لماذا لُقِّب الإمام الهادي (عليه السلام) بهذا اللّقب

السؤال: لماذا لقّب الإمام العاشر عليّ بن محمّد (عليه السلام) بلقب (الهادي)، على الرغم من أنّ جميع أهل البيت (عليهم السلام) هداة مهديّون؟

: الشيخ إبراهيم البصري

الجواب:

بسم الله الرحمن الرحيم

اعلم أخي السائل بأنَّ جميع الأئمّة الهداة الطاهرين (عليهم السلام) قد ذكروا بأسمائهم وألقابهم من زمن النبيّ محمّد (صلّى الله عليه وآله)، وهم بجعلٍ إلهيّ، كما روى ذلك أبو جعفر الطبريّ الإماميّ بالإسناد عن سلمان ( رضي الله عنه ) ، قال : قال لي رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : إنّ الله (تبارك وتعالى ) لم يبعث نبيّاً ولا رسولاّ إلّا جعل له اثني عشر نقيباً، فقلت : يا رسول الله ، لقد عرفت هذا من أهل الكتابين، فقال : يا سلمان : هل علمت مَنْ نقبائي ومَنِ الاثني عشر الذين اختارهم الله للأمّة من بعدي ؟ فقلت : الله ورسوله أعلم، فقال : يا سلمان ، خلقني الله من صفوة نوره ، ودعاني فأطعته ، وخلق من نوري عليّاً ، ودعاه فأطاعه ، وخلق من نور عليّ فاطمة ، ودعاها فأطاعته ، وخلق منّي ومن عليّ وفاطمة : الحسن ، ودعاه فأطاعه ، وخلق منّي ومن عليّ وفاطمة : الحسين ، فدعاه فأطاعه، ثمّ سمّانا بخمسة أسماء من أسمائه ، فالله المحمود وأنا محمّد ، والله العليّ وهذا عليّ ، والله الفاطر وهذه فاطمة ، والله ذو الإحسان وهذا الحسن ، والله المحسن وهذا الحسين، ثمّ خلق منّا ومن نور الحسين ، تسعة أئمّة ، فدعاهم فأطاعوه ، قبل أن يخلق سماء مبنيّة ، وأرضا مدحيّة ، ولا ملكا ولا بشرا ، وكنّا نورا نسبّح الله ، ونسمع له ونطيع، قال سلمان : فقلت يا رسول الله ، بأبي أنت وأمّي ، فما لمن عرف هؤلاء ؟ فقال : يا سلمان ، من عرفهم حقّ معرفتهم ، واقتدى بهم ، ووالى وليّهم ، وتبرّأ من عدوّهم ، فهو والله منّا ، يرد حيث نرد ، ويسكن حيث نسكن، فقلت : يا رسول الله ، وهل يكون إيمان بهم بغير معرفة بأسمائهم وأنسابهم ؟ فقال : لا يا سلمان، فقلت : يا رسول الله ، فأنّى لي بهم وقد عرفت إلى الحسين ؟ قال : ثمّ سيّد العابدين عليّ بن الحسين ، ثمّ ابنه محمّد بن عليّ باقر علم الأوّلين والآخرين من النبيّين والمرسلين ، ثمّ ابنه جعفر بن محمّد لسان الله الصادق ، ثمّ ابنه موسى بن جعفر الكاظم غيظه صبرا في الله ( عزّ وجلّ ) ، ثمّ ابنه عليّ بن موسى الرضيّ لأمر الله ، ثمّ ابنه محمّد بن عليّ المختار من خلق الله ، ثمّ ابنه عليّ محمّد الهادي إلى الله ، ثمّ ابنه الحسن بن عليّ الصامت الأمين لسرّ الله ، ثمّ ابنه محمّد بن الحسن الهادي المهديّ الناطق القائم بحقّ الله... [دلائل الإمامة ص447-449]، فإذا كان الأمر كذلك فهذه الألقاب الموسوم بها الأئمّة الأطهار (عليهم السلام) لم تكن بتدخّل بشري، بل بجعلٍ إلهيّ.

وعليه، فالإمام الهادي (عليه السلام) - الذي هو مورد سؤال الأخ السائل – له ألقاب عدّة اتّصف بها في زمانه، منها: (الهاديُّ، والنقيُّ، وهما أشهر ألقابه، والمرتضى، والفتّاح، والناصح، والفقيه، والعسكريّ، وصاحب السرّ، والطيّب، والأمين، والمؤتمن)] مناقب آل أبي طالب ج3 ص505[، ومن ألقابه أيضاً (المتوكّل، وقد منع شيعته من أن ينادوه به؛ لأنّ الحاكم العباسيّ كان يُلقّب به). ] كشف الغمة ج2 ص374[، وأشهر ألقابه: (النقيّ، والهادي، وقد عُرف هو وابنه بالعسكريَّين (عليهما السلام))، ]علل الشرائع ج1 ص241[، ومعنى هذه الألقاب التي اتّسم بها بسبب خصوصيّات أظهرتها تلكم الألقاب، فهو (عليه السلام) الأمين على الشرع، والمؤتمن على تبليغ الرسالة الإسلاميّة الأصيلة، والطيّب الطاهر عن كلّ دنس وعيب، والنقيُّ عن الرجس بعصمته، والنجيب الكريم الحسيب، والمرتضى الذي ارتضاه الله ليكون حجّته على خلقه، والعالم بأمور الدين والدنيا، والفقيه في أحكام الله الواقعيّة من الحلال والحرام، والهادي الى الخير والفضيلة والتقوى، وأمّا لقبه بالعسكريّ هو وابنه (عليهما السلام) فبسبب الإقامة الجبريّة في ثكنة عسكريّة في سامراء فلقّب بذلك (عليه السلام). ]الأنساب للسمعانيّ ج4 ص194[.

لذلك، فالأئمّة (عليهم السلام) كلّهم هداة مهديّون، وكلّ هذه الصفات تطلق عليهم، فهم العابدون لله، الساجدون له، بقروا علم الأوّلين والآخرين، وهم الصادقون فيما قالوه، الكاظمون للغيظ، الراضون المرضيّون، الذين جادوا بأنفسهم خدمة للدين، الهادون للناس الى الحقّ ومعرفة الله تعالى، المهديّون بأمره تعالى، باستثناء لقب العسكريّ؛ لأنّه لقب بسبب منطقة "عسكر" في "سرّ من رأى" التي حُبس بها الإمامين العسكريّين (عليهما السلام)، فلقّب بها الإمامين العسكريّين (عليهما السلام) دون باقي الأئمّة الهداة (عليهم السلام).

مع ذلك، فقد ذاع صيت ألقاب الأئمّة (عليهم السلام) بين المسلمين، كما في الرواية المتقدّمة، فعُرف بها الإمام (عليه السلام)، وأيضاً لتمييزه عن باقي الأئمّة، فيُشاع بين شيعته ومحبّيه لقب محبّب عندهم فيسمّونه به، ولا مانع من تسمية باقي الأئمّة (عليهم السلام) بالألقاب عينها، ونكتفي بهذا القدر من الجواب، والحمد لله ربِّ العالمين.