هل التقى الشاعر حيدر الحلّي بالإمام المهدي (عج) وقرأ قصيدته عليه؟

السؤال : هل قصَّة لقاء شاعر أهل البيت السيد حيدر الحلِّي (رحمه الله) بالإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) وقراءته قصيدة (الله يا حامي الشريعة) على مسامعه المباركة ثابتة تأريخياً ؟

: الشيخ نهاد الفياض

الجواب :

بسم الله الرحمن الرحيم

لا يخفى أنَّ السيّد حيدر بن سُليمان بن داوود الحلِّيّ من شعراء أهل البيت (عليهم السلام) المجيدين، ويُعدُّ من أصحاب القصائد الحوليّة، أي: التي تُقرأ في كلِّ حولٍ مرَّة.

وقد انفرد السيد الحلِّيّ (رحمه الله) «عن كثير من شعراء عصره بعدَّة ظواهر، منها: كونه حَاكَمَ شعره في حياته، فكان لاعتداده بنفسه لا يثبت القصيدة إلَّا بعد أنْ يقرأها المرَّة تلوى الأُخرى، وبعد الإطمئنان يقرؤها على رهطٍ من فحول الشعراء، بعد إعطائه لهم حريَّة النقد والمناقشة، فإذا ما تمَّ كلُّ ذلك وافق على نسبتها له، لذا تراه أوَّل ما عُني بمراثيه لآل البيت (عليهم السلام)، فكان لا يذيع القصيدة إلَّا بعد أنْ يمَّر عليها عامٌ واحد، ومن ثمَّ يخرجها ويقرؤها، ليذيعها في الأندية، وبهذا عُرفت مراثيه بـ(الحوليّات)، لاشتمالها على شعر رصين مركَّز خالٍ من الحشو والسفسطة، وإذا ما وجد له شعر ركيك فما ذلك إلَّا ممّا لم يقرأ باسمه في حينه، ولم ينسب إليه في وقته». [يُنظر: مقدِّمة ديوان السيّد حيدر الحلِّيّ ج1ص 8، عليّ الخاقانيّ].

توفّي السيّد الحلِّيّ في مدينة الحلَّة «في الليلة التاسعة من ربيع الأوَّل سنة 1304هـ وحمل نعشه إلى النجف بموكب مهيب مؤلَّف من علماء وأعيان ووجوه الحلَّة، ودفن ممّا يلي رأس الإمام عليّ (ع) في أوَّل (الساباط) إلى جهة الشمال، وكان لذلك اليوم رنَّة حزن وأسف عميقين في سائر الأوساط العراقيّة عامّة، ويوم عظيم في النجف، فقد عُطِّلت المدارس في سامراء والنجف بأمر من الإمام الشيرازيّ حداداً على فقده، ومن غريب الصدف أنْ نزل الغيث يوم وفاته كأفواه القرب، بعد أنْ امتنع زمناً أحسَّ الناس فيه بالجدب، ورثاه جميع شعراء عصره بقصائد كثيرة». [ يُنظر: مقدِّمة ديوان السيّد حيدر الحلِّيّ ج1ص 12، عليّ الخاقانيّ].

عَينية السيّد الحلِّيّ:

لعلَّ من أشهر قصائد السيّد الحلِّيّ (رحمه الله) قصيدة (الله يا حامي الشريعة)، تلك القصيدة التي رثى بها جدَّه الحسين (ع)، واستنهض بها الإمام صاحب العصر والزمان (عج)، وهي من القصائد الرائعة والخالدة.

وقد اُشتهر على الألسن أنه (رحمه الله) كان قد نظم هذه القصيدة ولم يُطلِع عليها أحداً من الناس، حتَّى التقى بذلك الرجل المهيب الذي عُرف فيما بعد بأنه صاحب الزمان (عليه السلام).

ولكنّنا بعد البحث والتفتيش في المصادر المتاحة لم نعثر على مصدرٍ لهذه القصَّة، بل حتَّى إنَّ المحدِّث النوريّ (رحمه الله) ـ المتوفَّى سنة 1320هج ـ الذي جمع في كتابيه (النجم الثاقب في أحوال الإمام الحجَّة الغائب، وجنّة المأوى في ذكر من فاز بلقاء الحجَّة عليه السلام) الكثير من قصص اللّقاء بالإمام الصاحب (عليه السلام) لم يُشر إلى هذه القصَّة، مع أنّه أشار إلى السيّد الحلِّيّ (رحمه الله) في غير هذه القصيدة. [يُنظر: جنّة المأوى ص173].

نعم، من يرى كفاية (التأريخ المسموع) إذا كان يُشيِّد حقّاً معلوماً أو يُنفِّر من باطلٍ معلوم ـ كما هو الظاهر من كلمات فقيه أهل البيت (عليهم السلام) السيّد محمَّد سعيد الحكيم (طاب ثراه) في مثل هذا المقام ـ أمكنه التعويل على شهرة هذه القصَّة، لكون مضمونها يُثبت حقّاً لا مرية فيه. [يُنظر: من وحي الطف ص90].

ولعلَّ من أجل هذا عوَّل بعض المعاصرين على تلك الشهرة وأدرج القصَّة في كتاب له، إليك نصَّ كلامه: «السيّد حيدر بن السيّد سُليمان الحلِّيّ (رحمه ‌الله) الحسيب الأديب خرِّيت صناعة الشعر، الذي ما اختلف أحد في تقواه، ولقاؤه مع الإمام (عج) مشهورٌ ومتداول على ألسن الخطباء وأهل المنابر، ومضمون حكايته: أنَّ السيّد حيدر الحلِّيّ كان من عادته في كلِّ سنة أنْ ينشئ قصيدة رثاء للإمام الحسين (عليه ‌السلام) وينشدها أمام قبره في يوم عاشوراء، وعندما نظم قصيدته العينيّة التي يستنهض بها الإمام الحجَّة (عج) سراً بينه وبين المولى عزَّوجلَّ، إذ لم يطَّلع عليها أحد بعد، فذهب إلى كربلاء في يوم عاشوراء، لينشد قصيدته العينيّة الجديدة عند الإمام الحسين (ع)، وفي الطريق رافقه سيّد أعرابيّ وقال له بعد السلام: يا سيّد حيدر، انشدني قصيدتك العينيّة، فأنشده قصيدة عينيّة سابقة أُخرى (للسيّد نفسه) غير التي في خاطره، فقال: لا أريد هذه، أريد قصيدتك التي أنت ذاهب من أجلها، فقرأها له، والتي مطلعها.

مات التصبُّر في انتظارك ... أيّها المحيي الشريعة

فانهض فما أبقى التحمُّل... غير أحشاء جزوعة

أترى تجىءُ فجيعةٌ بأمضِّ ... من تلك الفجيعة

حيث الحسين على الثرى ... خيل العِدا طحنت ضلوعه

ورضيعه بدم الوريد... مخضبٌّ فاطلب رضيعه

فأخذ السيّد الأعرابيّ بالبكاء وقال: يا سيّد حيدر، كفى.. كفى، والله إنَّ الأمر ليس بيدي واختفى عن أنظار السيّد، فعرف السيّد أنّه الإمام (عج) إذ لم يطّلع أحد على قصيدته، وناداه باسمه من دون سابق معرفة، وكلامه له بكفى .. كفى». [تاريخ مقام الإمام المهديّ في الحلَّة ص170].

والمتحصَّل ممّا تقدَّم: أنَّ قصَّة لقاء السيّد الحلِّيّ (رحمه الله تعالى) بالمولى المعظَّم (عجَّل الله فرجه الشريف) وإلقاءَه القصيدة عليه وإنْ كانت من القصص المشهورة على الألسن كما تبيّن إلَّا أنها لا توجد في مصدرٍ من المصادر المتاحة لنا، ولذلك لا يُمكن التعويل عليها إلَّا بناءً على كفاية الأخذ بالتأريخ المسموع .. والله الموفِّق.