سبب مطالبة عائشة بدم عثمان؟

السؤال: لماذا طالبت عائشة بدم عثمان ولم تطالب بدم أخيها محّمد بن أبي بكر، وما موقفها منه؟

: الشيخ مروان خليفات

الجواب:

بسم الله الرحمن الرحيم

اعلم أنّ مطالبة عائشة بدم عثمان إنّما كان بغضاً منها للإمام (ع) حين استلم الخلافة، فقد كانت من المحرّضين على عثمان كما هو مشهور في كتب التاريخ.

قال ابن أبي الحديد: (قال كلّ من صنّف في السير والأخبار: إنّ عائشة كانت من أشدّ الناس على عثمان، حتّى إنّها أخرجت ثوبا من ثياب رسول الله (ص)، فنصبته في منزلها ، وكانت تقول للداخلين إليها: هذا ثوب رسول الله (ص) لم يبل، وعثمان قد أبلى سنّته. قالوا: أوّل من سمّى عثمان نعثلا عائشة، والنعثل: كثير الشعر في اللّحية والجسد، وكانت تقول: اقتلوا نعثلا، قتل الله نعثلا. وروى المدائنيّ في كتاب الجمل، قال : لما قتل عثمان ، كانت عائشة بمكّة، وبلغ قتله إليها وهي بشراف، فلم تشكّ في أنّ طلحة هو صاحب الأمر، وقالت : بعدا لنعثل وسحقا ... وقال أبو مخنف لوط بن يحيى الأزديّ في كتابه : إنّ عائشة لما بلغها قتل عثمان وهي بمكّة، أقبلت مسرعة ، وهي تقول : إيه ذا الإصبع لله أبوك ، أمَا إنّهم وجدوا طلحة لها كفوا . فلمّا انتهت إلى شراف استقبلها عبيد بن أبي سلمة اللّيثيّ ، فقالت له : ما عندك ؟ . قال : قتل عثمان ، قالت : ثمّ ماذا ؟ قال : ثمّ حارت بهم الأمور إلى خير محار ، بايعوا عليّاً ، فقالت : لوددت أنّ السماء انطبقت على الأرض إن تمّ هذا ، ويحك ! انظر ما تقول ! قال : هو ما قلت لك يا أمّ المؤمنين ، فولولت ، فقال لها : ما شأنك يا أمّ المؤمنين ؟ والله ما أعرف بين لابتيها أحدا أولى بها منه ولا أحقّ ، ولا أرى له نظيرا في جميع حالاته ، فلماذا تكرهين ولايته ؟ قال: فما ردّت عليه جوابا. قال : وقد روى من طرق مختلفة أنّ عائشة لما بلغها قتل عثمان وهي بمكّة ، قالت: أبعده الله ! ذلك بما قدّمت يداه ، وما الله بظلام للعبيد.

قال : وقد روى قيس بن أبي حازم أنّه حجّ في العام الذي قتل فيه عثمان وكان مع عائشة لمّا بلغها قتله ، فتحمل إلى المدينة ... حتّى أتاها خبر بيعة عليّ ، فقالت : لوددت أنّ هذه وقعت على هذه ، ثمّ أمرت بردّ ركائبها إلى مكّة فردّت معها ، ورأيتها في سيرها إلى مكّة تخاطب نفسها ، كأنّها تخاطب أحدا : قتلوا ابن عفّان مظلوما ! فقلت لها : يا أمّ المؤمنين ، ألم أسمعك آنفا تقولين : أبعده الله وقد رأيتك قبل أشدّ الناس عليه وأقبحهم فيه قولا . فقالت : لقد كان ذلك ، ولكنّي نظرت في أمره ، فرأيتهم استتابوه حتّى إذا تركوه كالفضّة، البيضاء أتوه صائما محرما في شهر حرام فقتلوه. قال : وروى من طرق أخرى أنّها قالت لمّا بلغها قتله ، أبعده الله ! قتله ذنبه ، وأقاده الله بعمله ! يا معشر قريش لا يسومنّكم قتل عثمان ، كما سام أحمر ثمود قومه ، إنّ أحقّ الناس بهذا الأمر ذو الإصبع ( أي طلحة) ، فلمّا جاءت الأخبار ببيعة عليّ عليه السلام ، قالت : تعسوا تعسوا ! لا يردّون الأمر في تيم أبدا... كتب طلحة والزبير إلى عائشة وهي بمكّة كتابا : أن خذّلي الناس عن بيعة عليّ ، وأظهري الطلب بدم عثمان ، وحملا الكتاب مع ابن أختها عبد الله بن الزبير ، فلمّا قرأت الكتاب كاشفت وأظهرت الطلب بدم عثمان). [شرح نهج البلاغة، ج6 ص 215 ـ 216 ] .

و روى الطبريّ بسندين: ( أنّ عائشة لمّا انتهت إلى سرف راجعة في طريقها إلى مكّة لقيها عبد بن أمّ كلاب وهو عبد بن أبي سلمة ينسب إلى أمّه فقالت له: مهيم قال قتلوا عثمان فمكثوا ثمانيا قالت ثمّ صنعوا ماذا؟ قال: أخذها أهل المدينة بالاجتماع فجازت بهم الأمور إلى خير مجاز اجتمعوا على عليّ بن أبي طالب. فقالت: والله ليت هذه انطبقت على هذه إن تمّ الأمر لصاحبك. ردّوني ردّوني. فانصرفت إلى مكّة وهي تقول: قتل والله عثمان مظلوما والله لأطلبنّ بدمه. فقال لها ابن أمّ كلاب: ولم فوالله إنّ أوّل من أمال حرفه لأنت، ولقد كنت تقولين اقتلوا نعثلا فقد كفر. قالت: إنّهم استتابوه ثمّ قتلوه وقد قلت وقالوا وقولي الأخير خير من قولي الأوّل. فقال لها ابن أم كلاب:

منك البداء ومنك الغير * ومنك الرياح ومنك المطر

وأنت أمرت بقتل الإمام * وقلت لنا إنّه قد كفر

فهبنا أطعناك في قتله * وقاتله عندنا من أمر ...

فانصرفت إلى مكّة فنزلت على باب المسجد فقصدت للحجر فسترت واجتمع إليها الناس فقالت يا أيها الناس إن عثمان رضي الله عنه قتل مظلوما ووالله لأطلبن بدمه ). [تاريخ الطبريّ ج3 ص 476].

إنّ تحريضها على قتل عثمان رواه أكثر من مؤرّخ فلا يحتاج مع شهرته إلى سند صحيح، لأنّه خبر تاريخيّ، ورواته هم :

ـ أبو مخنف لوط بن يحيى ( ت 157هـ) كما في نقل ابن أبي الحديد عن كتابه.

- سيف بن عمر الضبّيّ الأسديّ ( ت بعد 170هـ) في : [الفتنة ووقعة الجمل، ص 115]، وهو عمدة في التاريخ لدى الجمهور .

ـ المدائنيّ ( ت 235هـ) كما في نقل ابن ابي الحديد عن كتابه [الجمل] .

ـ ابن قتيبة ( ت 276هـ) في : [الإمامة والسياسة، ج1 ص 51]

ـ الطبريّ ( ت 310هـ) . كما في النقل السابق.

ـ ابن أعثم ( ت 314هـ ) في : [الفتوح، ج2 ص 421]

- ابن مسكويه ( ت 421هـ )، إذْ قال ابن مسكويه: ( ولمّا هرب بنو أميّة لحقوا بمكّة ، فاجتمعوا إلى عائشة ، وكانوا ينتظرون أن يلي الأمر طلحة ، لأنّ هوى عائشة كان معه ، وكانت من قبل تشنّع على عثمان ، وتحضّ عليه ، وتخرج راكبة بغلة رسول الله (ص) ومعها قميصه وتقول: هذا قميص رسول الله (ص) ، ما بلى وقد بلى دينه ، اقتلوا نعثلا ، قتل الله نعثلا. فلمّا صار الأمر إلى عليّ كرهته وعادت إلى مكّة بعد أن كانت متوجّهة إلى المدينة ، ونادت: ألَا إنّ الخليفة قتل مظلوما ، فاطلبوا بدم عثمان) [تجارب الأمم ، ج1 ص 469].

هذا خبر تاريخيّ رواه أكثر من واحد ، لا يشترط فيه صحّة السند، وسيفٌ أحد رواة الخبر عمدة في التاريخ كما في ترجمته لدى ابن حجر في (تهذيب التهذيب). أمّا رواته من المؤرّخين في سائر القرون فهم كثيرون لا داعي لذكرهم لنقلهم عن الأوائل.

وأمّا من المصادر الشيعيّة التي ذكرت مقولتها: (اقتلوا نعثلا فقد كفر) فَهَاكَ بعضاً منها: [اختيار معرفة الرجال للكشيّ، للشيخ الطوسيّ، ج1 ص 152] ، [كشف اليقين للعلّامة الحلّيّ، ص152] ومصادر أخرى كثيرة.

قال ابن عبد ربه: (قال رجل من بني ليث ... فقدمت المدينة فلقيت سعد بن أبي وقاص ، فقلت: أبا إسحاق من قتل عثمان ؟ قال : قتله سيف سلّته عائشة ...). [العقد الفريد، ج 5 ص 48].

فلمّا استلم الإمام عليّ (ع) الخلافة، قاتلته عائشة بزعم القصاص من قتلة عثمان. إذْ روى الطبرانيّ رواية صحيحة السند، تدعو فيها عائشة على قتلة عثمان، فقالت: (...لعن الله قتلته أقاد الله بن أبي بكر به وساق الله إلى أعين بني تميم هوانا في بيته واهراق الله دماء بني بديل على ضلالة وساق الله إلى الأشتر سهما من سهامه ...). [المعجم الكبير، ج 1 ص 88] [وراجع تاريخ المدينة لابن شبّة النميريّ، ج 4 ص1244]

وفي رواية مرسلة ذكرها ابن طيفور، قالت عائشة: (اللّهم اقتل مذمما قصاصا بعثمان وارم الأشتر بسهم من سهامك لا يشوى وأدرك عمّاراً بحفرته في عثمان). [بلاغات النساء لابن طيفور، ص 9].

قال الجاحظ: (اللّهم اقتل مذمما تعني محمّد بن أبي بكر قصاصا بعثمان وارم الأشتر بسهم من سهامك لا يشوى وأرد عمّارا بحفرته في عثمان). [البيان والتبيين، ص 359].

وأمّا السبب في عدم مطالبتها بدم أخيها محمّد الذي قُتِلَ ظلماً وعدوانا، فلأنّه كان مقرّباً من الإمام عليّ (ع)، معترضا عليها كارها لها لمحاربتها الإمام عليّ (ع). والحمد لله ربّ العالمين.