خصائص السيدة زينب الكبرى (عليها السلام)
السؤال: ما هي الخصائص التي امتازت بها العقيلة زينب الكبرى (عليها السلام)؟
الجواب:
بسم الله الرحمن الرحيم
لا ريب في تميّز مولاتنا زينب الكبرى (عليها السلام) بجملة من الخصائص التي تفوق بها سائر نساء الأمّة وتكون بها خليفة أمّها الزهراء (عليها السلام)، وسنذكر لك بعضاً من تلك الخصائص الجليلة:
الخصّيصة الأولى: في كونها (عليها السلام) صدّيقة:
إنّ من أبرز المقامات الإلهيّة ودرجات القرب من الله تعالى مقام الصدّيقيّة، وهو غير خاصّ بالأنبياء والأوصياء (عليهم السلام)، ولذا نال هذا المقام مثل السيّدة الزهراء (عليها السلام) والسيّدة مريم (عليها السلام). وحينئذٍ فلا ريب في بلوغ السيّدة زينب (عليها السلام) هذا المقام السامي؛ فإنّها تلميذة النبيّ والوصيّ (صلوات الله وسلامه عليهما وآلهما)، وقد اقتدت بأمّها الصدّيقة الكبرى (عليها السلام) في حركاتها وسكناتها، فكانت هي الصدّيقة الصغرى بالقياس إليها، فكانت صادقة جدّاً في قولها وفعلها وعقيدتها وفيما يُكشَف لها من حقائق الأشياء، وهذا هو معنى الصدّيق أو الصدّيقة [ينظر: تفسير الأمثل: ج9 ص459، تفسير البيضاويّ ج2 ص214]. وقد سبق لنا نشر جوابين لبيان مقام «الصدّيق» وموارد الصدق والتصديق، فلاحظ.
الخصّيصة الثانية: أنّها (عليها السلام) معصومة بالعصمة الجائزة:
العصمة في اصطلاح علماء الكلام هي: قوّة معنويّة وملكة ربّانية يمنحها الله تعالى لمن يشاء من عباده وفق معايير خاصّة وأهليّة حاصلة فيهم، وهي تتمثّل بالتنزه عن الذنوب والمعاصي صغائرها وكبائرها، وعن الخطأ والنسيان والسهو، وعمّا ينافي المروة، كالقيام بأفعال السفهاء أو بما يُستهجَن فعله عند العرف العام) [ينظر: عقائد الإماميّة ص54].
والعصمة واجبة للأنبياء والأوصياء (عليهم السلام، وجائزة لغيرهم، فهي إذن على مراتب ودرجات، وأعلى مراتبها ما بلغه الحبيب المصطفى وأهل بيته الأطهار (صلّى الله عليه وعليهم أجمعين)، ولمّا كانت العقيلة (عليها السلام) تتلقّى التربية والإعداد على أيدي أشرف الخلق وأكملهم وأشدّهم عصمة فقد كانت مؤهّلة لنيل هذه المرتبة من العصمة كما صرّح بذلك غير واحد من أعلام الطائفة.
الخصّيصة الثالثة: كونها (عليها السلام) وصيّة ونائبة للمعصوم (عليه السلام):
من الخصائص التي جمعتها عقيلة بني هاشم (عليها السلام) أنّ الإمام الحسين (عليه السلام) قد أودع عياله عندها وجعلها وصيّة عليهم، ثمّ جعل وصيّته في شؤون الإمامة إليها في الظاهر، بسبب ظروف التقيّة التي عصفت بأهل البيت (عليهم السلام) في محنة الطفّ حتّى كادت تودي بحياة الإمام زين العابدين (عليه السلام) بأمر الطاغية لولا أن تعلقت به العقيلة وقالت: «يا ابن زياد ، حسبك من دمائنا، واعتنقته وقالت: والله لا أفارقه فإن قتلته فاقتلني معه»، فتركه اللعين [ينظر: الإرشاد ج2 ص116، الطبقات الكبرى ج5 ص212]، فكان الأئمّة (عليهم السلام) يرون في السيدة زينب (عليها السلام) الشخصيّة الكاملة التي تؤهّلها لتولّي أداء الشريعة عنهم إلى الناس في ظروف خاصّة، وتجعل منها أمينةً لله على وحيه وعزائم أمره؛ لذا ورد عن السيدة حكيمة بنت الإمام الجواد (عليهما السلام) قولها: «... إنّ الحسين بن عليّ أوصى أخته زينب بنت عليّ بن أبي طالب (عليهم السلام) في الظاهر، وكان ما يخرج من عليّ بن الحسين ينسب الى زينب بنت عليّ تستّراً على عليّ بن الحسين (عليه السلام)» [كمال الدين ص501، الغيبة للطوسيّ ص230].
الخصّيصة الرابعة: في أنّها عالمة غير معلّمة:
فقد ورد عن الإمام زين العابدين (عليه السلام) في تسليته لها (عليها السلام) في مصائب الطفّ أنّه قال: «وأنتِ - بحمد الله - عالمة غير معلّمة، فهمة غير مفهَّمة» [الاحتجاج ج2 ص31]، وقد ذكر العلماء في معنى ذلك وجوها، منها: أنّها (عليها السلام) عالمة بالله تعالى وبآياته الظاهرة، من خلال فطرتها وطهارة مولدها كما سيأتي. ومنها: أنّها (عليها السلام) قد بلغت مراتب عالية جعلتها أهلاً لتلقي الإلهامات الإلهيّة؛ ففتح الله باب فهمها، وأيقظ فطرتها، فأصبحت محلّاً لنور العلم اللدنيّ الذي يقذفه الله في قلب من يشاء من عباده، فهي معلّمة بتعليم الله لا بتعليم البشر.
الخصّيصة الخامسة: في كونها نائبة الزهراء (عليها السلام):
فلقد نابت السيدة زينب العقيلة (عليها السلام) عن أُمّها من خلال تجسيدها لدورها الجهاديّ في رسالة الإسلام من خلال اشتراكها في واقعة الطف، وإكمالها لسلسلة حلقاتها، فقد ذكر بعض العلماء أنّ الرسالة الإسلاميّة كانت قد مَرّتْ بمرحلتين:
إحداهما: مرحلة التأسيس والإيجاد على يد النبيّ الأكرم (صلّى الله عليه وآله)، وقد اشترك معه في هذه المرحلة بقيّة أصحاب الكساء، بالجهاد بالسيف والكلمة، كما في الهجرة معه تبليغ سورة براءة نيابة عنه، وكما في حادثة المباهلة أو في صلح الحديبيّة، وغير ذلك.
والأخرى: مرحلة الإبقاء والحفاظ على تلك الرسالة، وقد برزت في مجريات أحداث واقعة الطفّ وما تلاها خمسة شخصيّات كانت تحكي بوجودها شمائل شخصيّات أصحاب الكساء (عليهم السلام) وتجسّد أدوارهم، فلقد كان الحسين موجوداً في المرحلتين معاً، وكان عليّ الأكبر (عليه السلام) يحكي شمائل جدّه المصطفى (صلّى الله عليه وآله) خَلقاً وخُلقاً ومنطقاً، والعباس (عليه السلام) يجسّد دور أمير المؤمنين (عليه السلام) فيحكي أخوّته وجهاده وشجاعته، والقاسم (عليه السلام) ينوب عن أبيه الإمام الحسن (عليه السلام) ويحكي شخصيّته، ولكي تكتمل الأدوار كان لابدّ من اشتراك عقيلة الهاشميّين (عليها السلام) نيابة عن أمّها الزهراء (عليها السلام) في تحمّل جزء من مسؤوليات الإمامة في الحفاظ على الرسالة الإسلاميّة. ويتأكّد ذلك من خلال دورها الذي قامت بعد شهادة الحسين (عليه السلام)، والذي لخّصته بقولها للطاغية يزيد بن معاوية (عليه اللعنة): «فكدْ كيدك واسعَ سعيك، وناصب جَهدك، فوالله لا تَمحو ذكرنا، ولا تُميت وحينا، ولا تُدرك أَمَدَنا» [بحار الأنوار ج45 ص135].
الخصّيصة السادسة: شراكتها للحسين (عليه السلام) في نهضته:
من خلال ما تقدّم في الخصّيصة الخامسة، يتّضح لنا جليّاً أنّ السيّدة زينب (عليها السلام) كانت شريكة لأخيها سيّد الشهداء (عليه السلام) في جهاده للظالمين، وإذا كان الإسلام قد وضع عن المرأة جهاد السيف، فإنّ ذلك لا يعني الحطّ من قيمتها أو التشكيك في قدراتها، بل يمكن لها أن تجاهد بشكل آخر، فإنّ وجوه الجهاد متعدّدة، ومنها جهاد الكلمة الذي نهضت بأعبائه السيدة زينب (عليها السلام) فأجادت وأحسنت، وقد روى الفريقان عن جدّها النبيّ الأكرم (صلّى الله عليه وآله) أنّه قال: «أفضل الجهاد كلمة حقّ عند سلطان جائر» [مسند أحمد 3 ص19، عوالي اللآلئ ج3 ص432]، وللعقيلة زينب وجوه أخرى من الشراكة مع الحسين (عليه السلام). [ينظر: الخصائص الزينبيّة ص84، استفتاءات التقليد والعقائد للسيّد الروحاني ص259].
الخصّيصة السابعة: في كونها (عليها السلام) عقيلة بني هاشم:
فقد قال أبو الفرج الأصفهانيّ: (والعقيلة هي التي روى ابن عباس عنها كلام فاطمة [عليها السلام] في فدك، فقال: «حدّثتني عقيلتنا زينب بنت عليّ (عليه السلام)») [مقاتل الطالبيّين ص60]، فابن عبّاس يروي ذلك وهو بهيئة التفاخر بها وبالرواية عنها؛ لأنّ معنى العقيلة هي السيّدة الكريمة الجامعة للخصال الحميدة من العفّة والسيادة والخدر وكمال العقل ورجاحة الرأي، وقوله: «عقيلتنا» أي نحن بنو هاشم، وقد كان هذا اللقب وساماً لذرّيّتها فكانوا يلقّبون بـ (بني العقيلة).[ينظر: السيّدة زينب رائدة الجهاد في الإسلام ص46].
الخصّيصة الثامنة: في أنّ لها (عليها السلام) ولاية تكوينيّة:
من خصائص عقيلة بني هاشم (عليها السلام)، ما ظهر أمام الملا من ولاية تكوينيّة لها، فقد نقل ذلك غير واحد من أرباب المقاتل والسيرة من الفريقين عن بشر بن خزيم الأسديّ حيث قال: «ونظرت إلى زينب بنت عليّ [عليهما السلام] يومئذٍ، ولم أرَ خَفِرة والله أنطق منها كأنّها تُفرغ عن لسان أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)، وقد أومأت إلى الناس - وهم الأعداء المجرّدون من كلّ القيم والمبادئ - أن اسكتوا فارتدّت الأنفاس وسكنت الأجراس. ثمّ قالت:.. الخطبة» [الاحتجاج ج2 ص29، البلدان ص224]، فانظر إلى قوله: «أومأت» فإنّه لا يعني إلّا أنّها (عليها السلام) قد أشارت بيدها إشارة واحدة، فاحتبست وتردّدت الأنفاس في صدور الناس وسكنت الأجراس التي كانت معلّقة في رقاب الإبل والخيول، فما الذي جعلها كذلك إلّا ما وهبه الله تعالى لمولاتنا العقيلة (عليها السلام) وأقدرها عليه من ولاية تكوينيّة؟ [ينظر: زينب من المهد إلى اللحد ص289].
الخصّيصة التاسعة: في كونها (عليها السلام) نوراً في الأصلاب الشامخة والأرحام المطهّرة:
لقد كانت ولادة العقيلة الطاهرة (عليها السلام) من نورين إلهيّين، وهما صلب ورحم طاهران من الرجس لا يستقرّ فيها إلّا ما كان نوراً وطاهراً؛ لذا لم يقبل الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) تزويجها إلّا من كفؤٍ كريم لها في الحسب والنسب، فزوّجها من ابن أخيه عبد الله بن جعفر، بعد أن ردّ كلّ مَن خطبها من زعماء القبائل وشخصيّات العرب، ومنهم الأشعث بن قيس الكنديّ الذي كان من ملوك كندة، فإنّه وبعد أن تزوّج أم فروة أخت أبي بكر طمع في مصاهرة أمير المؤمنين (عليه السلام) فجاء خاطباً فنهره الإمام وزبره، وقال: «يا بن الحائك ، أَغرَّك ابن أبي قحافة؟!» [شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج4 ص75].
الخصّيصة العاشرة: في أنّها قبلة الرزايا وكعبة الأحزان وجبل الصبر:
فلقد انتجبها الله تعالى لمشاركة الحسين (عليه السلام) في نهضته، لما سبق في علمه تعالى من كمال معرفتها وسلامة فطرتها وقوّة شخصيتها في تحمل جميع تلك الرزايا والمصائب الجليلة التي دهمتها كسيل العرم، فقابلتها بالرضا والشكر والصبر، فهي التي رأت بقايا جسد أخيها أبي عبد الله (عليه السلام) وقد ناثرته خيول الأعادي فرمقت السماء بطرفها وقالت: «اللهم تقبّل منّا هذا القربان» [حياة الإمام الحسين للقرشي ج2 ص301]، ولمّا عادت إلى المخيّم وجمعت العيال والأطفال تفرّغت قليلاً لأداء صلاة الشكر لله تعالى على كلّ ما حلّ بهم [السيدة زينب رائدة الجهاد ص306]، فلّما قرب فجر الحادي عشر من المحرّم يقول الإمام زين العابدين (عليه السلام): «فتحت عيني ليلة الحادي عشر من المحرّم وإذا أنا ارى عمّتي زينب تصلّي نافلة الليل وهي جالسة، فقلت: يا عمّة أتصلّين وأنت جالسة؟! قالت: نعم يا ابن أخي، رجلي لا تحملني» [زينب من المهد إلى اللحد ص255]، ويشهد لها بجميع ذلك ما رواه ابن أعثم الكوفيّ من موقفها أمام طاغية الكوفة عبيد الله بن زياد حينما سألها: «كيف رأيتِ صُنعَ الله بأخيك وأهل بيتك؟ فقالت: زينب (رضي الله عنها): ما رأيت إلّا جميلاً !، هؤلاء القوم كتب الله عليهم القتل، فبرزوا إلى مضاجعهم، وسيجمع الله بينك وبينهم يا ابن زياد، فتحاجّون وتخاصمون، فانظر لمَن الفلج يومئذٍ، ثكلتك أمّك يا ابن مرجانة»[الفتوح ج5 ص122].
هذا غيض من فيض ملكاتها وخصائصها (عليها السلام) والحمد لله ربّ العالمين.
اترك تعليق