ما معنى إلهيِّ الصفات؟
السؤال: ما معنى ما جاء بالحديث المنسوب لأمير المؤمنين (عليه السلام) «إنَّ الإمام بشرٌ ملكيٌّ، وجسدٌ سماويٌّ، إلهيُّ الصفات»؟
الجواب:
بسم الله الرحمن الرحيم
يُشير الأخ السائل إلى ما روي في كتاب مشارق أنوار اليقين للحافظ البرسيِّ، عن طارق بن شهاب، عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال: «يا طارق، الإمام كلمة الله، وحجَّة الله، ووجه الله، ونور الله، وحجاب الله، وآية الله، يختاره الله ويجعل فيه ما يشاء، ويُوجب له بذلك الطاعة والولاية على جميع خلقه، فهو وليُّه في سماواته وأرضه، أخذ له بذلك العهد على جميع عباده، فمن تقدَّم عليه كفر بالله من فوق عرشه، فهو يفعل ما يشاء، وإذا شاء الله شاء...إلى قوله (عليه السلام): والإمام ـ يا طارق ـ بشرٌ ملكيٌّ، وجسدٌ سماويٌّ، وأمرٌ إلهيٌّ، وروحٌ قدسيٌّ، ومقامٌ علِيٌّ، ونورٌ جليٌّ، وسرٌّ خفيٌّ، فهو ملك الذات، إلهيُّ الصفات» [مشارق أنوار اليقين ص174، البحار ج25 ص١٦٩].
ولنا على هذا الحديث المذكور بعض الملاحظات، نذكرها ضمن أمور:
الأمر الأوَّل: إنَّ الحديث المذكور مرسلٌ من حيث السند، لأنَّ الحافظ البرسيَّ ينقله عن طارق بن شهاب مباشرة، عن أمير المؤمنين (عليه السلام) من دون سندٍ أصلاً، وعليه، فلا يُمكن التعويل عليه والأخذ به من هذه الناحية.
نعم، قد يُقال إنَّ العلَّامة المجلسيَّ (طاب ثراه) قال في أوَّل البحار إنَّه لا ينقل من أحاديث البرسيِّ إلَّا ما كان موجوداً في الأصول المعتبرة، فقال ما نصُّه: (وكتاب مشارق الأنوار، وكتاب الألفين للحافظ رجب البرسيّ، ولا أعتمد على ما يتفرَّد بنقله، لاشتمال كتابيه على ما يوهم الخبط والخلط والارتفاع، وإنما أخرجنا منهما ما يوافق الأخبار المأخوذة من الأصول المعتبرة) [بحار الأنوار ج1 ص10].
وبما أنه (طاب ثراه) قد خرَّج هذا الحديث من كتاب المشارق للبرسيّ، فمعناه أنه موافقٌ للأخبار المأخوذة من الأصول المعتبرة بحسب ظاهر كلامه.
الأمر الثاني: إنَّ الحديث بخطوطه العامَّة يُشير إلى حقيقة المعصوم (عليه السلام) وأنها تشتمل على جنبتين، جنبةٍ بشريَّة، وأُخرى سماويَّة، كما في قوله تعالى في حقِّ نبيِّنا الأعظم:﴿قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ﴾ [الكهف:110]. فمن جهةٍ يعدُّ بشراً، ومن جهةٍ أُخرى يُوحى إليه، مما يُشير إلى الجنبتين المذكورتين معاً.
وكما جاء في حقِّ الصدِّيقة الزهراء من أنَّها (حوراء إنسيَّة)، إذْ روى الصدوق (طاب ثراه) بسنده عن سدير الصيرفي، عن الصادق جعفر بن محمَّد، عن أبيه، عن جدِّه (عليهم السلام) قال: قال رسول الله (صلَّى الله عليه وآله): «خُلق نور فاطمة (عليها السلام) قبل أنْ تُخلق الأرض والسماء. فقال بعض الناس: يا نبيَ الله، فليست هي إنسيَّة؟ فقال (صلَّى الله عليه وآله): فاطمة حوراء إنسيَّة. قال: يا نبي الله، وكيف هي حوراء إنسيَّة؟ قال: خلقها الله (عزَّ وجلَّ) من نوره قبل أنْ يخلق آدم» [معاني الأخبار ص396].
ومنه يتَّضح أنَّ المعصوم - بشكلٍ عامٍّ - هو (بشرٌ) من جهةٍ، (ملكوتيٌّ) من جهةٍ أُخرى، ولعلَّ الحكمة في ذلك، أنَّ الجنبة السماويَّة تجعل المعصوم حُجَّةً لله على الخلق، أمَّا الجهة البشريَّة، فلكي يتعامل بها مع الناس بما يألفون ويأنسون.
الأمر الثالث: الظاهر من سياق الحديث أنَّ المراد من فقرة (بشرٌ ملكيٌّ، وجسدٌ سماويٌّ، إلهيُّ الصفات) هو ما أشرنا إليه في الأمر الثاني، أي: أنَّ صفاته (عليه السلام) منحةٌ من الله تعالى له، حتَّى يكون بذلك حُجَّةً على الخلق، وليس المراد منه أنَّ المعصوم ليس بشريَّاً وإنَّما هو ملك سماويٌّ وصفاته إلهيَّة، فإنه غير مراد جزماً، بل المراد ما أشرنا إليه من أنه بشرٌ ولكنه حائزٌ على صفاتٍ ملكوتيَّةٍ من الله تعالى.
وبعبارة أُخرى: بما أنَّ الحديث لا يُقصد به جعل الإمام (عليه السلام) معبوداً من دون الله جزماً، فلابدَّ من القول بأنَّ تلك الصفات منحةٌ من الله تعالى لهم، لأنَّهم حُججهُ على العباد، وأفضل خلقه، وأشرف بريَّته.
والنتيجة من كلِّ ذلك، أنَّ الحديث ـ على فرض صدروه ـ يُشير إلى الصفات التي يلزم وجودها في مَن يُعدُّ (حُجة) لله تعالى.. والحمد لله ربِّ العالمين.
اترك تعليق