أين قبر السيّدة زينب عليها السلام؟

‏السؤال: إن ما يسمّى (مقام السيّدة زينب) في دمشق هو قبر امرأة دمشقيّة ثريّة اسمها زينب، كانت تساعد المحتاجين وكان أهل المدينة يسمّونها بالسيّدة زينب، وهو ليس مقام زينب بنت عليّ بن أبي طالب، فهي لم تأتِ أرض الشام أبداً! وقبل عام ١٩٦٣ كانت تسمّى قرية راوية، وراوية سيّدة دمشقيّة من طبقة الأغاوات وقبرها هو ذاك، أمّا سبب تسميته السيّدة زينب وتغيير الاسم بزمن البعث فهو بسبب شيخ صوفيّ حلم أنّ القبر لزينب بنت الحسين فقط لا غير.

: الشيخ معتصم السيد احمد

الجواب:

بذل العديد من العلماء والباحثين جهوداً كبيرةً في مجال البحث والتحقيق حول الروايات والنقول التاريخيّة المتعلّقة بمكان قبر السيّدة زينب الكبرى، وقد انحصرت الآراء التي نوقشت حول هذا الموضوع في ثلاثة احتمالات:

1- المدينة المنوّرة:

إذ ذهب العلّامة السيّد محسن الأمين العامليّ إلى القول بأنّ قبر السيّدة زينب يجب أن يكون في المدينة المنوّرة، إذْ كانت موطنها الأصليّ. ويرى أنّ عودتها إلى المدينة بعد واقعة كربلاء ثابتة، وبالتالي، ووفقاً لمبدأ الاستصحاب، يجب افتراض أنّ وفاتها ومرقدها كانا في المدينة المنوّرة ما لم يثبت خلاف ذلك. وفي نصّ كلامه يقول: (يجب أن يكون قبرها في المدينة المنوّرة إذ لم يثبت أنّها خرجت منها بعد عودتها، وإن كان تاريخ وفاتها ومكان قبرها غير محدّدين. ومن المحتمل أن يكون قبرها في البقيع كما هو الحال بالنسبة لكثير من أهل البيت، خاصّة من النساء، الذين جُهلت مواقع قبورهم وتواريخ وفاتهم). [موسوعة أعيان الشيعة، للسيّد محسن الأمين ج 7 ص 140].

وقد ناقش هذا الرأي الباحث الشيخ محمّد حسنين السابقيّ قائلاً: (نحن لا ننكر أن يكون مدفن السيّدة زينب الطاهر في البقيع، لكنْ بشرط أن يدعمه دليل قاطع أو نصّ تاريخيّ واضح، إذ إنّ قبور البقيع ذُكرت في كتب التاريخ مثل (تاريخ ابن النجّار) و(وفاء الوفا) للسمهوديّ، حيث أفرد باباً خاصاً لمزارات أهل البيت والصحابة، ومع ذلك، لا يوجد ذكر لقبر السيّدة زينب بينهم. ولو كان مرقدها في المدينة لورد ذكره، كما ذُكر لمن هم أدنى منها مقاماً من بني هاشم... ويضيف السابقيّ: إنّ القائلين بهذا الرأي اعتمدوا على قاعدة الاستصحاب الأصوليّة؛ أيْ أنّها عادت إلى المدينة بعد كربلاء، وظلّت هناك حتّى وفاتها، ولم يرد ما يثبت انتقالها إلى مكان آخر. ولكن في مسائل التاريخ، لا يُعتمد عادةً على هذا النوع من الأدلّة، خاصّةً بعد ما ذكره ابن طولون الدمشقيّ حول انتقالها إلى الشام ووفاتها هناك). [مرقد العقيلة زينب، السابقيّ ص 102].

2- مصر ودمشق:

إذا كان الأمر مختلفاً بشأن المدينة المنوّرة لعدم وجود دليل نقليّ حول وجود قبر السيّدة زينب فيها، فإنّ الوضع مختلف في كلٍّ من مصر والشام، إذْ توجد روايات ونصوص تاريخيّة تدعم احتماليّة وجود قبرها في هذين المكانين، ويُعدُّ المقامان الموجودان في القاهرة ودمشق مصدراً للاحترام والتبجيل والبركة ومقصداً للزوار.

ومع ذلك، فإنّ البحث الدقيق في الأدلّة يرشّح أنّ قبر السيّدة زينب في دمشق، إذْ وردت شواهد كثيرة في كتب المؤرّخين والرحّالة منذ قرون تُشير إلى هذا الرأي، إلى جانب ضعف الأدلّة التي تدعم احتماليّة وجود قبرها في مصر، وقد رجّح بعضهم بأنّ المقام الموجود في مصر متعلّق بزينب أخرى من العلويّات. ومن الكتابات التي رجّحت مدفنها الشريف في دمشق كتاب (المرقد الزينبيّ) للشيخ فرج العمران، مضافاً إلى الكتاب الذي أشرنا له سابقاً للباحث الباكستانيّ الشيخ محمّد حسنين السابقيّ ويقع الكتاب في أكثر من 240 صفحة، تناول فيه تفصيلات مهمّة يمكن للمهتمّ الرجوع إليه.

وفي المقابل لا توجد إشارة في كتب التاريخ الإسلاميّ أو المصادر المعتبرة عن امرأة دمشقيّة تُدعى (راوية) لها علاقة بهذا المقام، ولا عن قصّة صوفيّ رأى رؤية تنسب القبر للسيّدة زينب. ولم تذكر المصادر القديمة ما يؤكّد صحّة هذه المزاعم. وقد ذُكرت القرية بهذا الاسم في التاريخ القديم، ولم يرتبط تغيير اسمها بفترة حكم البعث أو غيره، كما أنّ علماء الآثار أولوا اهتماماً كبيراً لهذا المقام ولم يدّعِ أحد منهم بأنّ هذا المقام يعود لامرأة دمشقيّة أخرى. كلّ ذلك يُعزّز من الثبوت التاريخيّ لنسبة هذا المقام للسيّدة زينب الكبرى عليها السلام. وباختصار كلّ هذه الشواهد التاريخيّة والعلميّة تدحض جميع هذه المزاعم، وتثبت ارتباط المقام الدمشقيّ بسيّدة آل البيت زينب بنت عليّ (عليهما السلام). والحمد لله ربّ العالمين.