كيف يرزق الله تعالى النَّاس

السؤال: هل يرتبط رزق الله تعالى للناس بعمل الإنسان وسعيه؟

: الشيخ أحمد الكعبي

الجواب:

إنّ تفسير فكرة الإرادة البشرية وعلاقتها بالرزق موضوعٌ مهمٌ ودقيقٌ في فهم التوازن بين إرادة الله وحكمة الإنسان، فالآية الكريمة: {قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ وَيَقْدِرُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ}، [سبأ 36] تشير إلى أنَّ الله تعالى هو المتحكم في الرزق بسطاً وتقديراً.

قال العلاَّمة الطباطبائيُّ (قده): إنَّ الآية تشير (إلى أنَّ أمر الرزق في سعته وضيقه إلى الله سبحانه لا ينقص بالإنفاق ولا يزيد بالإمساك) [تفسير الميزان ج16 ص385].

ومع ذلك، فإنّ العلاقة بين مشيئة الله تعالى وإرادة الإنسان تحتاج إلى فهمٍ متوازنٍ، فالله تعالى هو المالك المطلق للرزق، فهو من يحدّد ويقسّم بين الناس وفق حكمته، وهذا أمرٌ لا جدال فيه، ولكنَّه سبحانه جعل هذا التقدير مرتبطاً بمجموعةٍ من القوانين والسنن التي وضعها في الكون، والله خلق للإنسان إرادةً واختياراً، وجعل السعي والعمل جزءاً لا يتجزأ من تحقيق بسط الرزق، فالرزق الواسع لا ينزل على الإنسان دون أن يبذل جهداً، قال تعالى: {فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ} [الملك 15]، ممّا يدلُّ على أنّ السعيَ دخيلٌ في وفرة الرزق، فعلى الإنسان أنْ يسعى ويرغب ويبذل جهده، والله تعالى يبارك في هذا الجهد أو يمنعه وفق حكمته، فمشيئة الله تعالى تتداخل مع إرادة الإنسان، لكنها لا تلغيها؛ لذلك، من الخطأ الاعتقاد أنَّ الإنسان مجرد "قطعة شطرنج" بلا إرادة.

فتفهم معنى {لِمَن يَشَاءُ} في الآية في إطار مشيئة الله المطلقة، ولكنها في الوقت ذاته تتضمن إشارةً إلى مشيئة الإنسان وسعيه، فالله تعالى يُعطي من يشاء بناءً على سعيه وإيمانه وأخذه بالأسباب، وقد يحرم مِن الرزق مَن لا يشاء السعي ويبقى كسولًا، وقد قال الله تعالى: {إِنّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} [الرعد: 11]، ممّا يبين أنّ التغيير في الأحوال -بما فيها الرزق- يرتبط بتغيير الإنسان لسلوكه وأفعاله.

فالفهم الخاطئ بالاعتقاد بأنّ الرزق منفصلٌ تماماً عن إرادة الإنسان يؤدّي إلى الكسل والتواكل، كما أنّ الاعتقاد بأنّ الرزق بالكامل تحت سيطرة الإنسان فقط يبعد الناس عن التوكل على الله تعالى، والإسلام يدعو إلى التوكّل مع العمل، أي أن يسعى الإنسان بكلّ جهده ويأخذ بالأسباب، ولكنه في الوقت نفسه يعلم أنّ النتائج بيد الله تعالى، فقد ورد في الخبر عن الإمام علي (ع): «اطلبوا الرزق فإنّه مضمونٌ لطالبه» [الإرشاد ج1 ص303]. وعنه (ع): «حسبك من توكلك أنْ لا ترى لرزقك مجرياً إلّا الله سبحانه» [غرر الحكم ص350].

فإذا عرفت ما تقدّم، فحينئذٍ ستفهم سقم نظرة بعض الناس - البعيدين عن حكمة الشارع المقدّس - فيما قسّمه الله تعالى لهم من رزقٍ بين الرضا وعدمه، حيث لا يكتفي الرافضون بإظهار عدم القبول، بل قد يتجاوزون ذلك إلى الادّعاء بوقوع ظلم عليهم، متجاهلين في ذلك الإطار التنظيمي والإدارة الإلهية المحكمة التي تضبط شؤون الكون، فقضية توزيع الأرزاق وما يترتب عليها من تفاوتٍ بين الأفراد تتجاوز كونها مسألة حياتيةً بحتة، لتأخذ بُعداً عقدياً يرتبط بمفهوم العدل الإلهي، كما أوضحناه فيما تقدّم.

الخلاصة:

إنّ الله جلّ وعلا يبسط الرزق ويقدره وفق مشيئته، لكن هذه المشيئة تشمل سننًا كونيَّةً وسعيًا بشريًاــ أمر بين الأمرين ــ. فمن يشاء السعي والعمل والتوكل بصدق، يمنحه الله تعالى من فضله، أما من يستسلم للكسل والتواكل فقد يحرم من كثيرٍ من الرزق المقدَّر له.

اللهم علِّمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علَّمتَنا، وزدنا علماً إنَّك سميعٌ مجيبٌ، وآخر دعوانا أنْ الحمد لله ربِّ العالمين.