هل الزهراء (ع) هي أوّل من سُمِّيت باسم " فاطمة "؟!.
السؤال: من عجائب دين الرافضة زعمهم أنّ أوّل من تسمّى باسم فاطمة هي فاطمة بنت محمَّد (ص)، مع أنّ الكثير من الفاطميَّات قد سبقنها بالتسمية به، فكيف يُعقل ذلك؟
الجواب:
بسم الله الرحمن الرحيم
تتّضح الإجابة عن السؤال المذكور من خلال الآتي:
لا يُنكر الشيعة تسمية أكثر من امرأةٍ في الجاهليَّة والإسلام باسم فاطمة ممّا يعني سبقهنَّ على الزهراء (ع) بهذا الاسم، أو معاصرتهنَّ لها، كفاطمة بنت أسد، وفاطمة بنت جنيد، وفاطم بنت أبي حبيش، وفاطمة بنت حمزة، وفاطمة بنت صفوان، وفاطمة بنت عتبة وغيرهنّ.
لكنّ من الواضح امتياز مولاتنا الزهراء (ع) عن الجميع بعاملين أساسيّين:
أحدهما: انفرادها من بين جميع الفواطم في أنّ واضع الاسم لها هو الحقّ سبحانه - كما سيأتي تصريح الروايات بذلك- وليس مستغربًا أن يقوم الله تعالى بتسمية بعض خلقه باسمٍ معيّنٍ؛ ليمنحهم بذلك ميزةً وكرامةً وفضلاً، فها هو القرآن الكريم يصرّح بأنّ نبي الله يحيى (ع) قد وضعت له السماء اسماً لم يُطلق على أحدٍ قبله، قال تعالى: {يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا}[مريم: 7]، ومن الواضح أنّ هذه التسمية الفريدة التي وُضعت من قِبَل السماء تعتبر كرامةً لصاحبها؛ ممّا يجعلها مصدراً للفضل ومناسبةً للفخر؛ ولذا امتنّ الله تعالى به على زكريّا.
والآخر: هو أنّ الفواطم المذكورات أنّما سبقْنَ بهذا الاسم في حدود عالم الحياة الدنيّا، وذلك لا يتعارض مع ما يعتقده الشيعة من أنّ سبق الزهراء عليهنّ إنّما هو في عالم الوجود مطلقاً، أي ما يشمل جميع العوالم التي كانت قبل عالم الحياة الدنيا، حيث سيتّضح من روايات الفريقين - وبشكلٍ صريحٍ - أنّ مولاتنا الزهراء (ع) كانت قد سُمِّيت باسم فاطمة في عوالم سابقةٍ على عالم الحياة الدنيا، فيكون شأنها في ذلك شأن أبيها النبيّ الاكرم (ص)، فإنّه وإن كان آخر الأنبياء بعثةً إلّا أنّ ذلك لم يمنع من أن يكون أشرفهم في المنزلة، وأفضلهم في الدرجة، وأعلاهم في المرتبة، وأحبّهم إلى الله تعالى.
ويمكن تقسيم الروايات الكاشفة عن سبق تسمية الزهراء (ع) باسم فاطمة على طوائف ثلاث:
الطائفة الأولى: ما يُستفاد منها أنّ تسميتها (ع) بهذا الاسم كانت قبل خلق آدم (ع):
منها: ما رواه الصدوق بإسناده إلى ابن مسعود تارة وإلى ابن عباس أخرى، قالا:« قال رسول الله (ص) لعلي بن أبي طالب (ع) : لما خلق الله (عزّ وجلّ ذكره) آدم ونفخ فيه من روحه وأسجَدَ له ملائكته ، وأسكنه جنّته، وزوّجه حوّاء أَمته، فرفع طرفه نحو العرش فإذا هو بخمسة سطورٍ مكتوبات.
قال آدم: يا ربّ من هؤلاء؟
قال الله عزّ وجلّ له: هؤلاء الذين إذا تشفّع بهم إليَّ خلقي شَفّعتهم. فقال آدم: يا ربّ بقدرهم عندك ما اسمهم؟
قال تعالى: أما الأول فأنا المحمود وهو محمَّد، والثاني فأنا العالي وهو علي، والثالث فأنا الفاطر وهي فاطمة، والرابع فأنا المحسن وهو الحسن، والخامس فأنا ذو الاحسان وهو الحسين، كلٌّ يحمد الله عزّ وجلّ »[معاني الأخبار ص56، علل الشرائع ج1ص135، ولأحاديث أخرى ينظر: تفسير الإمام العسكريّ ص220، ينابيع المودّة ج1ص289].
ومنها: ما رواه القاضي النعمان المغربيُّ عن الحافظ بن النحّاس أحمد بن محمَّد بن عيسى المصريِّ، بإسناده، عن أبي هريرة قال: «سمعت رسول الله (ص) يقول: لَمّا خلق الله عزّ وجلّ آدم (ع) ونفخ فيه من روحه، نظر آدم (ع) يمنة العرش، فإذا من النور خمسة أشباح على صورته رُكّعاً سُجّداً. فقال: يا ربّ هل خلقت أحداً من البشر قبلي؟
قال: لا، قال: فمَن هؤلاء الذين أراهم على هيئتي وعلى صورتي؟ قال: هؤلاء خمسة من ولدك لولاهم ما خلقتك ولا خلقت الجنّة ولا النار ولا العرش ولا الكرسيّ ولا السماء ولا الأرض ولا الملائكة ولا الإنس ولا الجنّ، هؤلاء خمسة اشتققت لهم أسماء من أسمائي: فأنا المحمود وهذا محمَّد، وأنا الأعلى وهذا عليّ، وأنا الفاطر وهذه فاطمة، وأنا الإحسان وهذا حسن [الحسن]، وأنا المحسن وهذا الحسين. آليت بعزّتي أنْ لا يأتيني أحدٌ بمثقال حبّةٍ من خردلٍ من حبّ أحدٍ منهم إلّا أدخلته جنَّتي، وآليت بعزّتي أنْ لا يأتيني أحدٌ بمثقال حبّةٍ من خردلٍ من بغض أحدٍ منهم إلّا أدخلته ناري ولا أُبالي.
يا آدم! وهؤلاء صفوتي من خلقي، بهم أُنجي وبهم أُهلِك»[شرح الأخبار ج2ص501].
الطائفة الثانية: ما دلّ على أنّ توبة آدم (ع) كانت لتوسّله بأسماء أصحاب الكساء (ع):
منها: ما رواه جمعٌ كبيرٌ من علماء العامّة بسندهم عن سعيد به جبير عن ابن عبَّاس قال:« سُئِل النبيّ (ص) عن الكلمات التي تلقّاها آدمُ من ربّه فتاب عليه.
قال: سأله بحقّ محمَّدٍ وعليٍّ وفاطمة والحسن والحسين إلّا تُبتَ عَليَّ فتاب عليه» [الدرّ المنثور ج1ص61، المناقب لابن المغازليّ ص115، ينابيع المودّة ج1 ص288، شواهد التنزيل ج1ص102]، وقد ذكر الحاكم الحسكانيُّ جمعاً كبيراً من علماء العامّة الآخرين الذين رووه مع أسماء كتبهم، فراجع واغتنم.
الطائفة الثالثة: ما دلّ على أنّ الأنبياء (ع) كانوا يتوسّلون إلى الله تعالى في أدعيتهم بأسماء أصحاب الكساء (ع)، بعد أن ورثوا علوم آدم (ع)، وقد عقد العلّامة المجلسيُّ في الجزء السادس والعشرين من بحار الأنوار باباً كاملاً بعنوان: (باب: أنّ دعاء الأنبياء استجيب بالتوسل والاستشفاع بهم صلوات الله عليهم أجمعين)، وقد جمع فيه الكثير من الروايات في ذلك فيمكن المراجعة والاغتنام.
والحاصل: أنّ معرفة الأنبياء (ع) بأصحاب الكساء الخمسة (ع) وما لهم من الفضل والكرامة على الله تعالى، وإخبارهم لأممهم بذلك وتعريفهم لهم بأنّهم سرّ الرحمة الإلهيّة ومفتاح استجابة الدعاء وطريق قبول التوبة، وسماع تلك الأمم بتوسل آدم، ونوح، وإبراهيم، ويونس، وسائر الأنبياء (ع) بهم، وكشف الله تعالى بهم الكرب عنهم، وعن أممهم.. وكذلك تبشيرهم أممهم بالنبيّ الخاتم وخصائصه مع خصائص آل بيته (ص) كلّ هذه العوامل ونحوها جعلت الناس تطلق أسماءهم على مواليدها ذكوراً وإناثاً تيمّناً بهم (ع) وتبركاً بأسمائهم المقدّسة، وكلّ ذلك قبل وصول أحد هؤلاء الخمسة (ع) إلى عالم الحياة الدنيا.
والذي يشهد لمعرفة الأنبياء(ع) من أوّل الخلق: هو أنّهم ورثة علوم آدم (ع) ، وقد قال تعالى: {وَعَلَّمَ آَدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ}[البقرة:31]، فقد ذكر مفسّرو الفريقين أنّ ما تمّ تعليمه لآدم (ع) ليس تعليم الأسماء دون المعاني؛ فذلك لا يُكسب آدم فخراً، بل المقصود هو الأسماء بما لها من المعاني والمفاهيم والمسمّيات وحقائق الأشياء؛ وبذلك صار عالماً بالكون وبأسرار الموجودات وخواصّها الدينيّة والدنيويّة، الأمر الذي شكّل بدوره مفخرةً كبيرةً وفضلاً لآدم (ع) على الملائكة.[ينظر: تفسير الأمثل ج1 ص158، الميزان ج1 ص116، الكشاف ج1 ص272، تفسير الرازيّ ج2 ص176].
والخلاصة: ثبت لدينا تسمية الزهراء (ع) باسم "فاطمة" قبل عالم الحياة الدنيا، وأنّ الناس قد علموا بالاسم الشريف عن طريق أنبيائهم (ع).
هذا ما وفّقنا الله لتحريره في المقام، والحمد لله ربّ العالمين.
اترك تعليق