مثالب معاوية بن أبي سفيان عند العامّة
السؤال: كثيراً ما ينفي السلفيّة الطعون والمثالب التي نذكرها عن معاوية، فهل جاء في كتب العامّة ذكر لتلك المثالب بروايات معتبرة عندهم؟
الجواب:
بسم الله الرحمن الرحيم
ممّا لاشكّ فيه أنّ لبني أميّة من المثالب ما لا يُعدّ ولا يُحصى، فهم حزب الشيطان والشجرة الملعونة في القرآن، وقد طفحت بمثالبهم كتب الفريقين، ومنها مثالب معاوية بن أبي سفيان التي لا يمكن أنّ يحويها هذا الجواب المختصر؛ ولذا سنقتصر على أبرز ما جاء منها في كتب القوم، مع التأكّيد على التزامنا بنقلها عن أهم مصادرهم وبأسانيد معتبرة عندهم، وهي تقع على قسمين:
القسم الأوّل: ما جاء عن النبيّ (صلّى الله عليه وآله) في حقّه:
المثلبة الأولى: معاوية يموت على غير ملّة الإسلام:
فقد روى البلاذريّ بإسناد معتبر عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: «كنت عند النبيّ (صلَّى الله عليه [وآله] وسلَّم) فقال: يطلع عليكم من هذا الفجّ رجل يموت على غير ملَّتي. قال: وكنت تركت أبي قد وُضع له وضوء، فكنت كحابس البول مخافة أن يجيء، قال: فطلع معاوية فقال النبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم: هو هذا» [أنساب الأشراف ج5 ص126].
وقد حُرِّف اسم معاوية في بعض المصادر إلى «فلان» وغيره [ينظر: تاريخ أصبهان ج2 ص77، المعجم الكبير ج13 ص486]. قال الهيثميّ: (رواه كلّه الطبراني، وفيه محمّد بن إسحاق بن راهويه، وحديثه مستقيم، وفيه ضعف غير مبيّن، وبقيّة رجاله رجال الصحيح) [مجمع الزوائد ج5 ص243]، ومَن شاء التفصيل فليراجع كتاب [هل مات معاوية على الإسلام ص45].
المثلبة الثانية: إذا رأيتم معاوية على منبري فاقتلوه:
ورد من طرق معتبرة عن جابر بن عبد الله وأبي سعيد الخدريّ وعبد الله بن مسعود وغيرهم: أنّ النبيّ (صلّى الله عليه وآله) قال: «إذا رأيتم معاوية على منبري فاقتلوه» [ينظر كتاب: مثالب معاوية ص32]، ويوجد جواب منفرد على موقع المركز حول هذا الحديث.
المثلبة الثالثة: لا أشبع الله بطن معاوية:
روى الحافظ مسلم وغيره عن ابن عبّاس قال: «كنت ألعب مع الصبيان فجاء رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) فتواريت خلف باب، قال: فجاء فحطأني حطأة وقال: اذهب وادعُ لي معاوية، قال: فجئت فقلت: هو يأكل قال: ثمّ قال لي: اذهب فادعُ لي معاوية، قال: فجئت فقلت: هو يأكل، فقال: لا أشبع الله بطنه» [صحيح مسلم ج8 ص27].
المثلبة الرابعة: دعاء النبيّ على معاوية وابن العاص بنار جهنّم:
ورد من طرقٍ عن ابن عبّاس وعبد المطلب بن ربيعة وأبي بزرة الأسلميّ، قال: «كنّا مع النبيّ (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) فسمع صوت غناء فقال: انظروا ما هذا؟ فصعدت فنظرت فإذا معاوية وعمرو بن العاص يتغنّيان! فجئت فأخبرت النبيّ (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) فقال: اللهم أركسهما في الفتنة ركساً! اللهمّ دعّهما إلى النار دعّاً» [مصنّف ابن أبي شيبة ج8 ص695، مسند أحمد ج4 ص421، المعجم الكبير ج1 ص32].
ولـمّا حكم ابن الجوزيّ على الحديث بالوضع في [الموضوعات ج2 ص28]، ردّ عليه الأعلام كالسيوطيّ وابن حجر والفتنيّ في [القول المسدّد ص97، تذكرة الموضوعات ص197].
المثلبة الخامسة: معاوية في تابوت في جهنّم:
روى البلاذريّ بإسناده إلى سالم بن أبي الجعد قال: قال رسول الله (صلَّى الله عليه [وآله] وسلَّم): «معاوية في تابوت مقفل عليه في جهنّم» [أنساب الأشراف ج5 ص128].
وقال المحدّث القاضي ابن عزوز المالكيّ: (سند هذا الحديث كلّهم من رجال الصحيح، وهو مرسل، والمرسل حجّة عند الإمامين مالك وأبي حنيفة، وقد انفصل الأمر بأنّ معاوية مات على غير ملة الإسلام، وقد أمرهم النبي (ص) بقتله قبل أن يقع منه ما وقع فلم يفعلوا حال بينه وبينهم تأخّر الأجل، وليقضي الله أمراً كان مفعولاً، ومعاوية في تابوت في جهنم بنصّ مَن لا ينطق عن الهوى) [ينظر: تقوية الإيمان ص144].
القسم الثاني: مثالبه التي صدرت عنه كأفعال له:
المثلبة السادسة: مشاركته في محاولة اغتيال النبيّ (صلّى الله عليه وآله) وموته على النفاق:
روى مسلم بالإسناد إلى قيس بن عباد عن عمّار بن ياسر قال: «.. قال النبي (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) في أصحابي اثنا عشر منافقاً، فيهم ثمانية لا يدخلون الجنّة حتّى يلج الجمل في سَمّ الخياط، ثمانية منهم تكفيكهم الدُّبَيْلَة..»، وفي لفظ آخر: «.. ثمانية منهم تكفيكهم الدبيلة سراج من النار يظهر في أكتافهم حتّى ينجم من صدورهم» [ينظر: صحيح مسلم ج8 ص122].
وقد ذكر ابن كثير القصّة وخلاصتها: (أنّ النبيّ (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) لـمّا عاد من غزوة تبوك أمر المسلمين أن يسلكوا بطن الوادي، وسلك هو وحذيفة وعمار طريقاً مرتفعاً يقال له: العقبة، فتبعهم هؤلاء المنافقون وأرادوا أن ينفّروا ناقة النبيّ لتسقط به في الوادي، فأطلعه اللهُ على ذلك فأمر حذيفة فضرب وجوه رواحلهم ففزعوا، فأخبر النبيُّ (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) حذيفةَ وعماراً بأسمائهم، وما كانوا همّوا به)، وقد علّق ابن كثير عليها قائلاً: (ويشهد لهذه القصة بالصحّة ما رواه مسلم) [تفسير ابن كثير ج2 ص387].
فقيس بن عبّاد يسأل عمّار بن ياسر عن سبب نصرتهم لعليّ (عليه السلام) ضدّ معاوية، فذكر له هذا الحديث؛ إشارةً إلى كون معاوية من المنافقين الذين يجب قتالهم. هذا، وقد مات معاوية بالدّبيلة كما يظهر من حديث أبي بردة قال: «دخلت على معاوية بن أبي سفيان حين أصابته قرحته فقال: هلمّ يا ابن أخي تحوّل فانظر، قال: فتحوّلت فنظرت فإذا هي قد نشرت - يعني قرحته –، فقلت: ليس عليك بأس يا أمير المؤمنين، قال: إذ دخل يزيد بن معاوية فقال له معاوية: إن ولّيت من أمر الناس شيئاً فاستوصِ بهذا فإنّ أباه كان أخاً لي أو خليلاً»، وفي لفظ آخر: «... قال: قم فانظر إليها. قال فقمت فإذا قرحة قبيحة فقال: هذه تدعونها الراقية، وأهل العراق يزعمون أنّها النقّابة أو الثقّابة ويزعمون أنّها قاتلي ...الخبر» [تاريخ دمشق ج26 ص45، المعجم الكبير ج19 ص359، سير أعلام النبلاء ج2 ص401]، ولمزيد من التفصيل يراجع بحث الشيخ حسن فرحان المالكيّ حول [حديث الدبيلة].
المثلبة السابعة: معاوية يأمر بسبّ عليّ (عليه السلام):
روى الحافظ مسلم بن الحجّاج وغيره بإسناد صحيح عن عامر بن سعد بن أبي وقّاص عن أبيه قال: «أمر معاوية بن أبي سفيان سعداً، فقال: ما منعك أن تسبّ أبا التراب؟ فقال: أما ما ذكرت ثلاثاً قالهنّ له رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) فلن أسبّه..» [صحيح مسلم ج7 ص120، سنن الترمذي ج5 ص301، وغيرها]. وقد صرَّح كثير من علماء العامّة بأنّ معاوية كان يأمر بسبِّ أمير المؤمنين (عليه السلام)، ومن جملتهم ابن تيميّة الحرّاني إذ قال: (وأمّا حديث سعد لـمّا أمره معاوية بالسبّ فأبى.. فهذا حديث صحيح رواه مسلم في صحيحه) [منهاج السنّة ج5 ص42]، وللمزيد يُراجع الجواب المنشور بعنوان: (هل أمر معاوية سعد بن أبي وقاص بسبّ الامام علي (ع)؟).
وقد روى الإمام أحمد بن حنبل وغيره بإسناد صحيح عن أبي عبد الله الجدليّ قال: «دخلتُ على أمّ سلمة قالت: أَيُسبّ رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) فيكم؟! فقلت: معاذ الله أو سبحان الله أو كلمة نحوها فقالت: سمعت رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) يقول: مَن سبَّ علياً فقد سبّني» [مسند أحمد ج6 ص322، المستدرك ج3 ص121]، قال الحاكم: (هذا حديث صحيح الاسناد ولم يخرجاه)، ووافقه الذهبيّ في التلخيص، وقال الهيثميّ: (رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح غير أبي عبد الله الجدلي وهو ثقة) [مجمع الزوائد ج9 ص129]، وقال شعيب الأرنؤوط: (إسناده صحيح) [مسند أحمد ج44 ص329 الهامش].
وذكر ابن تيميّة إجماع علماء المسلمين على أنّ من سبّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) كافر يجب قتله فلا يستتاب ولا يُسترقّ [ينظر: الصارم المسلول ص3].
المثلبة الثامنة: منعه الناس من التلبية لله في الحجّ:
فقد روى النسائيّ بإسناد صحيح عن سعيد بن جبير قال: «كنت مع ابن عبّاس بعرفات فقال: ما لي لا أسمع الناس يُلبّون؟! قلت: يخافون من معاوية، فخرج ابن عباس من فسطاطه فقال: لبّيك اللّهمّ لبّيك لبّيك، فإنّهم قد تركوا السنّة مِن بُغض عليٍّ» [سنن النسائيّ ج5 ص252، المستدرك ج1 ص464]، قال الحاكم: (هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه)، وقال الألبانيّ: (صحيح الإسناد) [صحيح سنن النسائيّ ج2 ص631].
المثلبة التاسعة: معاوية يبيع الأصنام:
روى البلاذريّ والطبريّ بطرق مختلفة عن أبي وائل قال: «كنتُ مع مسروق بالسلسلة فمرّت به سفائن فيها أصنام من صفر تماثيل الرجال، فسألهم عنها فقالوا: بعث بها معاوية إلى أرض السند والهند تُباع له، فقال مسروق: لو أعلم أنّهم يقتلونني لغرّقتها، ولكنّي أخاف أن يعذّبوني ثمّ يفتنوني، والله ما أدري أيّ الرجلين معاوية، أرجل قد يئس من الآخرة فهو يتمتّع من الدنيا أم رجل زيّن له سوء عمله» [أنساب الأشراف ج5 ص129، تهذيب الآثار ص241].
وقال الشيخ السلفيّ أبو أويس الكرديّ -بعدما نقل الحديث-: (انتهى شيخنا [يعني العلّامة السلفيّ مصطفى العدويّ] مع الباحث شريف الصابر إلى صحّة الإسناد، وأنّه من اجتهادات معاوية التي جانبه فيها الصواب أو من مفاريده) [سلسلة الفوائد الحديثيّة والفقهيّة ج9 ص33].
المثلبة العاشرة: معاوية يشرب الخمر في الإسلام ويدعو إلى شربه:
روى الإمام أحمد بن حنبل بإسناد معتبر عن عبد الله بن بريدة قال: «دخلتُ أنا وأبي على معاوية فأجلسنا على الفرش، ثمّ أُتينا بالطعام فأكلنا، ثمّ أُتينا بالشراب فشرب معاوية، ثمّ ناول أبي، ثمّ قال: ما شربته منذ حرّمه رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم)، ثمّ قال معاوية: كنتُ أجمل شباب قريش وأجوده ثغراً، وما شيء كنت أجد له لذّة -كما كنت أجده وأنا شاب- غير اللبن أو إنسان حسن الحديث يحدّثني» [مسند أحمد ج5 ص347]، وقال شعيب الأرنؤوط: (إسناده قويّ) [مسند أحمد ج38 ص26 الهامش].
والطريف أنّ الهيثميّ نقل الرواية وقد بتر عبارة: «ما شربتُه منذ حرّمه رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم)»، ثمّ قال: (رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح، وفي كلام معاوية شيء تركته!!) [مجمع الزوائد ج5 ص42].
هذا غيض من فيض في مثالب معاوية بن أبي سفيان، ولو أردنا أن نستقصي جميع مثالبه لطال بنا المقام، ولكن قبل الختام من المناسب جدّاً أن نذكر كلمتين نادرتين بوصفهما شهادتين لله تعالى وللحقيقة في الكشف عن خلوّ معاوية من الخير والفضائل كلّها، وأنّه ليس إلّا مجمعاً للشرور والرذائل كلّها:
قول الإمام الحسن (عليه السلام) لمعاوية: «.. وحاشى لله أن أقول: أنا خير منك، فلا خيرَ فيك، ولكنَّ الله برّأني من الرذائل كما برّأك من الفضائل» [مناقب ابن شهرآشوب ج3 ص186].
وإذا ما قيل بأنّ هذه الرواية شيعيّة ومصدرها شيعيّ، فإليك أخي القارئ الكريم حادثة مقتل النسائيّ صاحب السنن وواحد من أبرز أئمّة الحديث عند العامّة، فقد روى كبار علمائهم من دون خلاف أنّه لمّا دخل الإمام النسائيّ إلى دمشق طلب إليه أهلها أن يكتب لهم كتاباً في فضائل معاوية على غرار كتابه خصائص أمير المؤمنين (عليه السلام) فامتنع عن ذلك وقال: (أيّ شيء أُخرِج؟ «اللهمّ لا تُشبع بطنه»؟) وقال لهم أيضاً: (أما يكفي معاويةَ أن يذهب رأساً برأس حتّى يُروى له فضائل؟!) فضربوه ومازالوا يدوسون في بطنه وعورته ثمّ أخرجوه من المسجد، فحُمل إلى مكّة ومات هناك، فعدّه علماء العامّة شهيداً [ينظر: تهذيب الكمال ج1 ص338، تهذيب التهذيب ج1 ص33، البداية والنهاية ج11 ص140]، ومعنى قوله: (يذهب رأساً برأس) يعني: أما يكفي معاوية أن يخرج من الدنيا وقد صار ندّاً وخصماً لعليّ بن أبي طالب (عليه السلام) حتّى راح يُذكر في قباله أينما ذُكر عليّ؟!، وهذا المعنى أخذه ممّا يُنسب إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) أنّه قال: «أنزلني الدهر حتّى قيل: عليّ ومعاوية!» [الإمام جعفر الصادق ص45]. هذا ما وفقنا الله لتحريره في المقام، والحمد لله ربّ العالمين.
اترك تعليق