الفرق بين تولية أمير المؤمنين(ع) وتولية عثمان أقاربهما

السؤال: يقول مخالفونا: (من الانتقادات التي وجهها الشيعة إلى الخليفة عثمان بن عفان قولهم: "إنه عيّن بعض أقاربه في مناصب المسلمين، في حين قام أمير المؤمنين علي (عليه السلام) بتعيين بعض أقاربه، حتى قال مالك الأشتر في ذلك: على ماذا قتلنا الشيخ بالأمس؟ كما رُوي)، هل بالإمكان توضيح الفارق بين الأمرين؟

: السيد أبو اَلحسن علي الموسوي

الجواب:

بسم الله الرحمن الرحيم

أعلم -أيدك الله- أنَّ تعيين الحاكم لأقاربه ليس ممنوعًا في القرآن الكريم أو السنة النبويَّة إنْ كانوا مؤهّلين لإدارة شؤون الرعية، فإنَّ اعتراضنا على ما فعله حمَّال الخطايا لا يتعلّق بتوليته أقاربه من حيث كانوا أقارب، بل إنَّه عيَّن وُلاةً غير جديرين بمهام الولاية فولَّى على رقاب المسلمين الأحداث من أقاربه الذين لا يصلحون لهذا المنصب، ولا يمكن الاعتماد عليهم في إدارة شؤون الرعية، وهناك من الصحابة من هو أفضل منه وأكثر رضاً للناس، وهذا ما جعل الناس ينقمون عليه؛ فعن ابن دأب قال: (لما أنكر الناس على عُثمان ما أنكروا مِن تأمير الأحداث من أهل بَيْته على الجلّة الأكابر من الصحابة، قالوا لعبد الرحمن بن عوف: هذا عملُك واختَيارك لأمة محمد؟ قال: لم أظنَّ هذا به.

ودخل على عثمان فقال له: إني إنما قدَّمتُك على أنْ تسير فينا بسيرة أبي بكر وعمر، وقد خالفتَهما.

فقال: عمر كان يقطع قرابته في اللّه، وأنا أصل قرابتي في اللهّ! فقال له: لله عليّ أنْ لا أكلّمك أبداً.

فمات عبدُ الرحمن وهو لا يُكلّم عثمان) [العقد الفريد ج2ص97].

وولّى من كان معروفاً بفسقه وتعديه حدود الله سبحانه، مثل الوليد بن عقبة الذي سمَّاه الله سبحانه فاسقاً، وقد حذَّره عمر بن الخطاب من ذلك، قائلاً: (وإنْ كنتَ يا عثمانُ على شيءٍ فاتق الله، ولا تحملن بني أمية وبني أبي معيط على رقاب الناس) [مصنف عبد الرزاق ج5ص481]. لكن عثمان لم يكترث بالوصية، فإنه اتخذ بطانة سوءٍ من أقاربه، وقسّم بينهم الولايات، فكان معاوية بن أبي سفيان في الشام، وسعيد بن العاص والوليد بن عقبة في الكوفة، وعبد الله بن عامر بن كريز في البصرة، وعبد الله بن سعد بن أبي السرح في مصر، وعبد الرحمن بن سمرة في سجستان، ومروان بن الحكم في البحرين.

وبذلك خالف عثمان العهد الذي قطعه على نفسه بأن يسير على نهج الشيخين، كما خالف وصية عمر التي نصَّت على الإبقاء على سعد بن أبي وقاص في الكوفة وأبي موسى الأشعري في البصرة. وعندما تولى عثمان الحكم، عزل سعداً وعيّن أخاه من أمه، الوليد بن عقبة بن أبي معيط. [أنساب الاشراف ج 2ص265].

وهذا الفعل لا يمكن مقارنته بما قام به أمير المؤمنين (عليه السلام) من تعيين بعض أقاربه، إذ لم يعيًّن من أقاربه من كان متهما بالجور على الرعية أو التعدي على حدود الله سبحانه، أو معروفا بفسقه حيث يقول السيد المرتضى: (وذكر تولية أمير المؤمنين (عليه السلام) عبد الله وعبيد الله وقثما بني العباس، وغيرهم فليس بشيء؛ لأنَّ عثمان لم تنقم عليه تولية الأقارب من حيث كانوا أقارب، بل من حيث كانوا أهل بيت الظنِّ والتهمة، ولهذا حذَّره عمر منهم وأشعر بأنه يحملهم على رقاب الناس، وأمير المؤمنين عليه السلام لم يولّ من أقاربه متهما ولا ظنينا، وحين أحس من ابن عباس بعض الريبة لم يمهله ولا احتمله، وكاتبه بما هو مشهورٌ سائرٌ ظاهرٌ، ولو لم يجب على عثمان أنْ يعدل عن ولاية أقاربه إلَّا من حيث جعل عمر ذلك سبب عدوله عن النَّص عليه، وشرط عليه يوم الشورى أنْ لا يحمل أقاربه على رقاب الناس، ولا يؤثرهم لمكان القرابة بما لا يؤثِر به غيرهم، لكان صارفاً قوياً فضلاً عن أنْ ينضاف إلى ذلك ما انضاف من خصالهم الذميمة، وطرائقهم القبيحة) [الشافي في الامامة ج ٤ ص ٢٥٦].

هذا ما يتعلّق بالفرق بين التوليتين.

وأمّـا الكلام المنسوب لمالك بن الحارث الأشتر (رضوان الله عليه) فنجزم بكونه مكذوباً؛ وذلك لأنّه أخرجه ابن سعد في [الطبقات الكبرى ج1 ص174] والطبريّ في [التاريخ ج5 ص194]، بإسنادين ضعيفين جداً، وحال مالك أجلُّ وأعظمُ من أنْ يصدر منه مثل هذا الكلام، كيف؟ وهو الذي كان يقول أمير المؤمنين فيه: « كان لي مالكٌ كما كنت لرسول الله» [شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج2 ص214، خلاصة الأقوال ص277]، وقال لـما وصله نبأ استشهاده في مصر: «ألا إنّ مالك بن الحارث قد مضى نحبه وأوفى بعهده ولقى ربَّه، فرحم الله مالكاً، لو كان جبلاً لكان فذاً، ولو كان حجراً لكان صلداً، لله مالك، وما مالك؟ وهل قامت النساء عن مثل مالك؟ وهل موجود كمالك؟» [الاختصاص ص82، نهج البلاغة ج4 ص103، تاريخ الإسلام ج2 ص336].

نكتفي بهذا القدر، والحمد لله أولاً وآخراً