شهادة أمير المؤمنين (ع)

السؤال: نرجو منكم أنْ تزودونا بعددٍ من الروايات وكلمات العلماء الدالَّة على استشهاد سيدنا أمير المؤمنين (عليه السلام).

: الشيخ نهاد الفياض

الجواب:

بسم الله الرحمن الرحيم

ذكرنا في جوابٍ سابقٍ تحت عنوان: «ما منَّا إلَّا مقتولٌ أو مسمومٌ» أنَّ المستفاد من جملةٍ من الروايات المعتبرة والمؤيَّدة بكلمات الأعلام: أنَّ النبيَّ (صلَّى الله عليه وآله) وسائر المعصومين (عليهم السلام) قد خرجوا من الدنيا بالقتل أو السُّم، ومنهم سيِّدُنا ومولانا أمير المؤمنين (عليه السلام) كما هو واضح.

هذا، وقد ورد في جملةٍ كبيرةٍ من الروايات في مصادر الفريقين التصريح بشهادة أمير المؤمنين (عليه السلام) على وجه الخصوص، وهي عدَّة طوائف، منها:

الطائفة الأولى: الإخبار بشهادته (ع):

1ـ ما رواه سُليم بن قيس قال: حدَّثني علي بن أبي طالب (عليه السلام) قال: «كنتُ أمشي مع رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) في بعض طرق المدينة - إلى قوله - فلمَّا خلا له الطريق اعتنقني، ثمَّ أجهش باكياً، فقال: بأبي الوحيد الشهيد» [كتب سُليم ص١٣٦]، وفي لفظ آخر: «فاعتنقه، وقبَّل بين عينيه، وقال: بأبي الشهيد، بأبي الوحيد الشهيد» [الأمالي للمفيد ص٧٢].

2ـ وما رواه أحمد بسنده عن فضالة بن أبي فضالة الأنصاريّ - وكان أبو فضالة من أهل بدر -، قال: «خرجتُ مع أبي عائداً لعليّ بن أبي طالب من مرض أصابه ثقل منه، قال: فقال له أبي: ما يقيمك في منزلك هذا؟ لو أصابك أجلك لم يلِك إلَّا أعراب جهينة... فقال عليٌّ: إنَّ رسول الله (صلَّى الله عليه [وآله] وسلَّم) عهد إليَّ أنْ لا أموت حتَّى أؤمَّر، ثمَّ تخضَّب هذه، يعني لحيته، من دم هذه، يعني هامته، فقتل، وقتل أبو فضالة مع عليٍّ يوم صفِّين» [مسند أحمد ج1 ص515].

3ـ وما رواه أبو داود بسنده عن زبيد بن وهب قال : «جاء رأس الخوارج إلى عليٍّ فقال له: اتقِ الله! فإنَّك ميِّت. فقال: لا والذي فلق الحبَّة وبرأ النسمة، ولكني مقتولٌ من ضربةٍ من هذه، تخضب هذه وأشار بيده إلى لحيته، عهدٌ معهودٌ، وقضاءٌ مقضيٌّ، وقد خاب من افترى» [مسند أبي داود ص23].

4ـ وما رواه الطبرانيٌّ بسنده عن سماك، عن جابر (رضي الله عنه)، قال: قال رسول الله (صلَّى الله عليه [وآله] وسلَّم) لعليٍّ (رضي الله عنه): «إنَّك امرؤٌ مستخلف، ‌وإنَّك ‌مقتول، وهذه مخضوبةٌ من هذه، لحيته من رأسه» [المعجم الكبير ج2 ص247].

الطائفة الثانية: أنَّ قاتله أشقى الآخرين:

1ـ ما ورد في دعاء الندبة المشهور: «حتَّى قتل الناكثين والقاسطين والمارقين، ولما قضى نحبه وقتله أشقى الآخرين، يتبع أشقى الأوَّلين» [المزار للمشهديّ ص573، إقبال الأعمال ص504].

2ـ وما رواه ابن سعد بسنده عن عبيد الله: «أنَّ النبيَّ (صلَّى الله عليه [وآله] وسلَّم) قال لعليٍّ: يا عليُّ! مَن أشقى الأوَّلين والآخرين؟ قال: الله ورسوله أعلم، قال: أشقى الأوَّلين عاقر الناقة، ‌وأشقى ‌الآخرين الذي يطعنك يا علي، وأشار إلى حيث يُطعن» [الطبقات الكبرى ج3 ص32].

3ـ وما رواه الطبرانيُّ بسنده عن سماك، عن جابر الأنصاريّ (رضي الله عنه) قال: «قال رسول الله (صلَّى الله عليه [وآله] وسلَّم) لعليٍّ (رضي الله عنه): من أشقى ثمود؟ قال: من عقر الناقة. قال: ‌فمن ‌أشقى ‌هذه ‌الأمَّة؟ قال: الله أعلم، قال: قاتلك» [المعجم الكبير ج2 ص247].

4ـ وما رواه الحاكم بسنده عن عمّار بن ياسر (رضي الله عنه) قال: «كنت أنا وعليّ رفيقين في غزوة ذي العشيرة - إلى قوله - فقال رسول الله (صلَّى الله عليه [وآله] وسلَّم): ‌يا ‌أبا ‌تراب ـ لـما يرى عليه من التراب ـ فقال رسول الله (صلَّى الله عليه [وآله] وسلَّم): ألّا أحدّثكما بأشقى الناس رجلين؟ قلنا: بلى يا رسول الله، قال: أحيمر ثمود الذي عقر الناقة، والذي يضربك يا عليُّ على هذه ـ يعني قرنه ـ حتَّى تبتلَّ هذه من الدم ـ يعني لحيته» [المستدرك ج3 ص151].

الطائفة الثالثة: روايات الجرح في الصلاة:

1ـ ما رواه الشيخ الطوسيُّ بسنده عن علي بن الحسين (عليهما السلام) قال: «لـمّا ضرب ابن ملجم (لعنه الله) أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)، وكان معه آخر، فوقعت ضربته على الحائط، وأمَّا ابن ملجم فضربه، فوقعت الضربة ـ وهو ساجدٌ ـ على رأسه، على الضربة التي كانت» [الأمالي ص365].

2ـ وما رواه ابن أبي الدنيا بسنده عن عمر بن عبد الرحمن بن نفيع بن جعدة بن هبيرة: «أنه لما ضرب ابن ملجم علياً (عليه السلام) ‌وهو ‌في ‌الصلاة...» [مقتل عليٍّ (ع) ص31]. وعن عن أبي المطر: «أنَّ ابن ملجم لما ‌ضرب ‌علياً وقع حدُّ السيف برأس عليٍّ...» [مقتل عليٍّ (ع) ص41].

3ـ وما رواه أبو علي القالي بسنده عن أبي عبيدة، قال: «بلغني أنَّ ابن ملجم (لعنه الله) حين ضرب علياً (رضوان الله عليه)، قال: أمَّا أنا فقد أرهفتُ السيف، وطردتُ الخوف، وحثثتُ الأمل، وبقيتُ الرجل، وضربته ضربةً لو كانت بأهل عكاظ قتلتهم» [الأمالي ج2 ص255].

4ـ وما رواه ابن أعثم الكوفيُّ، وفيه: «وأذَّن عليٌّ (رضي الله عنه) ودخل المسجد، فجعل ينبِّه من في المسجد من النيام، ثمَّ صار إلى محرابه فوقف فيه، فافتتح الصلاة وقرأ، فلما ركع وسجد سجدةً واستوى قاعداً، وأراد أنْ يسجد الثانية ضربه ابن ملجم ضربةً على رأسه، فوقعت الضربة على الضربة التي كان ضربها عمرو بن عبد ودّ يوم الخندق» [الفتوح ج٤ ص278].

الطائفة الرابعة: روايات الوصيَّة:

1ـ ما رواه الشيخ الكلينيُّ بسنده عن علي بن إبراهيم العقيليّ يرفعه قال: «لما ضرب ابن ملجم أمير المؤمنين (عليه السلام) قال للحسن: يا بني، إذا أنا متُّ فاقتل ابن ملجم، واحفر له في الكناسة....ثمَّ ارمِ به فيه، فإنه وادٍ من أودية جهنَّم» [الكافي ج1 ص300].

2ـ وما رواه الشيخ المفيد، وفيه: «وأمَّا ابن ملجم، فإنَّ رجلاً من همدان لحقه فطرح عليه قطيفةً كانت في يده، ثمَّ صرعه وأخذ السيف من يده، وجاء به إلى أمير المؤمنين (عليه السلام)، وأفلت الثالث، فانسل بين الناس، فلمَّا أُدخل ابن ملجم على أمير المؤمنين (عليه السلام) نظر إليه ثمَّ قال: النفس بالنفس، إنْ أنا متُّ فاقتلوه كما قتلني» [الإرشاد ج1 ص22].

3ـ وما رواه الطبريُّ، وفيه: «يا بني عبد المطَّلب! لا ألفينَّكم تخوضون دماء المسلمين، تقولون: قُتل أمير المؤمنين، ألا لا يقتلنَّ إلَّا قاتلي، انظر يا حسن، إنْ أنا متُّ من ضربته هذه، فاضربه ضربةً بضربة» [تاريخ الطبري ج5 ص148].

4ـ وما رواه الحاكم بسنده عن الشعبيّ قال: «لما ضرب ابن ملجم علياً تلك الضربة، أوصى به علي فقال: قد ضربني فأحسنوا إليه، وألينوا له فراشه، فإنْ أعش فهضم أو قصاص، وإنْ أمت فعالجوه، فإني ‌مخاصمه ‌عند ‌ربي» [المستدرك ج3 ص155].

الطائفة الخامسة: روايات القصاص:

1ـ ما رواه الشيخ المفيد، وفيه: «فلما قضى أمير المؤمنين (عليه السلام)، وفرغ أهله من دفنه، جلس الحسن (عليه السلام) وأمر أنْ يؤتى بابن ملجم، فجيء به، فلما وقف بين يديه قال له: يا عدو الله، قتلت أمير المؤمنين، وأعظمت الفساد في الدين، ثمَّ أمر به فضُربت عنقه» [الإرشاد ج1 ص22].

2ـ وما رواه الطبريُّ، وفيه: «فلما قبض (عليه السلام) بعث الحسن إلى ابن ملجم، فقال للحسن: هل لك في خصلة، إني والله ما أعطيت الله عهداً إلَّا وفيت به، إني كنتُ قد أعطيت الله عهداً عند الحطيم أنْ أقتل علياً ومعاوية أو أموت دونهما... فقال له الحسن: أما والله حتَّى تعاين النار فلا، ثمَّ قدمه فقتله، ثمَّ أخذه الناس فأدرجوه في بواري، ثمَّ أحرقوه بالنار» [تاريخ الطبريّ ج5 ص148].

3ـ وما رواه الأصفهانيُّ عن الأسود والكنديّ والأجلخ قالا: «توفي أمير المؤمنين علي(عليه السلام) وهو ابن أربع وستين سنة -إلى قوله - ودعا الحسن بعد دفنه بابن ملجم (لعنه الله) فأتى به فأمر بضرب عنقه» [مقاتل الطالبيين ص54].

4ـ وما رواه ابن أعثم الكوفيُّ، وفيه: «فلما كان الغد أذَّن الحسن وأقام، وتقدَّم فصلَّى بالناس صلاة الفجر، ثمَّ وثب فصعد المنبر، فحمد الله وأثنى عليه....ثمَّ نزل عن المنبر، وأمر الحسن فأتي بابن ملجم من السجن، وضربه الحسن على رأسه ضربة، وبادرت إليه الشيعة من كلِّ ناحيةٍ فقطعوه بسيوفهم إرباً إرباً» [الفتوح ج4 ص282].

كلمات الاعلام:

وقد نصَّ الكثير من العلماء على شهادة مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام)، نذكر قسماً منهم:

1ـ قال الشيخ الكلينيُّ: (ولد أمير المؤمنين (عليه السلام) بعد عام الفيل بثلاثين سنة، وقُتل (عليه السلام) في شهر رمضان لتسعٍ بقين منه ليلة الأحد سنة أربعين من الهجرة، وهو ابن ثلاث وستين سنة) [الكافي ج1 ص452].

2ـ وقال الشيخ الطوسي: (أمير المؤمنين علي بن أبي طالب بن عبد المطَّلب بن هاشم بن عبد مناف وهو وصي رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) وخليفته الإمام العادل والسيَّد المرشد والصديق الأكبر سيِّد الوصيين، كنيته أبو الحسن (عليه السلام)، ولد بمكَّة في البيت الحرام يوم الجمعة لثلاث عشرة خلت من رجب... وقبض (عليه السلام) قتيلاً بالكوفة) [تهذيب الأحكام ج6 ص19].

3ـ وقال ابن حزم الأندلسيُّ: (وردان بن مجاهد ابن علفة بن الفريس، كان قد واطأ عبد الرحمن بن ملجم على قتل عليٍّ (رضي الله عنه) فلقيه عبد الله بن نجبة... وقد ضرب علياً (رضي الله عنه)، فضربه بالسيف حتَّى قتله غضباً لعليٍّ (رضي الله عنه)) [جمهرة أنساب العرب ص199].

4ـ وقال ابن حجر العسقلانيُّ: (عبد الرحمن بن ملجم المرادي: أدرك الجاهلية، وهاجر في خلافة عمر، وقرأ على معاذ بن جبل، ذكر ذلك أبو سعيد بن يونس، ‌ثمَّ ‌صار من كبار الخوارج، وهو أشقى هذه الأمَّة بالنص الثابت عن النبي (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) بقتل علي بن أبي طالب، فقتله أولاد علي) [الإصابة ج5 ص85].

والنتيجة المتحصَّلة من كلِّ ذلك، أنَّ الأدلَّة ـ العامَّة والخاصَّة ـ الدالَّة على استشهاد سيَّدنا وإمامنا أمير المؤمنين (عليه السلام) كثيرةٌ جدَّاً، تجاوزت حدَّ التواتر المعنويّ.. والحمد لله ربِّ العالمين.