كيف يصحّ اشتقاق اسم " فاطمة " (ع) من اسم الله تعالى " فاطر السماوات والأرض "؟!
السؤال: يزعم الرافضة انّ اسم فاطمة مشتقٌّ من اسم الله تعالى فاطر السماوات!، فكيف يصحُّ ذلك ولكلّ من الاسمين مادة غير مادة الآخر؟!.
الجواب:
بسم الله الرحمن الرحيم.
تتّضح الإجابة عن السؤال المذكور من خلال بيان الأمور التالية:
الأمر الأوّل: ينبغي عدم التغاضي عن كون دعوى الشيعة لاشتقاق اسم فاطمة من بعض أسمائه تعالى ليس بدعاً من الأمر، وإنّما ذلك ما صرّحت به الأخبار الكثيرة منها:
1- ما رواه الصدوق بإسناده إلى ابن مسعود تارةً وإلى ابن عبَّاس أخرى، قالا: «قال رسول الله (ص) لعلي بن أبي طالب (ع): لما خلق الله (عزّ وجلّ ذكره) آدم ونفخ فيه من روحه وأسجَدَ له ملائكته، وأسكنه جنّته، وزوّجه حوّاء أَمته، فرفع طرفه نحو العرش فإذا هو بخمسة سطورٍ مكتوبات.
قال آدم: يا ربّ من هؤلاء؟
قال الله عزّ وجلّ له: هؤلاء الذين إذا تشفّع بهم إليَّ خلقي شَفّعتهم.
فقال آدم: يا ربّ بقدرهم عندك ما اسمهم؟
قال تعالى: أما الأوّل فأنا المحمود وهو محمَّد، والثاني فأنا العالي وهو علي، والثالث فأنا الفاطر وهي فاطمة، والرابع فأنا المحسن وهو الحسن، والخامس فأنا ذو الاحسان وهو الحسين، كلٌّ يحمد الله عزّ وجلّ »[معاني الأخبار ص56، علل الشرايع ج1ص135]
2- ما روي عن الإمام علي بن الحسين (ع) قال: «حدثني أبي ، عن أبيه ، عن رسول الله "ص" [قال:] ...، قال الله تعالى: يا آدم هذه أشباح أفضل خلائقي وبرياتي: هذا محمَّدٌ وأنا المحمود الحميد في أفعالي، شققت له اسماً من اسمي. وهذا عليٌّ، وأنا العليُّ العظيم، شققت له اسماً من اسمي. وهذه فاطمة وأنا فاطر السماوات والأرض، فاطم أعدائي عن رحمتي يوم فصل قضائي، وفاطم أوليائي عما يعرّهم ويسيئهم فشققت لها اسماً من اسمي، ... الخبر» [تفسير الإمام العسكريّ ص219، ينابيع المودّة ج1ص288].
3- ما جاء عن أبي عبد الله جعفر بن محمَّد عن أبيه، عن جدّه، عن علي "ع" قال: قال رسول الله "ص": «ليلة أسرِيَ بي إلى السماء صرت إلى سدرة المنتهى ... يا محمَّدُ! إنّي أنا الله لا إله إلّا أنا فاطر السماوات والأرض، وهبتُ لابنتك اسماً من أسمائي فسمَّيتُها فاطمة، وأنا فاطر كلِّ شيء ... الخبر» [تأويل الآيات ج2ص624]
الأمر الثاني: أنّ دعوى الشيعة لمثل هذا الاشتقاق ليست بمنأى عن مقرّرات ومخرجات علوم اللّغة العربيّة حتّى تكون مستغربةً عند السائل، ولأجل إثبات اشتقاق اسم "فاطمة" من بعض أسمائه تعالى لابدّ من الوقوف على ما ذكره علماء اللغة العربيّة من أنّ الاشتقاق بمعناه العام هو عبارة عن: (توليد بعض الألفاظ من بعض، والرجوع بها إلى أصلٍ واحدٍ يحدّد مادَّتها، ويوحي بمعناها المشترك الأصيل، مثلما يوحي بمعناها الخاص الجديد) [دراسات في فقه اللغة لصبحي الصالح ص174].
ويقع الاشتقاق على أربعة أنواع هي: (الصغير، والكبير، والأكبر، ثمّ الكُبَّار)، والذي يعنينا منها الثالث والرابع فإنّ أيّاً منهما يمكن إرجاع اشتقاق اسم (فاطمة) من (فاطر) إليه كما سيتّضح من التطبيقات التالية:
أوّلاً: تطبيق الاشتقاق الأكبر على موضوعنا، وفيه:
لقد نصّ أهل الاختصاص على أنّ الاشتقاق الأكبر هو: (اشتقاق كلمةٍ من أخرى مع اتفاقهما في المعنى واشتراكهما في بعض الحروف الأصليّة) [كشّاف القناع للبهوتيّ ج3ص423، الإنصاف للمرداويّ ج5ص189]، ومنهم من اكتفى بالاشتراك في المعنى، وأسقط لزوم التشارك في بعض الحروف، [ينظر: الاشتقاق: تعريفه وأنواعه د. أحمد الخاني]. ومن أمثلته قولهم: (خبت وخبط وخفت وخفي وخبل فيستفاد منها مفهوم الانخفاض) وهكذا في (الغور والغوض والغوص والغوط والغيب، فيستفاد منها مفهوم الدخول والورود) [ينظر: التحقيق في كلمات القرآن الكريم ج1ص11].
وعلى كلا التقديرين فإنّ اشتقاق اسم (فاطمة) من خصوص اسم (الفاطر) من أوضح مصاديق الاشتقاق الأكبر؛ لأنّهما يرجعان إلى معنىً واحدٍ وهو الشقّ والفصل بين شيئين، قال المازندرانيُّ: (الفطرةُ: الخلق يقال: فَطَرَهُ يَفْطُرُهُ – بالضمِّ - أي خلقه، والفطرةُ أيضاً الشقّ يقال: فطرته فانفطر أي شققته فانشقَّ ومنه: "فَطَرَ نابُ البعير".
وقال بعض العلماء: "الفَطْرُ حقيقةً هو: الشقُّ في الأجسام ونحوها واستعماله في الخلق والإيجاد استعارة". فهو إذن الفصل والقطع والمباعدة بين شيئين) [شرح أصول الكافي ج3ص222] انتهى ، ومراده ببعض العلماء السيّد حيدر الآملي حيث قال: (... ولمّا كانت حقيقة الفطر الشقّ في الأجسام كانت نسبته هاهنا إلى الخلق استعارة)[تفسير المحيط الأعظم ج2ص173].
وفي كتب اللغة: (فطر: فطَرَ الشيءَ يَفْطُرُه فَطْراً فانْفَطَر وفطَّرَه: شقّه. وتَفَطَّرَ الشيءُ: تشقق... وأَصل الفَطْر: الشق؛ ومنه قوله تعالى: إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ؛ أَي انشقَّت. وفي الحديث: "قام رسول الله (ص) حتى تَفَطَّرَتْ قدماه أَي انشقتا)[لسان العرب ج5ص55، تاج العروس ج7ص350].
وكما ترى فإنّ هذا هو معنى الفطم أيضاً، تقول: فَطَمَت المرأةُ الرّضِيعَ: فَصَلَتْهُ عَن الرِّضَاع، وقَطَعَتْهُ عَن اللَّبَنِ، فالفطم والفطام: القطع والفصل [ينظر: لسان العرب ج12ص454، القاموس المحيط ج4 ص160، تاج العرس ج17 ص539]، هذا من جهة الاتحاد في المعنى.
وأمّا من جهة الحروف فهما يشتركان بثلاثة منها وهي (الفاء والالف والطاء) ولا يختلفان إلّا في الحرف الرابع لكلٍّ منهما وهو (الميم والراء)، وأمّا التاء في فاطمة فهي لتأنيث اللفظ فقط؛ لاشتراك منزوع التاء بين المذكر والمؤنث، وعلى هذا فمن حقّنا أن نسأل من هذا المستشكل فنقول: إذا كان اشتقاق لفظ فاطمة من فاطر جارياً بالتمام والكمال على طبق قواعد الاشتقاق التي وضعها أكابر علماء العربيّة، فأين الغرابة إذاً؟!.
ثانياً: تطبيق النحت أو ما يُعرف بالاشتقاق الكبّار، وفيه:
1- من المعلوم وقوع النحت في لغة العرب وخلاصة المراد به: (صياغة كلمةٍ من كلمتين أو أكثر بقصد الاختصار، بشرط أن تشير هذه الكلمة المصوغة إلى ما يشير إليه مجموع تلك الكلمات من معنى)[ينظر: فقه اللغة وسر العربيّة للثعالبيّ].
ولا يعتبر فيها أن تحوي حروفاً من كلّ كلمةٍ من تلك الكلمات كما هو واضحٌ من بعض المصطلحات الاسلاميَّة كما في نحت كلمة (بسملة) للتعبير بها عن عبارة (بسم الله الرحمن الرحيم)، وكما ترى فإنّ (بسملة) مؤلفة من خمسة حروف: ثلاثة منها مأخوذة من أول كلمة وهي الجار والمجرور (بسم)، ثمّ اللَّام مأخوذٌة من لفظ الجلالة، والتاء خارجة عن أصل النحت؛ لأنّها للتأنيث كما هو واضح. ويلاحظ أن كلمَتَي (الرحمن الرحيم) لم يؤخذ منهما أيّ حرف، ومع ذلك فإنّ كلمة (بسملة) تعبّر بالتمام والكمال عن معنى تلك العبارة التي نُحتت منها.
وهكذا مثلاً في الحيعلة: " حي على الصلاة "، وغير ذلك الكثير. [ينظر معجم مقاييس اللغة ج1ص329، معجم لغة الفقهاء ص31].
2- لقد تقدّم معنا في الروايات أنّ اسم (فاطمة) مشتقّ: أمّا من (فاطر السماوات والأرض)، وأمَّا (فاطر كلّ شيء)،وأمَّا (فاطم أعدائي وفاطم أوليائي)، وحينئذٍ فلا مانع من أن يكون المراد بالاشتقاق هنا هو وقوع النحت في المقام؛ لإنّ ثلاثة من حروف (فاطمة) وهي: (الفاء والألف والطاء) مأخوذة من أوّل كلمةٍ وهي (فاطر)، وتكون (الميم) مأخوذة من (السماوات)، ولم يؤخذ من لفظ (الأرض) أيّ حرف، ثمّ لحقته التاء لمجرّد تأنيث اللفظ كما عرفت، فصار (فاطمة)، وذلك عين ما حصل في نحت (بسملة) من (بسم الله الرحمن الرحيم).
3- أمّا عن كيفية دلالة اسم (فاطمة) على ما اشتُقَّ منه فهذا ما يحتاج إلى مثال، والمثال وإن كان من الاشتقاق الصغير لكنّه مسوقٌ لمجرّد تقريب المعنى لا لبيان أنّه من النحت، فنقول:
لقد روى الفريقان عن النبيّ (ص) قوله: «قال الله تبارك وتعالى: أنا الرحمن خلقت الرحم وشققت لها من اسمى فمن وصلها وصلته ومن قطعها قطعته»[ينظر: المستدرك ج4ص158 واللفظ له، المبسوط للشيخ الطوسيّ ج3ص307]، وقد ذكر علماء الفريقين أنّ (الرحمن والرحيم) اسمان مشتقّان من الرحمة.[توحيد الصدوق ص203، صحيح البخاريّ ج5ص146، الفروق اللغويَّة ص251]، وإذا ما رجعنا إلى ما تقدّم في تعريف الاشتقاق من ضرورة: (أن توحي الكلمة المشتقّة إلى معناها المشترك الأصيل، مثلما توحي إلى معناها الخاص الجديد)، فحينئذٍ يكون اسم (الرحم) إشارة إلى اسم الله تعالى الذي اشتقّت منه وهو (الرحمن)، ثمّ يرجع الاسمان (الرحمن والرحم) بذلك إلى أصلٍ واحدٍ وهو (الرحمة)، كما أنّها تشير إلى المعنى الجديد الذي وُضعت له وهو العلاقة النسبيّة بين بني البشر، وأنّ هذا الوضع الجديد هو تذكير للعباد بأنّ علاقة النسب تستوجب التراحم بين المتقاربين بالفطرة، فأيّ تقصير في ذلك يُعدُّ خروجاً عن مقتضى الفطرة السليمة، ويستوجب العذاب الأليم.
وهكذا هو الحال في اسم (فاطمة) فهو كما يشير إلى معناه الخاص الجديد وهو ذات الزهراء (ع)، فإنّه وفي الوقت نفسه يشير إلى اشتقاقه ونحته من اسم الله تعالى (فاطر السماوات والأرض) حيث يرجع الاسمان إلى أصلٍ واحدٍ وهو الفطر أي: الشقّ والفصل بين شيئين والخلق والإيجاد.
وحينما أُطلق هذا الاسم المقدّس على مولاتنا الزهراء (ع) لم يكن ذلك لمجرّد الإشارة إلى المعنيين السابق والجديد فحسب، بل لإيقاف العباد على عظمة مقامها عند الله تبارك وتعالى ووجوب حفظ حرمتها (ع)، وتذكيرهم بوجود علاقةٍ خارجيّةٍ وثيقةٍ وعميقةٍ بين شخصيّتها القدسيّة وبين أصل الاشتقاق وهو الشقّ والخلق والإيجاد، فالله سبحانه فاطر السماوات والأرض، أي هو العلّة الفاعلة والخالقة والموجدة لهما، وأمّا فاطمة فهي العلّة الغائيّة من وراء خلقهما وإيجادهما؛ فلأجلها (ع) خلقهما الله تعالى، حيث جاءت الروايات في كتب الفريقين (السنّة والشيعة) لتنصّ على كون أصحاب الكساء الخمسة (ع) هم في الجملة العلّة الغائية لخلق السماوات والأرض، بل هم العلّة الغائيّة لخلق كلّ شيء، فلأجلهم خلق الله تعالى جميع الأكوان وما فيها كما دلّ على ذلك حديث الكساء المشهور عندنا وغيره، وللوقوف على تفاصيل أكثر عن هذا الموضوع ورواياته ومصادرها وكلمات علماء العامّة عن تلك الروايات يمكن رجوع القارئ الكريم إلى جوابٍ سابقٍ لمركزنا بعنوان: (معنى: ما خلقتُ سماءً مبنيّة ولا أرضاً مدحيّة ... إلّا لأجلكم). ختاماً هذا ما وفّقنا الله تعالى لتحريره، والحمد لله ربّ العالمين.
(لليالي الفاطمية)
اترك تعليق