لِمَ لم تُذكر في النهج ظلامة الزهراء؟
السؤال: لماذا لم يذكر الإمام عليٌّ (ع) تفاصيل استشهاد الزهراء (ع) في خطب نهج البلاغة؟ فهل يُعقل أنَّ حادثةً بهذا الحجم لا يذكرها الإمام ليلاً أو نهاراً، من أجل ارغام القوم الذين قتلوها (ع)؟
الجواب:
بسم الله الرحمن الرحيم
من أجل استيضاح جواب هذا السؤال ينبغي الكلام في عدَّة جهات.
الجهة الأولى: من الواضح أنَّ كتاب (نهج البلاغة) من تأليف السيِّد محمَّد بن الحسين بن موسى الموسويّ البغداديّ، المعروف بالشريف الرضيّ (طاب ثراه)، وليس من تأليف أمير المؤمنين (ع) كما يتوهَّم البعض.
قال النجاشيُّ (طاب ثراه) في ترجمة الرضيِّ: (له كتبٌ منها: كتاب حقائق التنزيل، كتاب مجاز القرآن، كتاب خصائص الأئمَّة (ع)، كتاب نهج البلاغة) [رجال النجاشيّ ص398].
وقال فيه ابن عنبة الحسينيّ: (له من التصانيف كتاب المتشابه في القرآن، وكتاب مجازات الآثار النبويَّة، وكتاب نهج البلاغة) [عمدة الطالب ص207].
وعلى هذا، فعدم ذكر ظلامات الصدِّيقة الزهراء (ع) في كتاب النهج ليس راجعاً إلى أمير المؤمنين (ع) حتَّى يصحُّ الإشكال بما تقدَّم.
الجهة الثانية: أنَّ كتاب (النهج) لم يُنقل فيه كلُّ ما قاله أمير المؤمنين (ع)، وإنَّما نُقل منه ما يرجع إلى جهة الفصاحة والبلاغة، ومنه يتَّضح أنَّ عدم وجدان الظلامات في كتاب النهج لا يدلُّ على عدمها.
قال السيِّد الرضيُّ (طاب ثراه) في مقدِّمة النهج: (وما أدَّعي مع ذلك أنني أحيط بأقطار جميع كلامه (ع) حتَّى لا يشذ عنِّي منه شاذ، ولا يند ناد، بل لا أبعد أنْ يكون القاصر عنِّي فوق الواقع إليَّ، والحاصل في ربقتي دون الخارج من يدي، وما عليَّ إلَّا بذل الجهد وبلاغ الوسع، وعلى الله سبحانه نهج السبيل، ورشاد الدليل إنْ شاء الله) [نهج البلاغة ص41].
ويُرشد إلى ذلك أيضاً واقع الحال المنكشَف من خلال كتابة المستدركات على الكتاب، أمثال كتاب (مستدرك نهج البلاغة) للشيخ هادي كاشف الغطاء، وكتاب (نهج السعادة في مستدرك نهج البلاغة) للشيخ المحموديِّ، وغيرهما.
الجهة الثالثة: أنَّ الملاحظ في جملةٍ من كلمات أمير المؤمنين (ع) أنه قد ذكر ظلامات الصدِّيقة الزهراء (ع) تصريحاً أو تلويحاً، نذكر جملةً منها خشية الوقوع في الإطالة.
1ـ روي عن أبان، عن سُليم قال: (فلقيتُ علياً (صلوات الله عليه) فسألته عما صنع عمرُ، فقال: «هل تدري لم كفَّ عن قنفذ ولم يغرّمْه شيئاً»؟ قلتُ: لا. قال: «لأنه هو الذي ضرب فاطمة بالسوط حين جاءت لتحول بيني وبينهم، فماتت (صلوات الله عليها) وإنَّ أثر السوط لفي عضدها مثل الدُملج») [كتاب سُليم ج2 ص673].
2ـ وروى الصدوق عن أبي جعفر الباقر، عن جدِّه أمير المؤمنين (ع) أنه قال بعد مقتل الزهراء (ع): «اللهم إني راضٍ عن ابنة نبيِّك، اللهم إنها قد أوحشت فآنسها، اللهم إنها قد هجرت فصلها، اللهم إنها قد ظلمت فاحكم لها، وأنت خير الحاكمين» [الخصال ج2 ص588].
3ـ وروى الشيخ الطوسيُّ بسنده عن عمَّار بن ياسر (رضوان الله عليه) أنَّ أمير المؤمنين (ع) قال لعمِّه العبَّاس: «إنَّ فاطمة بنت رسول الله (ص) لم تزل مظلومة، من حقِّها ممنوعة، وعن ميراثها مدفوعة، لم تحفظ فيها وصية رسول الله (ص)، ولا رعي فيها حقَّه، ولا حق الله (عزَّ وجلَّ)، وكفى بالله حاكماً، ومن الظالمين منتقماً» [الأمالي ص244].
4ـ وجاء في نهج البلاغة كلامٌ له (ع) عند دفن السيِّدة الزهراء (ع)، هذا نصُّه: «السلام عليك يا رسول الله، عنِّي وعن ابنتك النازلة في جوارك، والسريعة اللحاق بك، قلَّ يا رسول الله عن صفيَّتك صبري، ورقَّ عنها تجلُّدي، إلَّا أنَّ لي في التأسِّي بعظيم فرقتك، وفادح مصيبتك... فلقد استرجعت الوديعة، وأخذت الرهينة. أمَّا حزني فسرمد، وأمَّا ليلي فمسهَّد إلى أنْ يختار الله لي دارك التي أنت بها مقيم، وستنبئك ابنتك بتضافر أمَّتك على هضمها، فأحفها السؤال واستخبرها الحال. هذا ولم يطل العهد، ولم يخل منك الذكر، والسلام عليكما سلام مودِّعٍ لا قالٍ ولا سئم، فإنْ أنصرف فلا عن ملالة، وإنْ أُقم فلا عن سوء ظنٍّ بما وعد الله الصابرين» [نهج البلاغة ج2 ص182]. إلى غيرها من كلماته (ع) في هذا المجال.
والنتيجة من كلِّ ما تقدَّم، أنَّ أمير المؤمنين (ع) قد صرَّح في أكثر من موقفٍ ومحفل بظلامات الصدِّيقة الزهراء (ع) الواقعة عليها من قبل القوم آنذاك، كما لا يخفى.. والحمد لله ربِّ العالمين.
اترك تعليق