٌّ برؤية جبرائيل وتلاوته، والحديث القدسيّ وبقيّة الأحاديث بالإلهام أو بطرقٍ أُخرى.

وكيف كان: فلا شكّ في كون زيارة عاشوراء من الأحاديث القدسيّة...إلى قوله: وحيث علم أنَّ هذه الزيارة كلام الله تعالى وأنّها من الأحاديث القدسيّة فيجب أنْ تراعى كامل الرعاية من حيث الآداب والشرائط، كي يحصل بها التقرُّب إلى المقام الالهيّ والساحة الربانيّة [الكنز المخفيّ ص61].

4ـ العلَّامة الأمينيّ (طاب ثراه)، ونصُّه: زيارة عاشوراء بسندها القدسيّ الذهبيّ في حديث رواه شيخ الطائفة والسيِّد في مصباحهما قال صفوان: قال لي أبو عبد الله (عليه السلام): تعاهد هذه الزيارة وادع بهذا الدعاء وزر به، فإنّي ضامنٌ على الله لكلِّ من زار بهذه الزيارة ودعا بهذا الدعاء، من قرب أو بعد أنَّ زيارته مقبولة وسعيه مشكور، وسلامه واصل غير محجوب، ...[أدب الزائر لمن يمَّم الحائر ص114].

5ـ السيّد الأبطحيّ (طاب ثراه)، ونصُّه: أنها من الأحاديث القدسيّة، أنَّ الظاهر من رواية صفوان بن مهران أنَّ جبرائيل الأمين تلقَّى هذه الزيارة عن الله (جلَّ جلاله) وسلسلة إسنادها عن الإمام الصادق عن آبائه (عليهم السلام) عن النبيّ (صلّى الله عليه وآله) عن جبرائيل وعن الله (جلَّ جلاله)[زيارة عاشوراء وآثارها العجيبة ص10].

6ـ الشيخ مسلم الداوريّ (دام ظلُّه)، ونصُّه: أنَّ هذه الزيارة بهذه الكيفيَّة، وبهذا الإسناد إنَّما هي من الله (عزَّ وجلَّ)، فهي من الأحاديث القدسيَّة، التي رواها الأئمَّة المعصومون (عليهم السلام) عن الله عزَّ وجلَّ بواسطة جدِّهم (صلّى الله عليه وآله) حيث ورد فيها:(يا صفوان، وجدتُ هذه الزيارة مضمونة بهذا الضمان عن أبي، وأبي عن أبيه عليّ بن الحسين (عليهما السلام) مضموناً بهذا الضمان عن الحسين، والحسين عن أخيه الحسن مضموناً بهذا الضمان،... [زيارة عاشوراء تحفة من السماء ص102]. إلى غيرها من كلمات الأعلام والمحقّقين.

والنتيجة ممّا تقدَّم أنَّ زيارة عاشوراء تعدُّ من الأحاديث القدسيّة الواصلة عن الله تعالى بواسطه الحجج الطاهرين.. والله الموفِّق.