هل حديث رضاعة النبي من لبن أبي طالب صحيح ومعتبر؟

السؤال: ما تقولون فيما يُروى عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنّه قال: «لما ولد النبيّ (صلّى الله عليه وآله) مكث أيّاماً ليس له لبن، فألقاه أبو طالب على ثدي نفسه، فأنزل الله فيه لبنا فرضع منه أيّاماً»؟ وهل هذا الحديث معتبر؟ وما معناه؟

: السيد أبو اَلحسن علي الموسوي

الجواب:

بسم الله الرحمن الرحيم

هذا الحديث أخرجه شيخ المحدّثين الكلينيّ عن محمّد بن يحيى، عن سعد بن عبد الله، عن إبراهيم بن محمّد الثقفيّ، عن عليّ بن المعلّى، عن أخيه محمّد، عن درست بن أبي منصور، عن عليّ بن أبي حمزة، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «لـمّا ولد النبيّ (صلّى الله عليه وآله) مكث أيّاماً ليس له لبن، فألقاه أبو طالب على ثدي نفسه، فأنزل الله فيه لبناً، فرضع منه أيّاماً، حتّى وقع أبو طالب على حليمة السعدية، فدفعه إليها» [الكافي ج1 ص448].

ويقع الكلام حول هذا الحديث من جهتين:

الجهة الأولى: إسناد الحديث:

ورد هذا الحديث من طريق رواة لَـم تثبت وثاقتهم؛ فإنّ (عليَّ بن المعلّى) وأخاه (محمّد بن المعلّى) مجهولان؛ إذ أهمل ذكرَهما علماء الرجال المتقدّمون - كالبرقيّ والطوسيّ والنجاشيّ ، فلا يُعلم مدى صدقهما وضبطهما، وهذا يعني عدم إمكان الاعتماد على حديثهما.

أضف لذلك: أنّ (عليَّ بن أبي حمزة البطائنيّ) هو أصل الوقف على الإمام الكاظم (عليه السلام)، وأشدّ الخلق عداوة للإمام الرضا (عليه السلام)، وقد اختلفت كلمة علماء الطائفة في حاله وحال رواياته، وتفصيل حاله يُطلَب من المصنّفات الرجاليّة.

والحاصل: أنّ هذا الحديث ضعيف الإسناد، كما صرّح العلّامة المجلسيّ بقوله: (الحديث السابع والعشرون: ضعيف) [مرآة العقول ج٤ ص٣٥٢].

الجهة الثانية: دلالة الحديث:

وقع كلامٌ في المراد من قوله (عليه السلام): «فألقاه أبو طالب على ثدي نفسه» على قولين:

أحدهما: نزول اللّبن على ثدي زوجة أبي طالب، وهي فاطمة بنت أسد، فالمراد بـ «ثدي نفسه» ثدي زوجته، وذلك باعتبار أنّه صاحب اللّبن. ومن الواضح أنّه بناءً على هذا القول لا مجال للتعجّب والقول بالغرابة.

ولكنْ هذا القول بعيد كما صرّح العلّامة المجلسيّ قائلاً: (وقيل: المراد بـ «ثدي نفسه» ثدي فاطمة بنت أسد. وهو في غاية البعد) [مرآة العقول ج 5 ص 252].

والآخر: نزول اللّبن على ثدي أبي طالب، فالمراد بـ «ثدي نفسه» ثدي أبي طالب نفسه، لا ثدي زوجته.

وهذا المعنى هو ظاهر الحديث، ونزول اللّبن على ثدي أبي طالب وإنْ كان مستغرباً ومثيراً للعجب لأنّه رجلٌ، ولكنّه ليس من المحالات العقليّة، فلا مانع أن يكون ذلك بطريق الإعجاز، كما صرّح العلّامة المجلسيّ بقوله: (ونزول اللّبن على ثدي أبي طالب رضي الله عنه من قبيل الإعجاز. وبه تشتدّ أخوّة أمير المؤمنين (عليه السلام) له (صلّى الله عليه وآله)) [مرآة العقول ج٥ ص٢٥٦].

وينبغي الالتفات إلى أمرين لدفع الاستغراب:

الأوّل: أنّ مضمون هذا الحديث واقعٌ في حيّز الإمكان، وليس هو من قبيل المحالات العقليّة -كاجتماع النقيضين أو الضدّين -، فلا مانع عقلاً من وقوعه وتحقّقه، بل هو ممكن الوقوع علميّاً أيضاً؛ إذ إنّ الأبحاث الطبيّة تبيّن أنّ زيادة إفراز هرمون الحليب لدى الرجل قد يؤدّي إلى إفراز الثدي لبناً، ولكن حصول ذلك أمرٌ نادر، وإليك كلمات بعض أهل الاختصاص فيما يرتبط بذلك:

يقول الدكتور إبراهيم زهران: (من الوارد في بعض الحالات أن يكون هناك زيادة في إفراز هرمون الحليب لدى الرجل ممّا يؤدّي لزيادة حجم الثدي لدي الرجل، وبالطبع ليس من الطبيعيّ أن يفرز ثدي الرجل لبناً، ولكن من النادر حدوث هذا، وقد يكون السبب هو ارتفاع نسبة هذا الهرمون؛ لذا في تلك الحالة فعليه بعمل تحليل هرمون البرولاكتين في الدم وهو صائم...).

وتقول استشارية الرضاعة كاثرين فيشر: (إنّ قدرة الرجال على إرضاع الأطفال ممكنة طبيّاً).

والثاني: توجد شواهد على تحقّق الرضاعة من غير ثدي المرأة في بعض الحالات الاستثنائيّة، وذلك من باب الإعجاز والكرامة، ونذكر في المقام شاهدين على ذلك من مصادر المخالفين:

1ـ نبيّ الله إبراهيم (عليه السلام):

أخرج مفسّرو العامّة في كتبهم ما يلي: «لـمّا وجدت أمّ إبراهيم الطلق خرجتْ ليلاً إلى مغارة كانت قريبة منها، فولدت فيها إبراهيم (عليه السلام)، وأصلحت من شأنه ما يصنع بالمولود، ثمّ سدّت عليه المغارة ورجعت إلى بيتها، ثمّ كانت تطالعه لتنظر ما فعل، فتجده حيّاً يمصّ إبهامه. وقالت أم إبراهيم - ذات يوم -: لأنظرنّ إلى أصابعه، فوجدتُه يمصّ من أصبعٍ ماءً، ومن أصبعٍ لبناً، ومن أصبع عسلاً، ومن أصبع تمراً، ومن أصبع سمناً» [ينظر: تفسير الطبريّ ج9 ص357، تفسير ابن أبي حاتم ج8 ص2778، تفسير البغويّ ج3 ص160، تفسير الثعلبيّ ج4 ص163].

2ـ نبيّ الله موسى (عليه السلام):

هناك خبر آخر متعلّق بنبيّ الله موسى (ع)، ونصّه: «..قعد فرعون على شفير النيل، ومعه آسية امرأته، فإذا بالتابوت يلعب به الموج، فأخذ له، ففتحوه، فلم يطيقوا، فدنت آسية، فرأت في وجه التابوت نوراً لم يرَه غيرُها، للذي أراد الله أن يكرمها، ففتحه، فإذا الصبي بين عينيه نور، وقد جعل الله رزقه في إبهامه، يمصّه لبناً..» [تفسير البغويّ ج6 ص192، تفسير الثعلبيّ ج7 ص236، تاريخ دمشق ج61 ص22].

ويتبيّن مـمّا سبق: أنّ درّ ثدي الرجل لبناً أمرٌ ممكن عقلاً وواقع فعلاً في حالات نادرة، ومن الواضح أنّه أهون علميّاً وطبيّاً من درّ الإصبع لبناً أو ماءً أو لبناً، كما وردت في تلك الأخبار بالنسبة للنبيّ إبراهيم والنبيّ موسى (عليهما السلام).

نكتفي بهذا القدر، والحمد لله أوّلاً وآخراً.